الانتخابات الأمريكية.. والمستشارون.. وأوهام الرهانات!!
يطل علينا في الأيام القادمة حدث له بالغ الأهمية في الواقع السياسي العالمي، ألا وهو الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ليس بسبب تغيير الوجوه والأسماء الذي ينجم عنها عادة، وإنما بسبب الظروف القائمة التي ترافقها، حيث لن يتحدد بموجب هذه الانتخابات من سيعتلي قمة الهرم السياسي في الدولة الراسمة للنظام العالمي الجديد الآخذ بالتداعي تحت ضربات تفاقم الأزمة الاقتصادية للرأسمالية العالمية فقط، بل سيتحدد الاتجاه العام لمستقبل العالم..
فمع وصول هذه الأزمة إلى أوجها في الشق المالي والمصرفي، واحتمال تفجرها في قطاعات أخرى، فإن هذه الانتخابات ستعكس إلى حد كبير التوجهات التي ستتبناها الطغم المالية الرأسمالية سعياً منها لإيقاف التدهور الذي يبدو أن لا حل له، وستعكس أيضاً مآل مختلف الملفات الساخنة جداً التي فتحها الصقور في العالم بأسره هرباً من الأزمات الداخلية، والأشكال التي ستتم معالجتها فيها..
ولكن، لكي لا يتوهم أحد بأن اختلافاً جذرياً قد يطرأ على السياسة الأمريكية تجاهنا كعرب ومشرقيين مع تغير الرئيس أو الحزب الحاكم، وبالتالي الغرق في أوهام لا تفضي إلا إلى مزيد من الإحباط، يكفي أن نلقي نظرة على مستشاري المرشحين الذين يلعبون الدور الأكبر في رسم السياسات الأمريكية وتنفيذها في العالم عموماً، وفي منطقتنا خصوصاً.. انطلاقاً من الولاء المطلق للبؤرة المزروعة في فلسطين المسماة «إسرائيل»، والدفاع عن قضايا اليهود عامة لكسب ود اللوبي الصهيوني في أمريكا، لما يشكله من ثقل مالي وسياسي وإعلامي في لعبة الانتخابات..
وباستعراض سريع لأسماء مستشاري كل من «جون ماكين» مرشح الحزب الجمهوري، و«باراك أوباما» مرشح الحزب الديمقراطي.. نجد أن الوضع لا يبشر بالخير، فمستشارو «جون ماكين» هم:
ـ هنري كسنجر: وزير خارجية سابق، وأحد دهاة الماسونية الكونية..
ـ الكسندر هيغ: وزير خارجية سابق، وقائد سابق لقوات حلف الناتو..
ـ لورانس إيغيلبيرغر: وزير خارجية أسبق..
ـ جورج شولتز: وزير خارجية أسبق.
ـ وليم كريستول: من كبار المحافظين الجدد وأحد منظري الحرب على العراق.
ـ روبرت ماكفرلين: مستشار الأمن القومي بفترة الرئيس رونالد ريغان.
ـ كولن باول: وزير خارجية بوش الابن في فترته الرئاسية الأولى ورئيس أركان القوات الأمريكية في حرب العراق الأولى.
ـ جيمس شليزنغر: وزير دفاع سابق..
ـ غاري شميدت: باحث في معهد أمريكان انتربرايزيز (أحد منابر المحافظين الجدد).
ـ برنت سكوكروفت: مستشار الأمن القومي في عهد جيرالد فورد وبوش الأب.
ـ جيمس ويلزي رئيس الـCIA الأسبق وأحد أبرز المتشددين ضد الإسلام.
ـ وليم بول: وزير البحرية في حكومة ريغان..
من هذه الأسماء يمكن استنتاج سياسة جون ماكين ومواقفه السياسية، يفتخر بأنه مؤيد لـ«إسرائيل» بدرجة تأييده لأمريكا نفسها، ويرى ضرورة تزويد «إسرائيل» بآخر ما تنتجه الصناعات العسكرية الأمريكية للحفاظ على تفوقها العسكري على جيرانها وأعدائها، كما أنه يؤيد بناء الجدار العازل في الضفة، ويعتقد أن فرص السلام معدومة بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» لأن الطرف الفلسطيني لم ينبذ العنف ولم يتعهد باحترام الاتفاقيات الموقعة مع «إسرائيل».
في المقلب الآخر، نجد أن أبرز مستشاري باراك أوباما هم:
ـ زبيغنيو بريجنسكي: مستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر.
ـ دينيس روس: المنسق الأسبق لعملية السلام في الشرق الأوسط.
ـ روبرت ماللي: مبعوث أمريكي للشرق الأوسط، ويعمل حالياً مستشاراً لمجموعة الأزمات الدولية، ومديراً لمكتبها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. وهؤلاء الثلاثة من أخطر الاستراتيجيين الأمريكيين في إطار الفكر الاستغلالي..
أما عن مواقف باراك أوباما، فبداية كانت أقرب للموضوعية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية قبل أن يدخل في السباق الرئاسي، حيث يذكر عنه تبنيه لبعض المواقف المساندة للقضايا العربية، وانتقاده لإدارة الرئيس كلينتون لانحيازها الصارخ لإسرائيل، وعلاقته الطيبة مع القس «جيراميا رايت» المناهض للصهيونية. ولكن أوباما أخذ يغير مواقفه شيئاً فشيئاً حين لاح الفوز لمنافسته «هيلاري كلينتون»، وكان من بين أهم تصريحاته بأنه ليس من واجب أمريكا دفع الإسرائيليين للمفاوضات، وليس من مهامها الضغط عليهم لأنهم أدرى بأمنهم. وقد قام بزيارة لـ«إسرائيل» عبر خلالها عن حق إسرائيل في الدفاع عن وجودها وأمنها، وعن كون القدس العاصمة الموحدة الوحيدة «لإسرائيل».
والمهم من كل ذلك أيا كان ما ستفرزه الانتخابات، فالأكيد أنه من العبث التوهم بتغير حقيقي في السياسة الأمريكية الإمبريالية، وأياً كان الرئيس المقبل، فبلا شك سيكمل مشوار أسلافه في دعم الكيان الغاصب وانتقاص الحقوق العربية والتعامي عنها..
والمستغرب في هذا السياق استمرار مراهنة بعض النخب العربية، بل والحكومات، على ما ستنتجه هذه الانتخابات، إلى حد وصل بالبعض للتنظير لهذا المرشح أو ذاك.