ما الذي يجري تغيـيبه في التداول الببغائي العربي بخصوص التبت؟

يوحي توقيت تفجير الأحداث في الصين بخصوص التبت بأن شيئاً ما وشيكاً يُرتب للمنطقة العربية كما كان الحال مع السارس الذي اجتاح الصين إبان التحضير الأمريكي في مجلس الأمن لغزو العراق وهو المرض الذي سُحب من التداول الإعلامي الدولي بعد أن أصبح احتلال العراق أمراً واقعاً. وفيما لا يبدو للمتابع العادي جملة الأسباب والعوامل الكامنة وراء هذا التفجير تأتي المقالات البحثية الثلاث التي تناقلها عدد من المواقع والمراسلات الالكترونية بقلم الباحث د. إبراهيم علوش لتسلط أضواءً رئيسية على خلفيات ما يجري حالياً في التبت، وقد قسّم ذلك إلى ثلاثة عناوين هي: مشروع تفكيك الصين وعلاقة الدالاي لاما العلنية بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، مشروع تفكيك الصين وخلفيات الصراع في التبت من زاوية العلاقات الدولية، والأساس الاقتصادي لتمرد الرهبان البوذيين في التبت على الحكومة الصينية. وفيما يلي تلخيص لأهم النقاط الواردة في تلك المواد:

• من غير المفهوم والمبرر سكوت الغرب عن تعرض المسلمين ومساجدهم ومنازلهم للعدوان في التبت من قبل أنصار الدالاي لاما رغم تعرض كل الأقليات الصينية المهاجرة إلى التبت، من المسلمين وغير المسلمين، للاعتداء من رعاع الحركة الانفصالية، فالمقصود هو فصل التبت عن الصين، والسعي لإثارة قضيتها إعلامياً على أوسع نطاق عشية الألعاب الأولمبية في الصين.

• منح جورج بوش الدالاي لاما، الميدالية الذهبية للكونغرس الأمريكي، في احتفال رسمي في تشرين الأول 2007، «تقديراً لجهوده من أجل السلام وحقوق الإنسان».

• قبل ذلك ذهب الدالاي لاما إلى الكيان الصهيوني مرتين، في عامي 1999 و2006 للمشاركة في إحياء «الذكرى المئوية لهجرة رئيس الوزراء الأسبق ديفيد بن غوريون إلى إسرائيل»، حيث جرى تكريمه في مستهل تلك «الاحتفالية».

• لم تشفع للصين تجارتها الضخمة مع الكيان الصهيوني لأن حساباته الإستراتيجية هي بالضرورة جزء من حسابات النظام الدولي الجديد، والتي تتطلب تفكيك الصين وإضعافها وإغراقها بالإشكالات.

• وثائق الخارجية الأمريكية المفرج عنها في 1998 تدل بأن المخصصات السنوية للحركة الانفصالية في التبت خلال الستينات من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بلغت 1،7 مليون دولار سنوياً للقيام بأعمال عنف مسلح ضد الصين الشعبية خلال تلك الفترة، أما المخصص الشخصي للدالاي لاما منذ بداية الخمسينات حتى نهاية السبعينات فكان 186 ألف دولار سنوياً.

• يفترض أن دعم الولايات المتحدة الرسمي للحركة الانفصالية انتهى مع قيام العلاقات الدبلوماسية مع الصين عام 1979، ولكنه استمر بعدها من خلال مجموعة من مراكز الأبحاث والمنظمات غير الحكومية.

• توجد قوى سياسية نافذة في الولايات المتحدة تحاول استعمال «سيناريو كوسوفو» لدفع شعب التبت إلى النضال المسلح من أجل الاستقلال عن الصين

• تردد بعض وسائل الإعلام العربية كالببغاء خلف وسائل الإعلام الغربية أن الثورة الماوية احتلت التبت عام 1951، وأن التبت كانت دولة مستقلة قبلها. لكن الحقيقة هي أن التبت كانت جزءاً من الصين على مدى سبعمائة عام، وما جرى هو أن الثورة عندما بدا أنها سوف تنتصر عام 1949 على قوات الكومينتانغ المدعومة من الولايات المتحدة، فإن الأخيرة حاولت أن تضم التبت كدولة مستقلة للأمم المتحدة، وقد باءت تلك المحاولة بالفشل، خاصةً أن حركة الكومينتانغ رفضت آنذاك انفصال التبت عن الصين، بالرغم من صراعها الدموي مع الشيوعيين الصينيين بقيادة ماوتسي تونغ. ولكن ما حدث هو أن التبت بين العامين 1949 و1951، عندما أعادها الشيوعيون الصينيون للوطن الأم، كانت منفصلة بالفعل عن الصين، كشمال العراق اليوم، ولكن غير مستقلة بالاسم.

• الهدف من تفكيك الصين يتعلق بخوف الإمبريالية العميق من صعود التنين الآسيوي، في مجال التكنولوجيا والتصنيع، وزيادة الموازنة العسكرية للجيش الصيني إلى مستوى غير مسبوق عام 2008، والتحالف الإستراتيجي مع روسيا وبعض دول آسيا الوسطى والفائض التجاري الصيني بمئات مليارات الدولارات سنوياً مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، والمنافسة الدولية على النفوذ ومصادر الطاقة والمساعي الصينية للتمدد في أفريقيا، وتراكم الاحتياطي الهائل للعملة الصعبة في البنك المركزي الصيني الذي تبلغ قيمته نقدياً 1،65 ترليون دولار فقط، ولنا أن نتخيل كيف يمكن أن ينهار الدولار لو قامت الصين بإلقاء جزءٍ من تلك الحمولة بالأسواق المالية العالمية، إلى جانب رفض انفصال كوسوفو، والتحالف مع الحكومة السودانية وما يعنيه ذلك من صدام مع الطرف الأمريكي-الصهيوني حول دارفور، إلى الموقف من احتلال العراق.

