احذروا ساركوزي!
جاء ساركوزي في زيارة رسمية إلى سورية وشارك في اجتماع قمة رباعي عقد في دمشق ضم الرئيس السوري بشار الأسد وأمير دولة قطر ورئيس الوزراء التركي وساركوزي.
لقد كانت زيارة ساركوزي والمؤتمر الرباعي موضع اهتمام الصحافة ورجال السياسة، وقد أضاف ساركوزي مادة جدلية جديدة ولم ير البعض في ذلك النشاط إلا نصف الكأس واعتبر ساركوزي ديغولاً جديداً وقال آخرون إنه رسول الشعب الفرنسي وظل البعض في إطار تلمس الدور الفرنسي المقابل للدور الأميركي وأعرب آخرون عن رغبة في دور فرنسي وأوربي في المنطقة بهدف إضعاف الدور الأميركي في المنطقة كما أضافوا أن الزيارة كسرت جهود بوش وإدارته في عزل سورية وتضييق الخناق عليها
وحقيقة الأمر أن هذه الزيارة تتطلب معرفة عمق المسائل والبحث في جوهرها وتتطلب معرفة ساركوزي جيداً الذي لايمكن اعتباره رسول الشعب الفرنسي إلى الشعب السوري، إنه يحمل الكثير في جعبته لكن الورقة الأساس والوجه الحقيقي هو أن ساركوزي ممثل ممتاز لمصالح الاحتكارات الكبرى بمافيها الاحتكارات مافوق القومية، ولم تكن الشراكة المتوسطية التي تحمس لها ساركوزي إلا البعد الفعلي لتلك المصالح.
من الخطأ الفادح اعتبار ساركوزي لوناً ديغولياً جديداً ذلك أن التطورات التي أصابت الاحتكارات والعلاقات الاقتصادية بين المراكز الامبريالية تخطت تلك الحالة في ظروف العولمة، ولايعني ذلك انتفاء الاختلافات بين تلك المراكز، لكن تلك الاختلافات والتناقضات لم يعد أمرها ومفاعيلها وصيرورتها مثل تلك التناقضات التي كانت أيام ديغول وما قبل الحرب العالمية الثانية.
إن العولمة لم تنه التناقضات بين الدول الامبريالية لكنها وضعت سقفاً لها محكوماً بعوامل موضوعية وانتقل الفعل الأساس لموضوعة تفاوت التطور ليشغل مكانة أساسية في العلاقة بين المراكز الامبريالية المعروفة وبين مجموعة الدول الناهضة مثل روسيا وإيران وغيرها من الدول.
وفي ضوء ذلك فإن ساركوزي يظل في إطار الإستراتيجية العامة للعولمة التي تقودها الولايات المتحدة وأن نشاطه مهما كان لونه الخارجي يظل في عمقه تعبيراً عن مصالح الاحتكارات مافوق القومية كما أن الحديث عن دور فرنسي وأوربي مقابل الدور الأميركي هو في عالمنا الراهن وهم من الأوهام يطرحه البعض تحت تأثير المعرفة التاريخية وتجاوز الوضع الراهن وطبيعة العلاقات بين الدول الامبريالية في ظروف العولمة.
ومعروف بصورة واسعة أن ساركوزي صديق للمراكز الصهيونية والشخصيات الصهيونية داخل إسرائيل وخارجها ولا يلاحظ أنه خرج عن وجهة النظر الإسرائيلية فيما يتعلق بالمسائل الجوهرية المعبرة عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني بما فيها حق العودة والقدس الشرقية، كما أن ساركوزي مع أهمية تأييده للانسحاب الكامل من الجولان إلا أنه لايعارض ولا ينتقد وجهات النظر الإسرائيلية فيما تطرحه عملية «السلام» من مسائل أخرى، كما أن ساركوزي يدعم بقوة ضرورة التطبيع وتطويره حتى قبل تحرير الأراضي العربية المحتلة.
وطبيعي القول إن واقع العلاقات بين الدول الامبريالية المعروفة يبقي مجالاً للاستفادة من اختلافاتها وتباين تكتيكاتها، ولكن ذلك لا يشكل أساساً لاستراتيجيات وطنية، ويظل في نطاق الاستفادة من ذلك العامل، ويمكن أن يلاحظ المرء ذلك في العديد من المسائل. ورغم التباينات والاختلافات التكتيكية مع الولايات المتحدة إلا أن فرنسا خاصة، وأوربا عامة، لاتخرج عن نطاق النظرة الإستراتيجية التي تتبناها الولايات المتحدة بشأن إيران، والمقاومة، والموقف من الكيان الإسرائيلي. ألا يطرح الواقع تساؤلات مشروعة وفي مقدمها أن نشاط ساركوزي ليس خارج السرب الأميركي وهو مع إنهاء الممانعة العربية وتصفية المقاومة في الأراضي الفلسطينية وفي لبنان، وهو أيضا يرغب ويسعى إلى إضعاف العلاقات السورية الإيرانية؟ أليس تقدم ساركوزي باعتباره بوابة أوروبا ومفتاح الشراكة معها خاصة وأنه الآن رئيس الاتحاد الأوربي، أليس ذلك تعبيراً عن أن ساركوزي يطلب بوضوح التوجه غرباً بدلاً من التوجه شرقا أو إضعافه إلى أدنى الدرجات والمستويات؟
ولا نعتقد أن المطلوب أو الصحيح هو القطيعة مع الغرب الأوربي أو إضعاف العلاقات التي تعبر عن مصالحنا الوطنية وتخدم ثوابتنا الوطنية وتقوي روح الممانعة وتضع الحقوق العربية حزمة واحدة كي لاتنفرد إسرائيل أخيراً بحقوق الشعب الفلسطيني، لكن المطلوب ألا ننشر الأوهام وندمن عليها ثم تكون خيبات الآمال، خاصة وأن ساركوزي لم يخف حنينه إلى علاقات مشتقة من العلاقات أيام الاستعمار الكولونيالي. كل ذلك يدعونا إلى القول إن العلاقات مع الدول الأوربية الأساسية وخاصة فرنسا وانكلترا تتطلب رؤية عميقة وحذراً كبيراً من أمثال ساركوزي.