د. ماهر الطاهر لـ«قاسيون»: كثافة الحضور العربي في أنابوليس دون التزامات إسرائيلية واضحة هو تطبيع مجاني
التقت «قاسيون» الرفيق ماهر الطاهر عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وسألته عن الموقف العام للجبهة من لقاء «أنابوليس» وكان الحوار التالي:
• كيف تنظرون في الجبهة الشعبية للقاء (أنابوليس)، وما هي مخاطره على الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، خصوصاً وأنه يأتي في ظل إجماع عربي على المشاركة فيه؟؟
أعتقد أن الهدف الحقيقي من لقاء (أنابوليس) ليس إيجاد حل للقضية الفلسطينية قائم على أساس قرارات الشرعية الدولية، وقرارات الأمم المتحدة، ومبادئ القانون الدولي، بل إن الهدف الحقيقي لهذا اللقاء هو تحقيق مصالح وأهداف أمريكية ـ إسرائيلية، لأن إدارة بوش تعيش مأزقاً حقيقياً في العراق، أزمة شديدة التعقيد، وبالتالي تسعى هذه الإدارة إلى تحسين صورتها داخل المجتمع الأمريكي، خاصة أن الولايات المتحدة مقبلة على عام الانتخابات الرئيسية، ويسعى الحزب الجمهوري الذي يمثله بوش إلى تحسين صورته على الصعيد الداخلي الأمريكي بعد أن تشوهت في ظل الجرائم البشعة التي اقترفت بعد احتلال العراق ومقتل أكثر من مليون عراقي..
كما تهدف إدارة بوش إلى تحسين صورتها خارجياً، وتريد بشكل مخادع أن تقول للعالم: إنها ليست إدارة إشعال حروب فقط، وإنما هي إدارة تسعى للسلام، ومحاولة معالجة القضية الفلسطينية.. هذا هدف أول، وهو حاجة أمريكية، وهدف أمريكي بعيد كل البعد عن محاولة إيجاد حل للقضية الفلسطينية.
الهدف الثاني للقاء أنابوليس يرتبط بتقوية أوراق أولمرت الداخلية بعد الهزيمة في عدوان تموز 2006 على لبنان. صمود المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله، وفشل «إسرائيل» في تحقيق أهدافها، خلق أزمة عميقة داخل المجتمع الصهيوني ويريد أولمرت تحسين صورته، وتسعى الإدارة الأمريكية لتقوية موقفه بعد أن تمكن الشعب اللبناني من إدخال إسرائيل في مأزق عميق.
الهدف الثالث: محاولة تطويق نتائج الانتصار الذي تحقق في لبنان، فعندما أعلن السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية بأن التسوية وصلت إلى طريق مسدود، وأن أمريكا تضحك على العرب، وسلّمت العملية بالكامل لإسرائيل، الجماهير الفلسطينية والعربية بعد انتصار المقاومة في لبنان وهزيمة إسرائيل استنتجت أن منطق المقاومة يستطيع أن يحقق نتائج، وأن إمكانية هزيمة إسرائيل واقعية وليست أضغاث أحلام وبالتالي باتت الجماهير تقارن بين نموذجين، نموذج أوسلو وتقديم التنازلات والمفاوضات العبثية التي استفادت منها إسرائيل لمزيد من الاستيطان والتوسع وتهويد الأرض، والنموذج الآخر: منطق المقاومة والصمود.
أنا أتصور أن الإدارة الأمريكية تسعى الآن إلى تطويق نتائج الانتصار ولتقول: إن التسوية لم تصل إلى طريق مسدود. وهناك عملية مفاوضات. وسنطلق عملية السلام، ويريدون حقن هذه العملية بإبر مورفين جديدة من أجل ممارسة المزيد من كسب الوقت والضحك علينا بمزيد من الاستيطان والتهويد..
