العميد أمين حطيط لـ«قاسيون» جاؤوا بنار ليحرقوا بها الوطنيين فإذا بها تحرقهم
وفي محاولة لقراءة مستجدات الوضع في لبنان توجهت قاسيون بجملة من الأسئلة إلى المحلل الاستراتيجي، العميد المتقاعد محمد أمين حطيط من بيروت وكان الحوار التالي:
• كما يعلم الجميع أن لبنان من الجمعة 23/11 يعيش حالة فراغ للأسف، ما هي قراءتك للحدود التي توقف عندها قرار العماد إميل لحود قبل مغادرته قصر (بعبدا)؟
الواقع أن العماد لحود عندما انتهت ولايته كان أمام عدة خيارات منها الدستوري ومنها غير الدستوري، واختار- على عادته في احترام الدستور- ما يحفظ الوطن والمواطنين وأمنهم. وقد كان له أن يشكل حكومة ثانية، وهذا ما كانت تنتظره الولايات المتحدة، يعني أن ينقسم لبنان، وتبادر أمريكا بعد ذلك بالاعتراف بالحكومتين، وتنشئ «لبنانين» وهذا ما كان يتفاداه العماد لحود الذي وحّد الجيش. الخيار الثاني هو أن يقيل هذه الحكومة وينشئ حكومة أخرى، ولكن الواقع الميداني يحول دون ذلك. أما الخيار الثالث فهو أن يفصل بين الواقع غير الشرعي للحكومة، وبين حفظ الأمن والقيادة الأمنية العسكرية التي لا تترك مجالاً لهذه الحكومة لاتخاذ قرارات خطيرة خاصة في مسألة المقاومة وسلاحها، وهذا ما لجأ إليه بأن أعلم الجيش بأن الحكومة القائمة هي غير شرعية، وبالتالي يستطيع الجيش ألاّ ينصاع لأوامرها ويستمر في القيام بأعماله كما هي لجهة حفظ الأمن ووحدة الوطن واستقراره، وبالتالي نستطيع أن نقول: إن العماد لحود اختار الحل الذي يحفظ وحدة البلاد، ويحفظ سلاح المقاومة ويعزل هذه الحكومة عن الجيش.
• ما قام به العماد لحود هو فعلاً التزام بالدستور ولكن الآخرين لا يلتزمون بالدستور، والحكومة التي ينعتها غالبية المراقبين بأنها اغتصبت السلطة لم تعترف بقرار لحود واستخفت به، ما الذي يمكن أن يفعله الجيش أمام هذه الحكومة؟
نحن لا نتوقف عند ما تقوله الحكومة. نراقب ماذا ستفعل؟ وبالتالي الذي نعوّل عليه في هذه الفترة هو أداء الجيش، والأوامر التي ستصدر إليه. إن الحكومة رفضت بيان رئاسة الجمهورية لفظاً ولكن أكدت عليه واقعاً وبتصريحات ملتوية إذ قالت: إن الجيش اللبناني يقوم بمهامه على أتم وجه، ولا يحتاج إلى تكليف بمهام إضافية، وهذا هو المطلوب تحديداً من البيان الذي أصدره العماد لحود، أي أن الحكومة اعترفت بأن الجيش سيتابع أعماله كما يريد رئيس الجمهورية، ولن تعترض الحكومة، ولن تبادر إلى تكليف الجيش بمهام تخرق الإرادة الوطنية الجامعة. وهذا ما كان يريده العماد لحود، والمقاومة والمعارضة، بأن يبقى الجيش بمنأى عن سلطة هذه الحكومة، فلا تستعمله أداة قمعية كما هو الحال بالنسبة للأنظمة التي تسيّرها الولايات المتحدة في العالم الثالث.
• الاستحقاق الرئاسي اللبناني هو مدخل إلى سلة استحقاقات أخرى تتعلق بالحكومة وشكلها، والوصول إلى رئيس لها سواء كان توافقياً هو الآخر أم لا، ومن ثم تركيبة البرلمان، كيف تنظر إلى سلة هذه الاستحقاقات؟
يجب أن نعترف أن النظام الذي كان قائماً حتى 23 تشرين الثاني 2007 «نظام الصيغة اللبنانية المعدلة بالطائف»، قد سقط، والآن يدخل لبنان في فراغ لاأتصوره فراغاً قصيراً، إنه فراغ يفصل بين حقبتين: حقبة الطائف، وحقبة البحث عن نظام جديد يحقق استقراراً أفضل ومشاركة أفضل للشعب وللطوائف في لبنان.
لقد أظهر النظام الطائفي أن هناك خدعة كبيرة قام بها فريق معين، فجاء بنظام يجعل السلطة مركزة بيد طائفة واحدة.. وهذا ما اتضحت ملامحه عبر فؤاد السنيورة الذي نجح في إسقاط نظام الطائف، وإظهار السلبيات الخطرة فيه، إذ استطاع تمكين طائفة واحدة من الاستئثار بالقرار اللبناني وتعزل طائفتين كبيرتين، وتدّعي أن وضعها دستوري. لذلك أعتقد أن الفراغ هو فراغ النظام السياسي وسقوط النظام الطائفي.
