على هامش إخضاعه للاستجواب حول العراق أواخر الجاري.. كيف جعل بلير نزع السلاح، إطاحة بالنظام؟
ثمة أدلة قاطعة أنه في آذار من عام 2002 قام طوني بلير بتقديم التزام للرئيس بوش لدعم الولايات المتحدة في مساعيها للإطاحة بنظام صدام حسين عبر وسائل عسكرية.
وظهرت الأدلة على ذلك في أيلول 2004 عندما تم تسريب ست وثائق رسمية تعود إلى آذار 2002 لصحيفة «دايلي تلغراف» لتظهر بعدها للعلن. ويمكن قراءة نسخ الكترونية منها على موقعي.
إحدى تلك الوثائق كانت مذكرة مرسلة إلى طوني بلير بتاريخ 14 آذار 2002من مستشاره للسياسة الخارجية السير ديفيد مانينغ . وتتضمن المذكرة تقريراً عن مداولات السير ديفيد في واشنطن مع كوندوليزا رايس التي كانت تشغل في حينه منصب المستشارة الرئاسية لشؤون الأمن القومي. وكانت الجملة الرئيسية في ذلك التقرير:
«قلت (لكوندوليزا رايس) إنكم (أي بلير) لن تترددوا في دعمكم للإطاحة بالنظام ولكن يتوجب عليكم تدبر أمر الصحافة والبرلمان والرأي العام وهي قضايا مختلفة كلياً عما هو الحال في الولايات المتحدة».
ويعني هذا أن إدارة بوش حصلت في آذار 2002 على ضمانة مفادها أن طوني بلير كان ملتزماً بلا أدنى تردد بتغيير النظام في العراق، وليس بمجرد نزع أسلحته طبقاً لقرارات مجلس الأمن، كما قال للرأي العام البريطاني.
كما تسرب التزامه هذا في وثيقة أخرى، وهذه المرة كانت مذكرة من السير كريستوفر مايير، السفير البريطاني لدى واشنطن، موجهة للسير ديفيد ذاته . وتضمنت المذكرة تقريراً بخصوص حديث جرى مع بول فولفيتز، نائب وزير الدفاع الأمريكي في 17 آذار 2002. وفي اليوم التالي كتب السير كريستوفر للسير ديفيد مايلي:
«استهللت (حديثي) بالالتزام إلى أبعد حد بالنص الذي اعتمده مع كوندي رايس. نحن ندعم تغيير النظام ولكن ينبغي أن تكون الخطة ذكية لأن الفشل ليس خيارنا. و(لكن) تسويق ذلك وترويجه محلياً لدينا لن يكون مهمة سهلة، وربما هو الأكثر صعوبة بالمقارنة مع بقية البلدان الأوربية».
لاحقاً، في تشرين الثاني 2005 نشر السير كريستوفر كشفاً عن الوقت الذي أمضاه في واشنطن بوصفه سفيراً لبريطانيا في كتاب عنوانه «DC Confidential – سري من واشنطن العاصمة»، وجاء فيه:
«عند هذه المرحلة كان طوني بلير قد حسم أمره وقرر دعم الإطاحة بالنظام على الرغم من أننا كنا متوجسين من إعلان ذلك على الملأ». (ص241)
والمقصود بهذه المرحلة هي تلك التي سبقت الاجتماع (الشهير) الذي ضم (في مزرعة الرئيس الأمريكي) في كروفورد في ولاية تكساس بوش وبلير في أوائل نيسان 2004.
ولذلك أرى أن هناك القليل من الشك أنه في آذار 2002 كان بلير ملتزماً بدعم الولايات المتحدة في اللجوء للعمل العسكري للإطاحة بنظام صدام حسين. ولكن حسبما جاء على لسان السير كريستوفر كان ينبغي توافر «خطة ذكية» لإقناع الشعب البريطاني بالمشروع.
وتمثلت هذه الخطة بإقناع مجلس الأمن باتخاذ قرار يطاب العراق بالسماح بعودة المفتشين الدوليين ولكنه مشفوع بشروط تجعل من الاستحالة لصدام حسين القبول بها، وبهذه الحالة سيتوافر احتمال قوي بأن يخول مجلس الأمن اللجوء للعمل العسكري، تحت ذريعة ظاهرية تتحدث عن نزع أسلحة العراق، ولكن بما سيفضي، بالنتيجة أيضاً، للإطاحة بالنظام العراقي.
أما الدليل على هذه الإستراتيجية فيمكن العثور عليه في مذكرة السير كريستوفر مايير حيث تب أنه «إذا ما أرادت الولايات المتحدة العمل مع شركاء فينبغي وجود إستراتيجية لجمع الدعم للعمل العسكري ضد صدام». وأردف: «ومن ثم ذهبت إلى ضرورة جعل صدام يتخذ خطوات خاطئة بخصوص المفتشين...».
وبدوره فإن المحضر الذي تم تسريبه حول الاجتماع المشحون بخصوص العراق في مقر الحكومة البريطانية (داونينغ ستريت) في 23 تموز 2002 يقدم أدلة إضافية. وفي هذا المحضر سُجلت أقوال لبلير، وجاء فيها:
«... إن رفض صدام حسين لدخول المفتشين سوف يحدث فرقاً كبيراً من الناحيتين السياسية والقانونية... وإذا ما كان الإطار السياسي صحيحاً فإن الناس سوف يؤيدون الإطاحة بالنظام».
وبطبيعة الحال فإن طوني بلير كان يتوق لقيام صدام حسين بمنع المفتشين، على الرغم من أن النزع السلمي لأسلحة العراق كان يتطلب السماح بدخولهم. وانسجاماً مع هذه الرغبة منعت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عودة المفتشين للعراق عندما أوضح العراق في 16 أيلول 2002 استعداده للسماح بدخولهم.
في أوائل تشرين الأول 2002 تقدمت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بمشروع قرار مشترك لمجلس الأمن الدولي تمت صياغته، تناغماً مع «الخطة الذكية»، بطريقة تضع شروطاً، لا يمكن للعراق قبولها، على مسألة عودة المفتشين؛ قرار يخول اللجوء للعمل العسكري إذا ما تم رفض هذه العودة.
إلا أن مشروع القرار الأمريكي البريطاني هذا لم يقر، بل تم تعديله عوضاً عن ذلك بحذف الشروط التي لن يكون بمقدور العراق القبول بها وكذلك إزالة التخويل باللجوء للعمل العسكري. وتم اعتماد هذا القرار المعدل تحت اسم القرار 1441 في الثامن من تشرين الثاني 2002، حيث عاد المفتشون الدوليون للعراق.
وهكذا فشلت «الخطة الذكية» التي تقضي «بجعل صدام يتخذ خطوات خاطئة بخصوص المفتشين»، وكان على العمل العسكري المبيت من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة للإطاحة بالنظام أن يتابع خطاه من دون تخويل من مجلس الأمن الدولي.
■ www.david-morrison.org.uk
(1) www.david-morrison.org.uk/iraq/leaked-documents-index.html
(2) www.david-morrison.org.uk/other-documents/manning020314.pdf
(3) www.david-morrison.org.uk/other-documents/meyer020318.pdf
(4) www.timesonline.co.uk/tol/news/uk/article387374.ece
■ ديفيد موريسون
ترجمة عبادة بوظو