• ما مخاطر المؤتمر على وحدة الصف الفلسطيني وحقوق الشعب الفلسطيني، وهل حقاً سيشكل خطوة على طريق السلام؟
لقاء (أنابوليس) لن يترتب عليه أكثر من إلقاء كلمات وبعد ذلك سيقولون: إننا أطلقنا عملية مفاوضات. وسيتم بحث قضايا الحل النهائي مستقبلاً. وندخل في متاهات جديدة. الموضوع الآخر من هذا اللقاء محاولة خلق عملية تطبيع بين الدول العربية وإسرائيل دون أن تقدم إسرائيل شيئاً من استحقاقات السلام. عندما يذهب عدد كبير من الدول العربية ويحضرون هذا اللقاء دون أي التزام من إسرائيل بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية والعربية ودون الالتزام بحق العودة والانسحاب من القدس، أنا أعتقد أن عملية التطبيع ستكون مع الدول العربية بدون مقابل. الشيء الخطير للغاية أن إسرائيل تصرُّ على إقرار فلسطيني بيهودية الدولة الصهيونية، وهذا لا يشكل خطراً على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في الشتات والذين يتجاوزون الـ5 مليون فقط، بل يشكل خطراً كبيراً على أهلنا الذين هم في الأرض الفلسطينية ويعيشون في المناطق المحتلة عام 1948، لأن إسرائيل ستقول في المستقبل وعلى المدى الاستراتيجي: نحن دولة يهودية وهناك إقرار بهذا الأمر، وبالتالي هؤلاء الفلسطينيون الذين يعيشون معنا عليهم أن ينتقلوا إلى أراضي الكيان الفلسطيني! إن هذا المؤتمر مرجعيته ليست قرارات الأمم المتحدة ولا مبادئ القانون الدولي، وإنما مرجعيته هي الإدارة الأمريكية، وهي تنحاز بشكل صارخ إلى جانب إسرائيل، وكان الرئيس (بوش) قدم كتاب ضمانات خطية لإسرائيل، يتحدث أنه لا انسحاب من القدس.. لا انسحاب كامل من أراضي الـ67، ولا إقرار بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، فيصبح السؤال المركزي: هل نحن أمام عملية تسوية للقضية الفلسطينية؟ أم نحن أمام عملية تصفية؟؟
• بالنسبة لكم كقوى وطنية، هناك إجماع تام من الفصائل الوطنية الفلسطينية على رفض المؤتمر ونتائجه وتداعياته بشكل قطعي.. ماالخيارات المتاحة أمام القوى الوطنية الفلسطينية لتفعيل هذا الرفض؟
لم تترك إسرائيل أمامنا من خيار سوى استمرار المقاومة، لأن إسرائيل أثبتت أنها لا تريد سلاماً، بل تريد فرض إملاءاتها وشروطها على الشعب الفلسطيني لتفرض استسلاماً كاملاً.
• ولكن ثمة انقسام فلسطيني غير مسبوق، أمام هذه التعقيدات كيف ستحاولون إسماع صوتكم كقوى وطنية ممثلة حقيقية للشعب الفلسطيني؟
أوافقك الرأي، صحيح هناك تعقيدات في الداخل الفلسطيني، هناك حالة انقسام عميقة في الوضع الداخلي، ودخلنا إلى نفق مظلم وخطير.
• وهو من تداعيات أوسلو في كل الأحوال..؟
نعم هو من تداعيات أوسلو، وزاد الطين بلة الإقدام على الحل العسكري في قطاع غزة. لذلك نحن في وضع داخلي لا نحسد عليه، وإدارة بوش وإسرائيل يعتقدان أن الوضع الفلسطيني يمر بلحظة ضعف وانقسام، وبالتالي فالظروف مناسبة للحصول على تنازلات فلسطينية جديدة، في ظل وجود حكومتين في رام الله وغزة.
أعتقد أنه بعد (أنابوليس) سيتضح للجميع أن إسرائيل لم تقدم شيئاً جديداًَ، وهي تناور لكسب المزيد من الوقت، وليس أمامنا من طريق إذا أردنا أن نحافظ على حقوقنا الوطنية إلاّ أن نعمل على استعادة بناء وحدتنا الوطنية، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وهي الإطار الموحد لشعبنا داخل الوطن المحتل وخارجه.. ليس أمامنا من خيار إلاّ التمسك بالثوابت الوطنية وعدم المساومة عليها، وتوحيد صفوفنا من أجل مواجهة هذا العدو الذي لن ينسحب من أرضنا إلاّ إذا وصل إلى قناعة بأن استمرار احتلاله سيكون مكلفاً وباهظ الثمن، عندئذ يمكن أن تعيد النظر في حساباتها. أما ما عدا ذلك لا أظن أن إسرائيل ستقدم شيئاً جديداً.. لذلك علينا إعادة توحيد صفوفنا، واستمرار المقاومة التي هي ليست مسألة ذاتية بقدر ما هي أمر مفروض علينا موضوعياً بحكم طبيعة الصراع القائم.
الذين راهنوا على موضوع مؤتمر (أنابوليس) وإمكانية العودة للمفاوضات سيكتشفون أن هذا الطريق سيكون كالعادة: مزيداً من إضاعة الوقت، ومزيداً من الفرص لإسرائيل لتوسيع الاستيطان والاستمرار في بناء جدار الفصل العنصري، وتحقيق الأهداف الإسرائيلية التي تمارس يومياً على الأرض..