بقواعد وأساطيل أمريكية: فنزويلا تحت الحصار
تزامن تسلم هوغو تشافيز مقاليد الرئاسة الفنزويلية في 22 شباط 1999 مع تطورات عسكرية جذرية واجهتها الولايات المتحدة في تشرين الثاني من السنة نفسها، إثر إغلاق قاعدتها العسكرية الرئيسية في أمريكا اللاتينية، الواقعة في بنما، بموجب اتفاقية توريخوس-كارتر لعام 1977.
نقلت الولايات المتحدة قواتها من قاعدة «هوارد» الجوية في بنما إلي قاعدة «روزفلت» البحرية في بويرتو ريكو. لكن وزارة الدفاع الأمريكية اضطرت إلي إغلاق هذه القاعدة أيضا بعد سلسلة من الاحتجاجات الضخمة، وبالتالي إلى نقل قواتها إلى تكساس وفلوريدا والقيادة الجنوبية الأمريكية.
وكبديل للقواعد المغلقة، قرر البنتاغون الاعتماد علي أربع قواعد عسكرية أخرى لمراقبة المنطقة: مانتا في إكوادور، كومالابا في السلفادور، وجزيرتي أوروبا وكوراكاو اللتين تنتميان إلى هولندا.
وأضافت الولايات المتحدة إلى وظيفة التجسس مهام جديدة لقواعدها: محاربة الهجرة غير القانونية لأراضيها، رصد حركة تهريب المخدرات ومراقبتها، ومهام أخرى سرية كمراقبة تجارة النفط والمواد الخام، والتنوع الحيوي، والمياه العذبة.
لكن الأهداف الرئيسية للقواعد العسكرية الأمريكية كانت ومازالت مراقبة فنزويلا وزعرعزة استقرار الثورة البوليفارية.
هذا، ووضع وزير الدفاع دونالد رامسفيلد بعد هجمات الحادي عشر من أيلول «مذهباً عسكرياً جديداً» لمحاربة «الإرهاب الدولي»، فأبدل إستراتيجية نشر القوات في الخارج في قواعد ضخمة وأعداد كبيرة من القوات، بإستراتيجية الاعتماد على عدد كبير مما سمي بمواقع العمليات الأجنبية ومواقع الأمن التعاوني، وبأعداد أقل من القوات العسكرية، ولكن مع تزويدها بأحدث تكنولوجيات المراقبة وأجهزة الرادار، وهوائيات ضخمة بأقمار صناعية، وطائرات تجسس (Orion C-130s and AWACS) وطائرات دون طيار، وغيرها.
والنتيجة أن كمية المنشآت العسكرية الأمريكية في الخارج ارتفعت بصورة مذهلة لتبلغ 865 موقعا للعمليات الأجنبية والأمن التعاوني، نشرت في 46 بلداً. ولم يكن قد سبق لأية دولة أن زادت تواجدها العسكري في العالم بهذا الحجم.
وفي أمريكا اللاتينية، مكنت إعادة نشر القواعد العسكرية الأمريكية، قاعدة مانتا في إكوادور من التعاون في الانقلاب الفاشل ضد هوغو تشافيز في 11 نيسان 2002، ومنذ ذلك الحين، نشرت حملة إعلامية موجهة من واشنطن معلومات زائفة تزعم بتواجد خلايا لتنظيمات مثل حماس وحزب الله، بل والقاعدة في الأراضي الفنزويلية، مدعية أيضاً أن لدى هذه الجماعات «معسكرات تدريب في جزيرة مارغاريتا» الفنزويلية.
ثم قرر البنتاغون في 2005 تجديد عقوده مع هولندا لتعزيز استخدام القواعد العسكرية الأمريكية في جزيرتي أوروبا وكوراكاو بالقرب من السواحل الفنزويلية، ورفعت الأساطيل العسكرية الأمريكية معدل «زياراتها» لها، كل ذلك بحجة مراقبة تلك التنظيمات وكرد فعل لقرار فنزويلا بإنهاء التواجد العسكري الأمريكي في أراضيها في أيار 2004.
