دبلوماسية الأسلاك الشائكة

شكلت زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى دمشق ضمن التداول الإعلامي والسياسي مؤشراً على ما يسمى بدء عودة الحرارة إلى العلاقات السورية الفرنسية انسجاماً مع رغبة أطراف وخلافاً لرغبات أطراف أخرى.

ومع استطالة ظل «الفتور» الذي أملاه التحول الفرنسي سابقاً تجاه قطع العلاقة مع سورية عندما كانت باريس تريد استرضاء واشنطن تكفيراً عن موقفها الرافض للحرب على العراق، وانسجاماً مع محاولة كل من دمشق وباريس سحب بساط عودة العلاقات إلى طرفه وتخديماً لرؤاه ومصالحه وتحالفاته، فإنه من المفهوم تماماً أن سلة الضغوط على سورية لم تسقط من يد ساركوزي وأهداف زيارته ومحادثاته التي أجملها في المؤتمر الصحفي الأول المشترك مع الرئيس بشار الأسد، في بنود وموضوعات خمسة:

1 ـ السلام: الذي تنصل ساركوزي من الإجابة عن سؤال حول الدور الذي يمكن لفرنسا أن تلعبه بخصوص تحقيقه، بذريعة أن باريس ستلعب ما يُطلب منها في حينه، دون أن يشير إلى أي من الاستحقاقات الجدية للسلام بما فيها مثلاً أن يقول إن بلاده ملتزمة أو تطالب على أقل تقدير بتطبيق قرارات الشرعية الدولية أو إيجاد حلول للقضايا التي تشكل جوهر الصراع، ولم ينبس ببنت شفة حول القدس وعودة اللاجئين وحدود الدولة الفلسطينية وعودة الجولان وسوريته ولا عن عودة مزارع شبعا وتلال كفار شوبا. وما حديثه عن أن باريس ستلعب ما سيُطلب منها في ظل عدم إعلانه موقفاً واضحاً إلا لعبة مزدوجة تضليلية على اعتبار أن سورية ستطلب شيئاً (مرتبطاً بمبدأ الأرض مقابل السلام، والمرجعيات الدولية، والقرارات ذات الصلة) وإسرائيل ستطلب شيئاً آخر (من شاكلة أولوية الأمن الإسرائيلي على كل ما دونه..). وبناءً عليه فإن حديث ساركوزي حول السلام هو لعب في الوقت الضائع في ظل غياب أي دور أمريكي جدي وموضوعي وأية رغبة إسرائيلية حقيقية بهذا الاتجاه.

2 ـ الملف النووي الإيراني: ساركوزي الذي أعلن بالفم الملآن أنه لا يُسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي تجاهل مئتي رأس نووي تمتلكها إسرائيل وتجاهل رفضها للتوقيع على معاهدة منع الانتشار النووي، مثلما تجاهل الموقف السوري حول ضرورة إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، والتأكيد السوري حول تطابق الموقف مع طهران بهذا الخصوص، أي أن ساركوزي الذي يعاني من الطرش وليس من سوء الترجمة الفورية يريد أن تكون سورية ضاغطة على إيران بخصوص ملفها النووي تمهيداً حسب رؤيته وواشنطن وتل أبيب لكسر تحالف دمشق- طهران.

3 ـ لبنان: فجأة تذكر ساركوزي الرأي العام الفرنسي بخصوص لبنان و«ضرورة احترام سيادته» وهي العبارة التي تبتغي «فك التحالفات السورية في لبنان مع القوى الوطنية فيه ولاسيما المقاومة وحزب الله»، علماً بأن ساركوزي لا يتذكر أن الرأي العام الفرنسي ذاته رفض حرب تموز مثلما يرفض الحربين الأمريكيتين على العراق وأفغانستان.

4ـ حقوق الإنسان: التي أبقاها الرئيس الفرنسي في سياقها السياسي بقائمة أسماء محددة، أي أن طرحها بحد ذاته هو كعادة كل الأنظمة الإمبريالية تلويح بورقة ضغط «انتقائية» على من لا يرضخ من الدول الأخرى، وهو طرح بعيد في كل الأحوال عن تضمينها أي محتوى اقتصادي- اجتماعي يخدم الشرائح الأوسع في المجتمع لأن ذلك يضر بتطلعات وتوجهات باريس الاقتصادية الليبرالية، التي باتت مرفوضة من المجتمع الفرنسي ذاته.

5ـ الاقتصاد: الذي حصره على نحو لافت بذكر اسم شركة توتال النفطية الرأسمالية الاحتكارية، وهو الذي يربط بين مستقبل «الشراكة السورية – الأوربية» بمدى «تقدم» دمشق على المسارات السياسية آنفة الذكر. 

وإذا كان مفهوماً ومتوقعا ً أن تقدم دمشق النقيض الجوهري على سلة الضغوط عليها في هذا «الوقت الضائع» المرتبط بسعي واشنطن وتل أبيب، اللتين تنتظران زعيمين جديدين، لتجاوز إخفاقات المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة والعالم، فإن هذه الإطلالة الأوربية-الساركوزية «الخجولة» بمقدار حجم التمايز عن واشنطن الذي تحاول أوربا أن تصبغه على نفسها، يجعل من دبلوماسية الأسلاك الشائكة القائمة في المنطقة حالياً مهمة عسيرة تتطلب الإبقاء من جهة وإعادة الاعتبار من جهة أخرى لكل الخيارات الوطنية ومستلزمات المواجهة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وديمقراطياً بما يلبي تطلعات السواد الأعظم من السوريين.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على الأربعاء, 14 كانون1/ديسمبر 2016 14:56