الاستيلاء على «فاني» و«فريدي» تأميم محض
كان مزاج سوق الأسهم متهللاً بعدما أعلنت وزارة المالية الأمريكية أنها وضعت الوحشين الكبيرين لسوق الرهن الأمريكي «تحت الوصاية».
لا تخدع بهذه القطعة البشعة من الجعجعة الاقتصادية، فهي مجرد طريقة أخرى لقول (تأميم)– وقد كان غريباً بعض الشيء أن نجد أسواق الأسهم في طوكيو ولندن ونيويورك حيث الوكلاء التجاريون يعترفون أنهم يمجدون السوق الحر، تصرخ من الفرح لأن الحكومة تقبض على زمام الأمور.
السبب وراء ارتفاع أسعار الحصص كان الانفراج التام. فمثلما كانت متراكضة خلف بنك «نورثرن روك» لمدة عام كامل بحلول هذا الأسبوع، وكما كانت عندما هلكت «بير ستيرنز» في آذار وكما كانت نهاية الأسبوع الماضي– أسواق الأسهم كانت في ذعر كامل من الخسائر المتزايدة بسبب أزمة الائتمان.
هانك باولسن وزير المالية الأمريكي لم يحول «فاني ماي» و«فريدي ماك» إلى الملكية العامة لأنه أصبح اشتراكياً ولد من جديد: لقد تصرف لأنه خشي من أزمة اقتصادية عالمية في الأنظمة من شأنها أن تسبب الكساد الأعظم منذ ثلاثينات القرن الماضي.
هناك خمس نقاط جديرة بالملاحظة: الأولى هي مؤشر الإجراء. «فاني» و«فريدي» معاً يتضمنان سندات نصف القروض المحلية لأكبر اقتصاديات العالم ومجموع المبالغ المرتبطة يصل إلى 3 تريليون يورو. وهو ضعف الناتج السنوي للاقتصاد البريطاني. هذه أكبر عملية إنقاذ منذ أن بدأت أزمة الانهيار الائتماني، لكن على الأرجح أنها لن تكون الأخيرة ..
النقطة الثانية هي مدة الأزمة. عندما تم الاستيلاء على الأسواق في آب 2007 تنبأ القليل من خبراء السوق بأن البنوك المركزية ووزراء المال حول العالم سوف يستمرون في «مكافحة الحرائق» لمدة 13 شهراً بعدها.
البنوك المركزية خفضت معدلات الفائدة، قامت بضخ المال في النظام البنكي. ووافقت على تبديل وثائق الرهن المدعومة عديمة القيمة بالشروط الصلبة كالصخر للحكومة كما حولت البنوك المفلسة إلى الملكية العامة.
كل مرة تجتمع الأسواق على أمل أن تتكشف الأزمة الأخيرة عن انفراج، وفي كل مرة يخطئون التوقع.
بعض المحللين لا يعيرون أية أهمية للنقاش بأن الإنقاذ الذي قام به باولسون هو نقطة بداية النهاية لأزمة الانهيار الائتماني.
وقال البعض إنه تصرف يائس استوجبته الظروف المرعبة للنظام المالي العالمي.
ومهما كان الدافع فإن النقطة الثالثة هي أن الإنقاذ المدعوم من الحكومة لفاني وفريدي كان صحيحاً. إن طول وعمق أزمة الانهيار الائتماني «أثبتت شرعية وجهات نظر» كل من صندوق النقد الدولي، وجورج سوروس وأليستير دارلينغ بأن هذه الأزمة هي أكثر الأزمات المالية التي واجهها الاقتصاد العالمي خطورة منذ الثلاثينيات.
لقد تكونت فاني ماي في ذلك العقد الزمني كجزء من حملة «الاتفاقيات الجديدة» الإصلاحية لمساعدة اقتصاد الولايات المتحدة على التعافي من الكساد. وبتماثل كامل كان قرار تحويلها إلى الملكية العامة إبرازا لإفلاس النماذج غير المقيدة التي أخذت مكان الأنظمة المالية شديدة الانضباط التي وجدت في السنوات العشر التي تلت الحرب العالمية.
فلنكن أكثر وضوحاً: العالم غارق في الفوضى كما هو الآن ليس بسبب أن الأنظمة البنكية كانت صارمة، بل لأن الحكومة كانت شديدة الجبن في وجه متطلبات التسامح والتحرير والخصخصة.
النتيجة كانت المضاربة المفرطة، والاقتصاد الذي يلعب فيه القطاع المالي التأثير الأكبر وكانت المكافأة هيكلية تجتذب الغباء.
وبما أن الحال هكذا فالسؤال هو ماذا يحدث الآن؟.
الاستنتاج الرابع الذي يجب ملاحظته هو أن السوق الحر لا يملك إجابة غير ترك البنوك تتجه نحو الجدار. ولا صانع للسياسة.
حتى أولئك الذين يعتمدون سياسة عدم التدخل المعصومة عن الخطأ بدوا مستعدين لترك بير ستيرنز ونورثرن روك وفريدي وفاني يتجهون نحو الإفلاس.
ببعض المؤسسات الأصغر قد يسمح لها بالاتجاه نحو الجدار حتى من أجل إظهار أن وزارة المالية الأمريكية مدركة أن سياسات الإنقاذ تموَل من دافعي الضرائب، لكن المجتمع المالي العالمي يحوي مؤسسات هي ببساطة أكبر من أن تسقط.
ولكن إذا كانت المؤسسات المالية الكبيرة – ولا نتحدث هنا عن شركة سيارات مثلاً أو خطوط جوية- غير مسموح لها بأن تفشل فإنها في الوقت نفسه غير مسموح لها بأن تدير ذاتها بطريقة الشركات المعرضة حقيقة لخطر السقوط نفسها. فالكونغرس بلا شك سوف يفرض ضوابط أكثر قسوة على نشاطات البنوك الأمريكية في مقابل كفالتها، ويحق لها هذا إذا كان هناك وقت تجب فيه السيطرة على قدرة البنوك على فتح عدد غير محدود من الحسابات، وأن يتم الحد من سموم الصيغ المشتقة المتزايدة، وتكبح نشاطات الأرصدة الوقائية، والإصرار على أن نظام المكافآت لا يبنى على أساس العطف على المضاربة الرعناء، واستخدام قانون حجب الثقة لكسر قوة المؤسسات الكبيرة... فهذا الوقت هو الآن.
وهذا يقود إلى نقطة أخيرة. أزمة الانهيار الائتماني يجب أن تكون أزمة لأحزاب اليمين، فهم في النهاية وراء حملة وضع حد للسيطرة على الأسواق المالية في الربع الأخير للقرن العشرين. ومع ذلك بالكاد لا توجد أية إشارة إلى أن الجمهوريين في الولايات المتحدة أو التوريين المحافظين في إنكلترا سوف يدفعون ثمن أخطاء الماضي السياسية.
وجزء من هذا يعود إلى أنه في الولايات المتحدة بمجرد الشعور برائحة العودة إلى أيام مطبخ الفقراء خلال فترة الكساد تنطلق سلسلة من التدخلات ضمن أية إدارة. و الجزء الآخر هو أن لا باراك أوباما ولا غوردون براون يبدوان راغبين في انتهاز اللحظة الاجتماعية الديمقراطية. وهذه سياسة غبية لأنها تعني أن ما يجب عليه أن يكون أزمة للديمقراطيين قد أصبح أزمة للجمهوريين.
■ ترجمة: قاسيون