ولقد أدان الرئيس هوغو تشافيز مؤخراً هذا التطور الأخير قائلاً: «يجدر بأوروبا أن تعرف أن الإمبراطورية الأمريكية تسلح نفسها حتى أسنانها، وتملأ جزر كوراكاو وأوروبا بالطائرات المقاتلة والسفن الحربية. هولندا مسؤولة عن هذا (...) وأنا أتهمها -وهي الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي- بإعداد عملية انقضاض على فنزويلا بالتعاون مع الإمبرياليين الأمريكيين».
وفي عام 2006، بدأت حكومة هوغو تشافيز تتحدث عن «اشتراكية القرن الواحد والعشرين»، وتشكل بالفعل «التحالف البوليفاري للأمريكتين» (ألبا)، وأعيد انتخاب تشافيز رئيسا لفنزويلا، فجاء رد فعل واشنطن على صورة فرض حظر علي مبيعات الأسلحة لفنزويلا بحجة أنها «لا تتعاون بما يكفي في الحرب على الإرهاب». وحرمت مقاتلات F-16 التي كانت فنزويلا قد اشترتها منها من قطع الغيار اللازمة.
والنتيجة أن أبرمت فنزويلا مع روسيا اتفاقية لتعزيز قواتها الجوية بمقاتلات Sukhoi، فسارعت واشنطن بإدانة ما أسمته «إعادة التسلح الضخم» من قبل فنزويلا، متجاهلة أن البرازيل وكولومبيا وتشيلي ترصد الميزانيات العسكرية الأكبر في أمريكا اللاتينية، وأن كولومبيا وحدها تتلقى 630 مليون دولار سنوياً على صورة مساعدات عسكرية وكجزء من «خطة كولومبيا».
وهنا تلاحقت الأحداث بسرعة.. ففي أول مارس 2008، وبمساعدة قاعدة مانتا الأمريكية في إكوادور، هاجمت القوات الكولومبية معسكرا لـ«القوات المسلحة الثورية الكولومبي» (فارك) في أراضي إكوادور التي قابلت اقتحام أراضيها هذا برفض تجديد اتفاقية قاعدة مانتا التي كانت ستنتهي في 2009.
بعد ذلك بشهر فقط، أجابت واشنطن بإعادة تنشيط مهمة أسطولها الرابع بالإبحار أمام سواحل أمريكا الجنوبية المطلة على المحيط الأطلسي. وبعد ذلك بشهر واحد أيضاً اجتمعت دول أمريكا الجنوبية في عاصمة البرازيل، وأجابت بدورها بتأسيس اتحاد أمم أمريكا الجنوبية (أوناسور)، ثم إقامة مجلس الدفاع الأمريكي الجنوبي، في آذار 2009.
ولم تكد تنقضي سوى بضعة أسابيع قبل إعلان السفير الأمريكي لدى الحكومة الكولومبية أن قاعدة مانتا في إكوادور ستنقل إلى بالنكيرو في كولومبيا. وفي حزيران من العام الماضي وبمساعدة القاعدة العسكرية الأمريكية في سوتو كانو، نفذ الانقلاب الذي أطاح برئيس هندوراس مانويل ثيلايا، وهو الذي كان قد انضم إلى «ألبا» (التحالف البوليفاري للأمريكتين).
وفي آب، أعلن البنتاغون عن فتح سبع قواعد عسكرية في كولومبيا. ثم في تشرين الأول أقر رئيس بنما المحافظ ريكاردو مارتينيللي بأنه ضمن للولايات المتحدة استخدام أربع قواعد عسكرية جديدة على أراضي بلاده.
والخلاصة أن فنزويلا والثورة البوليفارية محاصرتان بما لا يقل عن 13 قاعدة عسكرية أمريكية وحاملات الطائرات والسفن الحربية التابعة للأسطول الرابع الأمريكي.
لقد أعطى الرئيس باراك أوباما فيما يبدو للبنتاغون حرية التصرف الكامل. فهل ستسمح شعوب العالم بجريمة جديدة ضد الديمقراطية في أمريكا اللاتينية؟
مدير لوموند ديبلوماتيك، أسبانيا
إغناثيو رامونيت