حرب «اقتتال الأخوة».. والأزمة العظمى للرأسمالية!
دخل العالم، كما توقع العديد من المحللين في مرحلة الأزمة السياسية، والمالية، والاقتصادية ـ الاجتماعية الصعبة. وروسيا لن تكون استثناء، مهما سعت أبواق النظام الخائن لطمأنة المجتمع بعكس ذلك. ولقد تبين أن المجزرة الحربية في القوقاز التي أُشعلت بتوصية الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو لطغمة ساكاشفيلي العميلة، ضرورية للفت انتباه الناس، والتغطية على الوضع الحقيقي في البلاد.
تعد حرب قتل الأخوة الخاطفة هذه نتيجة للتناقضات الإمبريالية المستعرة بحدة بين الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوربي، والطغمة ـ المجرمة في روسيا حول الاقتسام الجديد للعالم، ونهب، واقتسام «الخيرات» في المناطق المحتلة، وزيادة مناطق التأثير، والنفوذ، والأرباح الزائدة من عملية السيطرة على الموارد الطبيعية.
وكما بينت النقاشات التي جرت في إطار الجمعية الوطنية، فقد جرى التحضير لهذه الحرب منذ زمن بعيد، وكانت ضرورية لجميع الوحوش الإمبرياليين، بغض النظر عن الانتماء القومي.
ظهرت في الغرب حججٌ جديدة لقبول أوكراينا، وجورجيا في حلف الناتو. وتوقفت قيادة بولندا مباشرة عن الشك في ضرورة نشر منظومة الدفاع الصاروخي الأمريكية على أراضيها. عادت روسيا لتبدو فزاعة مخيفة في عيون الغربيين السذج. ويتنامى دور الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو في (حفظ السلام). فضلاً على أنّ الولايات المتحدة الأمريكية أصبح بإمكانها أن تبدأ عند الضرورة الحرب ضد إيران، غير عابئة بروسيا.
حصل المجمع الصناعي ـ العسكري في الولايات المتحدة الأمريكية على الورقة الرابحة «القاشوش» لإيصال «الصقر» ماكين إلى منصب الرئيس.
أخذ حكام الكرملين بالثأر لكوسوفو، واستعرضوا هشاشة التربة أسفل المشاريع والسبل العملاقة التي تمر عبر القوقاز دون المرور بروسيا. ويتلخص الأمر الرئيسي الآن ـ في هذه الأراضي المباركة التي حصلت عليها الطغمة الروسية، والمحمية بصلابة من أطماع الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل، والاتحاد الأوربي (على الرغم من أن ذلك خطأ كبير).
علماً بأنني لا أستبعد إقحام المصالح المغرضة للوجوه والشخصيات الأولى في النظام، بالارتباط، على سبيل المثال، مع حادثة شركة الطيران «كراساآيرو». لقد بين البرنامج التلفزيوني الذي يجمل الأحداث والمعروف بـ «اليوم» الذي بث في 7 أيلول أن رئيس روسيا الفيدرالية أصدر مرسومين في تشرين الأول 2007 وأيار 2008 حول أفضلية هذه الشركة، على الرغم من أنه كان قد أصبح واضحاً لجميع خبراء النقل الجوي وجود عملية نقل وإخراج أصولها وموجوداتها بشكل قياسي كبير، أي ببساطة ـ عملية نهب عملاقة. وفي آب عندما أصبح في مرتبة رئيس الوزراء أصدر تعليمات لتخصيص شركة «كراسا آيرو» بمادة الكيروسين من الأصول الحكومية، ولم ينقذ هذا الإجراء الشركة من الإفلاس.
يبدو أنّه بذل جهداً خدمةً لعم آخر؟ فمن المعلوم أنّه قبيل الحملة الانتخابية، عندما أعلنت مجموعة من المصادر بأن بوتين يشرف على أكثر من 40 مليار دولار، وبدلاً من دحض وتكذيب ذلك، فلقد انبرى لنا بجواب فارغ مستخدماً مصطلحات قاموس الوصفات اللينينغرادية الجاهزة منذ أواسط الستينات.
