أمريكا والبحث في الماضي عن مفاتيح المستقبل
هل نحن روما؟ وهل ثمة تشابه ما بين الولايات المتحدة والإمبراطورية الرومانية التي اندحرت وانهارت كما يعرف الجميع؟ الإجابة هي: نعم، كما يقول المشرف العام للحسابات والنفقات في الولايات المتحدة «ديفيد ووكر» مستشهداً بحالات التشابه الكبير بين أميركا اليوم وروما في ذلك الوقت. وعلى الرغم من أوجه الشبه المثيرة في نقاط الضعف والإخفاقات التي مُني بها الطرفان الأمريكي والروماني خاصة في وقت نشهد فيه انهيار الجسور، وتراجع العملة الوطنية، وخوض غمار حروب خارجية فاشلة، يظل هناك اختلاف أساسي لا يزال لحسن الحظ داخل نطاق سيطرتنا. وقد ظل «ووكر» وعلى مدى أعوام يحذر من حصول عجز مالي لا يمكن الاستمرار معه.
إلا أنه ذهب هذا الشهر إلى ما هو أبعد من ذلك عندما وصف الحكومة في واشنطن بالمنصة التي تحترق وقال إن هناك حالاً من التراجع تمر بها القيم الأخلاقية والأدبيات السياسية في الداخل الأميركي إضافةً إلى الجيش الذي يعيش في حالة من التقهقر السريع، والذي ينتشر بصورة موسعة في الخارج إلى حد يضعف من قدرته القتالية، ناهيك عن انعدام المسؤولية المالية للحكومة المركزية. ومن ثم فالفكرة لا تزال تطرح نفسها بقوة والسؤال هو لماذا؟ لأن الإمبراطورية الرومانية كانت أكبر إنجاز سياسي عسكري عبر العصور، ولقرابة ستة قرون نجحت مدينة واحدة في ايطاليا ببسط نفوذها والهيمنة على مساحة كبيرة من أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط.
وعلى ضوء الأثر التاريخي الذي تركته تلك الإمبراطورية فليس من عجب أن يستمر إلى الآن ظهور روما بقوة على الساحة الثقافية كما ظهرت على الساحة السياسية. وفيلم «الفيلق الأخير» الذي بُدء بعرضه مؤخراً يتعرض لأحداث حكاية أخرى عن سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية عام 476 ميلادية. وبعد 1300 عام بالضبط أي في 1776 وقع حادثان مستلهمان من الإمبراطورية الرومانية: أولهما بالطبع الثورة الأميركية ثم ما أعقبها من قيام الجمهورية الجديدة. وكان المؤسسون يتحدثون الانكليزية إلا أنهم ومع توجيه بوصلة طموحاتهم السياسية يمنة ويسرة، استقر بهم المقام في الجمهورية الرومانية القديمة وظل هناك احتفاظ بكلمات لألقاب سياسية مستقاة من اللاتينية مثل رئيس، وسيناتور، والمحكمة العليا.
أما ثانيهما فقد جاء عام 1776 بعمل أثار نوازع الحزن والأسى أيضاً. فبالمصادفة صدرت في ذلك العام أول مجموعة للانكليزي «إدوارد غيبون» من سلسلة (تاريخ انحسار وسقوط الإمبراطورية الرومانية). والمؤكد أن المعرفة الواسعة لـ«غيبون» وتفاؤله الشعري كان له أثر هائل على حالة الوعي التاريخي الغربي كما أنه أضاف دفعة جديدة إلى تلك النزعة الفطرية القوية لدى الإنسان بالبحث في الماضي عن مفاتيح للمستقبل. وآخر الجهود الأدبية التي سارت على هذا النهج كانت على يد «كولين مورفي» حيث يقول في كتابه «هل نحن في روما؟: سقوط إمبراطورية ومصير أميركا» أن هناك أوجهاً عديدة للمقارنة بين الإمبراطوريتين. وبالعودة للعصر الحالي يؤكد «مورفي» على قضية الطموحات العسكرية.
فقد لاحظ أن الرومان في أيامهم كانوا يعتقدون أنهم وبشكل حصري قدر لهم أن يحكموا العالم وقد كان لهم ذلك بالفعل ردحاً من الزمن. فهناك بالفعل ثمة أوجه تشابه كثيرة والتي يجب أن ندركها ونعيها. أما فيما يتعلق بالاختلاف بين الإمبراطوريتين فيمكن أن نختصره بالتالي: فكما هو الحال مع أية إمبراطورية، ظلت الإمبراطورية الرومانية ذات طبيعة ثقافية متعددة ومتنوعة. وخلال تلك القرون الطويلة كانت هناك ملايين قليلة من متحدثي اللغة اللاتينية استطاعوا أن يغزو الشعوب الأخرى ويبسطوا حكمهم عليها وهي التي كانت أعدادها تفوق أعداد الرومان بنسبة 25 إلى 1. وعندما حدث التداعي العسكري للرومان سقطت الإمبراطورية. وكان من الطبيعي أن تختار شتى الشعوب التي حكمها الرومان- كالبريطانيين والألمان والمصريين- طريقها بنفسها.
وما تُرك للرومان من الناحية السياسية كانت فكرة إيطاليا ككيان متميز. واليوم وبعد مرور 16 قرناً هناك الدولة الإيطالية وعاصمتها روما يمثل الإيطاليون غالبيتها. فالإمبراطورية ذات الثقافات المتشعبة قد تسقط بينما تستمر الإمبراطورية ذات الثقافة الموحدة. فما هو الدرس الذي يمكن أن تفيد منه أميركا؟ وماذا تبقى في نطاق قدرتنا؟ إن الجوائز العسكرية التي نجنيها خارج الأراضي الأميركية تأتي وتذهب أما هذا البلد (أميركا) فهو الشيء الوحيد الذي لم نتمكن، حتى الآن، من تأمين سلامته. وبعبارة أكثر وضوحاً كان الأفضل لنا أننا تركنا الفلبين وفيتنام وراء ظهورنا وسيكون ذلك في القريب العاجل مع العراق. لأن قدر أميركا سوف يتحدد من داخلها وعلى أراضيها وليس في الخارج.
المصدر: «لوس أنجلس تايمز»
ترجمه لقاسيون: عادل بدر سليمان
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.