• بالتالي لم تأتِ حركة الغوغاء من دعاة الانفصال في إقليم التبت الصيني من فراغ في 10/3/2008، ولا تصاعد حدة خطاب زعيم حركة الكومينتانغ في تايوان إزاء الصين ومطالبته بإزالة الصواريخ الصينية الموجهة للجزيرة قبل البدء بالتفاوض مع بكين وليس من المستبعد أن نسمع قريباً عن تحركات انفصالية أو أعمال عسكرية في إقليم شينجيانغ الإسلامي في الصين، وهو مجاور لأفغانستان ويعد الإقليم النفطي الأساسي في الصين.

• من الواضح أن التنازلات الكثيرة التي قدمتها القيادة الصينية للولايات المتحدة حول العالم والسياسة غير الهجومية التي كانت تتبناها خارج المحيط المباشر لحدودها ومجالها الحيوي، مقابل العدوان العابر للمحيطات للإدارة الأمريكية، لم تكفِ لطمأنة الإدارة الأمريكية.

• يقدر خبراء اقتصاديون أن معدلات نمو الاقتصاد الصيني الحالية يمكن إذا استمرت أن تجعل من الاقتصاد الصيني أكبر من الاقتصاد الأمريكي، أكبر اقتصاد عالمي حالياً، بين عامي 2020 و2025، وهي مسافة زمنية ليست ببعيدة.

• يقول الكاتب اليساري الأمريكي مايكل بارنته في مقالته «الإقطاعية الصديقة: أسطورة التبت» في وصف حالة التبت قبل الحكم الشيوعي: «كان معبد دريبنغ Drepung واحداً من أكبر ملاك الأراضي في العالم، وكانت تلك الأراضي مقسمة إلى 185 إقطاعية، وفيها خمسِة وعشرون ألف قن (فلاح مقيد بالأرض)، وثلاثمائة مرعى كبير، وستة عشر ألف راعي. وكانت ثروة المعابد بيد أعداد صغيرة جداً من الكهنة ذوي المراتب العليا، الذين يسمى كلٌ منهم «لاما» وكان معظم الكهنة العاديين يعيشون عيشة كفاف دون أي حق بالتمتع بتلك الثروة الكبيرة، أما الزعيم الروحي للاما، الدالاي لاما، فقد عاش ببذخ في قصر بوتولا المؤلف من ألف غرفة وأربعة عشر طابقا».

• خلافاً للمتداول فإن الحكومة الصينية تقوم بتمويل وترميم العديد من المعابد البوذية، وهو الأمر الذي يقلق الديلي لاما إذا شعر أن الرهبان البوذيين لن يدينوا بالولاء له إن أصبح دخلهم معتمداً على الحكومة الصينية ومشروع التنمية الاقتصادية في الصين.

• تقول الكاتبة اليسارية الأمريكية سارة فلاوندرز في وصف الحياة في التبت قبل الثورة الماوية في مقالة كانت قد نشرتها عام 1999 بعنوان «ماذا تريد أن تفعل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بالدالاي لاما؟» إن التبت قبل الحكم الشيوعي كانت متخلفة تماماً وبلا شبكة طرق أو مستشفى واحد، ولم يكن فيها مدارس ما خلا المعابد البوذية التي بلغ عدد طلابها 600 طالب، من الصبيان فقط، وأن اقتصادها الزراعي كان يقوم على العبودية والقنانة، حيث تسعون بالمئة من السكان مرتبطون بالأرض دون أن يملكوها، وكان أولاد الأقنان يسجلون في دفاتر الإقطاعيين. أما عام 1999 فبات في التبت حوالي مئة مستشفى، ومئات العيادات، وأكثر من ألفي مدرسة ابتدائية، وعدد من المعاهد التقنية، تدرس باللغة التبتية.

• العبودية لم تلغَ في التبت إلا عام 1959، وبدأت الحكومة الصينية بدفع الرواتب لأبناء التبت العاملين على إنشاء شبكة الطرق، مما حررهم من ضرورة العمل عند الإقطاعيين، وهز أركان النظام الإقطاعي، كما بدأت تدفع الرواتب لأطفال الأقنان والعبيد السابقين ليحضروا المدارس، بدلاً من أن يضطروا للعمل، وبدأت تزودهم بالطعام والكتب. وكان هذا هو بالضبط السبب الذي جعل الديلي لاما والمائة عائلة إقطاعية التي تدير التبت تتعاون مع الإمبريالية الأمريكية للبدء بحركة تمرد عسكري.

• بدءاً من عام 1955، عملت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على إنشاء جيش للثورة المضادة في التبت، وتم تأسيس القواعد العسكرية خارج الصين لتدريب ذلك الجيش في الولايات المتحدة وفي جزيرة أوكيناوا وغوام، وقام سلاح الجو الأمريكي خلال الخمسينات بأكثر من 700 رحلة فوق التبت لإلقاء الأسلحة والعتاد للمتمردين.

• وبدون هذه الخلفية لا نستطيع أن نفهم ما يجري في التبت اليوم...