أما بعد...

إذا ما تذكرنا الأجواء في مؤتمر «دوربان» المناهض للعنصرية في 2001، والنتائج التي كان من المتوقع له الخروج بها لولا ما جرى في نيويورك وواشنطن قبيل اختتامه، فإن المناخ العام الدولي اليوم، ولاسيما في أوربا، المناهض للولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي يوحي بأن المذكورتين بصدد «اقتراف» أو «تسهيل اقتراف» أحداث مشابهة لتلك التي جرت في أيلول 2001، بعدما لم تنجح كثيراً النسخة المصغرة عنها، عشية عيد الميلاد الماضي بخصوص «محاولة تفجير طائرة ديترويت»، إلا بالتأسيس لفكرة وجود «القاعدة» في اليمن، ومحاولة بناء استراتيجيات جديدة للهيمنة، من جهة، وإقرار سلسلة إجراءات أمنية جوية مهينة بحق أبناء الدول المناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل، من جهة أخرى.

فإذا ما أخذ في الحسبان خسارة أوباما لأوراقه تباعاً، بمعنى سقوط قناعه وانكشاف زيف وعوده، داخلياً لجهة الأزمة وخارجياً في السياسة العامة، مع ارتفاع الأصوات الشعبية المطالبة باعتقال ومحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين على خلفية العدوان على قطاع غزة ومواصلة حصاره، ووصول ذلك بعد البريطاني والفرنسي والتركي حتى إلى الشارع البولندي عشية وخلال ذكرى إغلاق المعتقل النازي فيها (تصريحات أسقف بولندي بخصوص ابتزاز إسرائيل للأوربيين بخصوص المحرقة، والملصقات المطالبة باعتقال باراك وليفني)، إلى جانب مجريات التحقيقات القائمة في بريطانيا بخصوص لا مشروعية الحرب على العراق وثبوت انجرار حكومة بلير خلف مآرب بوش، وكذلك انكشاف محاولات واشنطن إعادة احتلال هاييتي بعد زلزالها القاتل، ورفض حلفاء واشنطن إرسال تعزيزات عسكرية مقاتلة إلى أفغانستان، كل ذلك، من ضمن عوامل أخرى، يوحي بأن الأدوات والسياسات الإعلامية الأمريكية – الإسرائيلية تعاني من معالم أزمة واضحة وتخشى الوصول إلى طريق مسدود، بما يعني ضرورة إيجاد مخرج ما، «تفجير» ما، أكثر فاعلية في صرف الأنظار، مثلاً، من حجب أو التضييق على الأقمار الصناعية العربية «الإرهابية» أي المقاومة.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن الأهم هو السؤال ما هي الإستراتيجية وأدوات التنفيذ الإعلامية والسياسية والاقتصادية- الاجتماعية والديمقراطية الداخلية، المضادة، استباقاً على الاستباق الأمريكي – الصهيوني، غير عقد «القمم العربية» (عذراً)، وغير تشكيل «مفوضيـــات للإعلام»، تأخذ مساراً بيروقراطياً مآله الموت السريري، كغيرها من أجهزة النظام الرسمي العربي..