أوباما - وسياسة بناء الأمم
لم أسمع بعدُ شرحاً جاداً لما يتوقع باراك أوباما أن يحققه، في حال انتخابه، من خلال توسيع التدخل في أفغانستان. ومما لاشك فيه أنه يرغب، على غرار إدارة بوش والناتو، في الحيلولة دون عودة حركة طالبان إلى التأثير في أفغانستان؛ وهم جميعاً يريدون القبض على أسامة بن لادن (على افتراض أنه مازال حياً، وتلك مسألة تحوم حولها بعض الشكوك)؛ وجميعهم يريدون حماية حكومة الرئيس حامد قرضاي المدعومة من الأمم المتحدة، والحيلولة دون تحول البلاد مرة أخرى إلى «ملجأ للإرهابيين وساحة للتدريب»، حتى نستعمل العبارة المعتادة.
ولكن، ما الذي يجعلهم يعتقدون أنهم قادرون على فعل ذلك؟ فأفغانستان بلد ضخم عانى دائماً بسبب زعماء الحرب المصطفين وفق خطوط عرقية. ثم إن طالبان ينتمي كثير من ناشطيها إلى أكبر مجموعة عرقية في البلاد: البشتون، الذين يشكلون 40 في المائة من السكان، إضافة إلى ملايين أخرى في باكستان المجاورة.
لنكنْ صريحين، لنقول إن غزو بلدان أخرى من أجل تجريب عملية ما يسمى «بناء الأمم» يبدو هو الفكرة الأميركية الجديدة، والسيئة حقاً.
وهذا تفسير ممكن. ولكنني أميل إلى الاعتقاد، مع الأسف، بأن أوباما قد تأثر بخطاب إدارة واشنطن بخصوص أفغانستان وباكستان، ومؤداه: أن القوة هي الشيء الوحيد الذي يفهمه السكان الأصليون.
وقد يبدو هذا مفاجئاً بالنظر إلى أنه رأى مخاطر الفخ في العراق منذ البداية، ويدرك ما حدث للولايات المتحدة في فيتنام؛ إلا أنه يتحدث كما لو أنه وجد، بطريقة ما، حلاً للحرب على الإرهاب.
(..) في باكستان-أفغانستان، فإن الولايات المتحدة تهدد الباكستانيين تهديداً يُتوقع أن يحملهم على فعل أشياء سيئة لـطالبان حتى تقوم هذه الأخيرة بتسليم أسامة بن لادن. والحال أن «القاعدة» هي في الأساس تنظيم إرهابي عربي. أما طالبان، فكل ما يريده أعضاؤها هو استرجاع البلد الذي كانوا يحكمونه حين قدم الأميركيون في 2001.
صحيح أنهم أشخاص لا نريد -أنا وأنت- أن نُحكَم من قبلهم لأنهم يضطهدون النساء ويحظرون التعليم العالي ويطبقون فهماً خاطئاً ومتطرفاً للشريعة. ولكن، في النهاية، تلك مشكلة الأفغان وليست مشكلتنا، لأنهم هم من تركوا طالبان تبسط سيطرتها على بلدهم في عام 1996، وربما هم من قد يصبحون مستعدين لفعل ذلك مرة أخرى. فما علاقة كل هذا بحلف الناتو؟
أما في ما يخص القاعدة وأنصارها الإرهابيين، فحتى إذا لم تقم طالبان بتسليمهم للولايات المتحدة، أو لم يستطع الباكستانيون أو لم يريدوا القبض عليهم، فسيبدو ضرباً من الجنون قيام الناتو بمهاجمة أو غزو المناطق الحدودية. فعلى مر التاريخ كانت الجيوش الغربية تُمنى بالخسائر في الجبال الباكستانية الأفغانية الوعرة. وعلاوة على أن أمام أسامة بن لادن ورجاله الكثير من الأماكن الأخرى التي يمكنهم اللجوء إليها؛ وكل ما عليهم فعله هو حزم أمتعتهم والاختفاء عن الأنظار؛ ويمكنهم في الواقع انتظار بعض المساعدة من السكان المحليين. وبالتالي، فإنهم ليسوا مضطرين لأن يجعلوا أنفسهم محاصرين باستمرار في إقليم وزيرستان.
ولكن، لنكن صريحين، لنقول إن غزو بلدان أخرى من أجل تجريب عملية ما يسمى «بناء الأمم» يبدو هو الفكرة الأميركية الجديدة والسيئة حقاً. فقد كتبت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس مؤخراً مقالاً طويلاً في دورية «فورين أفيرز» تقول فيه: «إننا نعتزم الانخراط في بناء الأمم على مدى سنوات عدة مقبلة». وحسب المقال، فإن الوكالات المدنية والعسكرية الأميركية تتلقى تدريبات حالياً من أجل تنفيذ مهمة «الأجيال» المتمثلة في «مهمات إرساء الاستقرار ومحاربة التمرد» من أجل تسهيل «بناء الدول الديمقراطية» في آسيا والشرق الأوسط. أهذا هو أيضاً ما يفكر فيه باراك أوباما؟
الواقع أنه حتى عهد قريب كانت الإستراتيجية الأميركية تقوم على مهاجمة البلدان التي ينشط فيها المتشددون الإسلاميون، وليس إعادة إعمارها. وهذا ما يرغم عادة المتشددين على العمل السري، ويترك بالتالي المدنيين يتكبدون الخسائر البشرية بسبب القذائف والقصف الجوي الأميركي، ويبكون موتاهم، ويكرهون أميركا والغرب. وهذه هي المقدمات المؤسفة، والضرورية في الآن نفسه، لبناء الدول وترويج الديمقراطية!
■ موقع ايكاوس