لقد وجدت عشرات السبل التي كان بإمكان قيادة البلاد أن تمنع بواسطتها اندلاع هذه الحرب، لكن روسيا بدأت الاستعداد لها منذ شهر شباط. لقد سلموا الجيش الـ58 منذ ذلك الحين، مدافع الهاون والبنادق، وغيرها من الأسلحة، وبدؤوا يعززون قدراته. وفي 12 تموز تم تحريك هذا الجيش باتجاه نفق روكسكوي.
تؤمن هذه السلطة غير الشرعية، بكل الذرائع والحجج الممكنة وغير الممكنة. وحتى الآن من غير المعلوم من أعطى الأوامر بإدخال القوات. وهي لا تنبث ببنت شفة عن إرسال الشبان اليافعين من المجندين الجدد إلى القتال، الذين زاد عددهم عن الثلث، وعن فقدان موافقة مجلس الفيدرالية عليها.
وكما تحدث آ. دميتريف، فقد تم تجهيز الجنود كيفما كان، فالمعدات العسكرية قديمة مهترئة. لم يحصل التنسيق الكافي بين مختلف صنوف القوات. نفدت المحروقات بعد إدخال الجيش الـ58 مباشرة. لم تكن بحوزتهم الخرائط اللازمة، ولا قوى الاستطلاع. تقدمت قوات اللواء الطليعي بقيادة الجنرال خروليف ووقعت في كمين. بلغت الخسائر ـ ثلاثين قطعة حربية، واستشهد حسب المعطيات الرسمية 69 مقاتلاً روسياً.
أسقطت وسائط الدفاع الجورجية حسب المعلومات غير الرسمية 8 ثمان طائرات روسية، اعترفت هيئة الأركان الروسية بسقوط أربع طائرات، ووقع طياران غير مؤهلين لهذه الحرب في الأسر.
هذه هي النتيجة المحزنة جداً لسياسة السلطات التعليمية والتلفزيونية المجرمة، التي وخلال عقد ونيف تخدر السكان بالخرافات حول نمو قدرات روسيا، وبالمسلسلات السطحية وغيرها من وسائل التسلية الفارغة.
يمكن القول إنّ تصرفات وأفعال النظام الإجرامية هي التي أدت إلى إضعاف مكانة روسيا الفيدرالية عالمياً بشكل حاد، وإلى تسعير الوضع في القوقاز إلى هذه الدرجة الخطرة.
هذه هي نتيجة الانهيار الناجم عن نهج التملق والتزلف والانبطاح السياسي أمام الغرب الذي اتبعه الخائن غارباتشوف، منذ عام 1985 تحت ستار «البيرسترويكا»، والذي تابعه صنيعته الذي سار على خطاه مدمن الخمر يلتسين، ذلك النهج الذي قام بموجبه مجلس السوفيت الأعلى لجمهورية روسيا الفيدرالية الاشتراكية السوفيتية في 12 حزيران عام 1990 باعتماد الإعلان الإجرامي حول الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي.
ليس مصادفة أن يدخل في رأس القلائل من الناس الواعين حقيقة أن مواطني الاتحاد السوفيتي الدولة الواحدة حاربوا بعضهم بعضاً، وجميعهم من مواليد الاتحاد السوفيتي! وبالتالي هذه الحرب القذرة ليست فقط جريمة سياسية ـ عسكرية من جرائم النظام الحالي، بل ومأساة كبرى.
لم تكتف القيادة الروسية المأجورة بتدمير الاتحاد السوفيتي على الرغم من إرادة الشعب السوفيتي التي عبر عنها بوضوح وجلاء في استفتاء 17 آذار عام 1991، بل تابعت بشكل واع ومقصود سياسة تردي العلاقات مع الجمهوريات التي كانت تشكل الاتحاد السوفيتي، وزادتها سوءاً، عن طريق اصطناع حالات عدم الثقة، والخصام بين الشعوب الشقيقة. ونتيجة لذلك، لاقت الدعم تلك القوى في الجمهوريات التي اعتمدت الدعاية المعادية للسوفيت وللروس، والتي تبنت السياسة الداخلية والخارجية الموالية للغرب. فتبوأت استونيا المرتبة الأولى في تصدير المعادن النفيسة! من أين لهم ذلك؟؟؟
لو اتبعت سياسة أخرى، مبنية على إحياء علاقات الأخوة مع الجمهوريات الراغبة في العيش في حالة صداقة مع روسيا، على أساس تحييد القوى المعادية للروس، في تلك المناطق التي جيء إلى السلطة فيها بالأذناب التابعين لأمريكا، لما وجدت روسيا نفسها في مثل هذه الحالة المحزنة.