• ولكن هل الطبقة السياسية اللبنانية بمختلف ألوانها هي بصدد إلغاء نظام التحاصص الطائفي أم أنها تعيد إنتاجه لتضمن استمراريتها كطبقة سياسية ولو على حساب الشعب اللبناني ذاته؟
الآن الطبقة السياسية هي خاوية من القدرة والقوة والشجاعة، لذلك نميز بين طبقة سياسية تقليدية أو مستحدثة، وكلاهما سقطتا-، وبين جهات لبنانية لصيقة بالشعب والمجتمع والشارع والمقاومة، وهذه هي بصدد البحث عن نظام يحقق المشاركة والتوازن في الحكم. ولذلك لا أعتقد أن إنتاج النظام القديم ليعيد الطبقة السياسية الفاشلة إلى مراكزها هو أمر سينجح.
• سيادة العميد، وما ارتباط مايجري في لبنان ومايجري في المنطقة ولاسيما بخصوص ما يسمى (لقاء أنابوليس)؟
الولايات المتحدة شاءت للبنان أن يدخل في الوضع الذي هو فيه حتى تستطيع أن تأخذ به إلى (أنابوليس)، وتنسيه انتصاره في العام الماضي. وقد نجحت بهذه النقطة بأن هرّب فؤاد السنيورة التمثيل اللبناني تهريباً وأرسل موفداً عنه من غير أن يتحقق إجماع. ولكن بالنسبة للنتائج التي ستنتج عن لقاء أنابوليس والذي لن يعدو بنظرنا «فنجان القهوة»، أو صورة تذكارية كما يقول بعض المراقبين، مهما كانت نتائجه فإن هذه الحكومة لاتمثل إلا أشخاصها، وبالتالي ليس المهم أن نتخذ القرار، المهم القدرة على التنفيذ. وهذا مانقوله: فؤاد السنيورة حتى لو التزم أمام الأمريكيين، فإن الأيام المقبلة كفيلة بإزالة السنيورة مع التزاماته، وليطالبه الأمريكيون بعد ذلك، ولنر كيف ينفذ هذه الالتزامات؟
• ضمن حالة الاستعصاء القائمة حالياً، يبقى السؤال: ماالمخرج أمام القوى الوطنية؟ وماهي الآفاق من أجل الحفاظ على خيار المقاومة بمعناه الشامل؟
علي أن أطمئن جميع المهتمين بشأن المقاومة، لبنانيين وعرب ومسلمين، أن المقاومة الآن بألف خير، لقد سقطت كل الأدوات والمحاولات بنزع سلاحها، وما وصلنا الآن إليه في هذه اللحظة هو أكبر دليل على فشل المشروع بالكامل، لايمكن بعد أن دخل لبنان في فراغ النظام، وبعد أن هزمت إسرائيل في العام الماضي، وبعد أن استحال تنفيذ القرار 1559 بالحوار المخادع، لايمكن لأحد أن يتصور أن هناك جهة تستطيع نزع سلاح المقاومة، والمقاومة تضخمت قواها واشتدت عزيمتها أكثر، وهذا ما توضح في المناورات الأخيرة. وهي قادرة على إجهاض أي التزام سواء أكان التزاماً رسمياً أم إلزاماً بالقوة، وهي ذات خبرة في الحالتين.
أما بالنسبة لوضع القوى الوطنية في مجملها، فإن الذي تبديه هذه القوى من ترك المجال لإفراغ سموم الفريق المقابل هو الفكرة الممتازة، لأنها تكشف هذا الفريق، والآن السنيورة الذي ظنّ أنه سيصبح قائداً، ينوء تحت أعباء الوضع الذي هو فيه، ولايتردد في الاتصال بهذا وذاك، حتى يطمئنه بأنه لم يغتصب السلطة وهو يخشى من ردات فعل ستسقطه..
وبالتالي فإن الأداء السلمي والحكيم والمتماسك للمعارضة هو الطريق السليم لإجهاض المشروع وعدم الانجرار إلى فتنة داخلية وحرب أهلية وتدابير تقسيمية تريدها أمريكا لفرض التوطين.
• المقاومة جبهتها ثابتة مع إسرائيل، لا خشية على قوتها ومنعتها، ولكن في الشأن الداخلي اللبناني فيما يتعلق بجملة الاستحقاقات والتحديات المفروضة على بنية الدولة والمجتمع اللبناني، هل يمكن للمقاومة أن تتخذ إجراءات ما؟
هنا ينبغي أن نميز في سلوك القوى الوطنية والمعارضة وبين المقاومة. المقاومة جهدها موجّه لإسرائيل، وأمريكا لاتريد إلا هذا السلاح، وبما أن هذا السلاح بعيد عن متناولهم فإن المشروع الأمريكي- الإسرائيلي في لبنان فاشل.
أما بالنسبة لقوى المعارضة الوطنية فهي تعمل عملاً سلمياً وبمستويات متفاوتة. وهذا العمل السلمي بإمكانه أن يجهض المشروع وأن يصل إلى مبتغاه الوطني.
وفي النهاية أقول في هذا المجال: إنهم طبخوا سماً ليطعموه لخصومهم، وهاهم يأكلونه، وجاؤوا بنار ليحرقوا بها الوطنيين فإذا بالنار تحرقهم، واغتصبوا سيفاً ليقطعوا به رقاب خصومهم الوطنيين، فإذا بالسيف يجرحهم.