الآثار الاقتصادية للحرب في القوقاز
التضخم يزداد حدة. السوق المصرفية تنهار. تميل قيمة الرواتب ومعاشات التقاعد إلى الهبوط. لا مجال إلى أي حديث عن الاستقرار الاقتصادي ـ الاجتماعي. سيتم وضع مليارات الروبلات في مشروع إعادة إعمار أوسيتيا الجنوبية وتطوير أبخازيا. سيتم اقتطاع هذه النقود من الشغيلة الروس، ومن المتقاعدين، والطلاب، من المناطق الروسية الأكثر فقراً (بما في ذلك جمهوريات شمال القوقاز).
سينمو رأسمال الطغمة وحده. مع توقيع معاهدتي الصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة مع أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وإدخال الروبل إلى هناك كعملة رسمية، حوّل النظام عملياً تلك المناطق إلى مناطق كفالة وضمان.
من الضروري تبيان، حقيقة أنّ جميع تصرفات السلطة هذه الموجهة للتحطيم المتوالي للتشكيلات الحكومية، التي كانت قائمة على أراضي الاتحاد السوفيتي تلبي بكافة المعايير مصالح الرجعية الدولية، لأنّها تصعب إمكانية إعادة بناء الاتحاد السوفيتي الموحد على أساس طوعي.
من نافل القول إن النزعة الانفصالية تعززت ليس في روسيا وحدها، بل وفي أوكرانيا. فلقد ازدادت نسبة مؤيدي انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو خلال شهر من 18 إلى 28%.
والميزة الأخيرة ذات الطابع الخاص، تكمن في أنّه مع ملل الجميع من الدعاية الفارغة حول التحام المجتمع حول السلطة، والاستعداد لغفران جميع ذنوبها، أمام هذا "النصر"، ومطابقة البلاد بالنظام، وغير ذلك، علل بوتين في مناظرته أمام الصحفيين وعلماء الاجتماع الغربيين ـ أعضاء نادي «فالداي» - التدخل في جورجيا بالسبب التالي: «.. وإلاّ لانتفضت الجمهوريات القوقازية الشمالية وانفصلت». وبالتالي فـ«الحملة على جورجيا» تتحدث عن الهاجس والشعور الداخلي بالحالة الثورية في روسيا، أكثر من أي علم اجتماع آخر.
من الضروري أن نعلن بصراحة أنّ: الحالة معقدة جداً، ويمكن أن يحصل أي شيء. لقد ولى هدوء السنوات الأخيرة النسبي، كما ولت المرحلة السلمية من حياتنا. البلاد مستمرة في الضعف، لذلك لن يدعونا ننعم بالهدوء. إنّ الآمال الفارغة والسذاجة ليست غير مقبولة فحسب، بل وإجرامية.
يكمن الأفق الواقعي لتطور الأحداث في استيلاء الناتو على أوكرانيا كاملة، ونقل العمليات الحربية إلى روسيا وفتح ممر القوقاز. سينتقل عدم الاستقرار بشكل طبيعي إلى روسيا، ويدخل حلف الناتو كـ«صديق وشريك استراتيجي» على الخط الاستراتيجي في شمال القوقاز ـ بفلوجي ـ أورال. وفي المحصلة تبقى البلاد غير محمية ومفتوحة أمام أي نوع من أنواع «الحرب الأهلية».
وفضلاً على أن عولمة الغرب الإمبريالية تتقصى مباشرة موارد سيبيريا «التي تعود ملكيتها بشكل غير عادل إلى روسيا وحدها»، في جدول مندلييف، فإنها تستعد بعد تقسيمها للهجوم من هنالك على عدوها الاستراتيجي الرئيسي ـ جمهورية الصين الشعبية.
«من خطابه في معهد الفلسفة التابع لأكاديمية العلوم الروسية موسكو في 26/أيلول ـ سبتمبر 2008»..
*رئيس الحزب الشيوعي السوفيتي- عضو رئاسة الجمعية الوطنية