دبلوماسية التهدئة وسياسة فرض الوقائع في المنطقة

يتجه الحراك الدبلوماسي الأمريكي والغربي نحو تحويل جهود استئناف «المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية» إلى مبادرة دولية- أطلسية وبمشاركة عربية، ليس من أجل وضع حد للعدوان الإسرائيلي، أو تفعيل «المبادرة العربية» أو حتى تنفيذ «خارطة الطريق»، بل بهدف فرض وقائع جديدة في المنطقة.
.. ففي الوقت الذي يواصل فيه الكيان الصهيوني تهديداته العسكرية والسياسية في كل اتجاه (لبنان، قطاع غزة، إيران)، وميدانياً يقوم جيش الاحتلال بقصف مدن وقرى قطاع غزة، وخرق الأجواء اللبنانية، وإقامة جدار إلكتروني على الحدود المصرية اعتبرته مصر شأناً إسرائيلياً خاصاً، اتخذت إدارة أوباما موقفاً علنياً على لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون «بضرورة استئناف المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية ودون شروط مسبقة»!.

لقد أبلغت كلينتون هذا الكلام لوزيري خارجية مصر والأردن في واشنطن، اللذين فهما أن الإدارة الأمريكية اتخذت قراراً بحصر التداول مع ملف المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية بالدول التي تملك علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني. وهذا من وجهة العرف الدبلوماسي يعني تكليف كلا النظامين بإقناع السلطة الفلسطينية بمضمون وأهداف تصريح كلينتون والذي من بين أهدافه:
ـ عدم تحديد الهدف النهائي للمفاوضات ألا وهو إزالة الاحتلال.
ـ  القبول بوجود الاستيطان وما يخلفه من وقائع خطيرة على الأرض يصعب اقتلاعها فيما بعد (أقلها تهويد 42% من مساحة الضفة الغربية).
ـ الإقرار بعدم وجود سلطة احتلال على الأرض تسيطر على كل شيء، وعند ذلك تصبح أية مقاومة لهذا الاحتلال بمثابة «إرهاب».
ـ عدم الحديث بقضيتي القدس وعودة اللاجئين.
من الواضح أن الإدارة الأمريكية ليست فقط تدعم مؤامرة تكريس الاحتلال الصهيوني على الأرض، بل تتعهد بضرب وإخماد المقاومة الفلسطينية عبر إرغام السلطة الفلسطينية في رام الله على  استئناف المفاوضات مع الكيان الصهيوني بمعزل عن إرادة الشعب الفلسطيني وخيار المقاومة أو عبر إحكام الحصار على قطاع غزة براً وبحراً وجواً.
.. واللافت هنا دور النظام المصري في تشديد الحصار العدواني على القطاع، حيث انتقل الدور المصري من عرقلة الدخول والخروج من وإلى القطاع عبر الإقفال شبه الدائم لمعبر رفح وعرقلة وصول المساعدات والقوافل الدولية الرامية إلى كسر الحصار، إلى الإعلان عن بناء جدار فولاذي يفصل مصر عن حدود فلسطين، جرى تصميمه وأشكال تنفيذه حسب صحيفة هآرتس العبرية باتفاق سري بين واشنطن وتل أبيب منذ أشهر.
.. ولم يجد النظام المصري ما يدافع به عن نفسه سوى الادعاء بـ«تحصين الأمن القومي المصري»، في حين يصمت النظام وقادته عن فقدان السيادة الوطنية على كل صحراء سيناء المزروعة بمحطات الإنذار المبكر الأمريكية والأطلسية.
وبالعودة إلى أهداف ما يسمى بدبلوماسية التهدئة على الجبهة الغربية من جغرافية المشروع الأمريكي في الشرقين الأدنى والأوسط، لابد من التأكيد على أن الإدارة الأمريكية الجديدة تشاغل النظام الرسمي العربي بحراك دبلوماسي ظاهره «البحث» عن سبل لتحريك ما يسمى بعملية السلام، ولكن في الجوهر تحاول تلك الإدارة إيجاد حلول لقضايا استراتيجية مستعصية ورثتها عن الإدارة السابقة وهي قضايا مترابطة تبدأ من مواجهة تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية والمحافظة على الوزن الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية في الساحة الدولية عبر المحافظة على تسعير النفط بالدولار، وصولاً إلى مواجهة تداعيات تراجع وتعثر المشروع الأمريكي من شرق المتوسط إلى أفغانستان.: وهذا يقودنا بالتحليل إلى أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستكون مضطرةً ليس فقط إلى مواجهة تداعيات احتلال أفغانستان والعراق ونتائج سياسة التفتيت التي اتبعتها في بلدان المنطقة، والتي أفشلتها مقاومة الشعوب لها، بل تحاول الآن وضع سيناريوهات التفتيت ضد الدول الإقليمية التي يمكن لها أن تعبئ الفراغات النائشئة عن تراجع المشروع الأمريكي في المنطقة.
وبكلام آخر فإن الدول العميلة أو التابعة لم تعد ضمانةً لإنجاز المخططات الإمبريالية- الصهيونية في المنطقة، وهذا يعني أن المنطقة بالمعنى العام ليست مرشحةً للتهدئة بل إلى مزيد من الصدام والحروب المختارة نقطياً.
ولا يمكن أخذ تصريح قائد القيادة المركزية في الجيش الأمريكي الجنرال ديفيد بترايوس على أنه زلة لسان عندما قال: «وضعنا خططاً عسكرية بشأن منشآت إيران النووية تتضمن عمليات قصف جوي وصاروخي شامل». كما لا يمكن تجاهل رد إيران على لسان وزير الدفاع مؤكداً: «أن قدرة إيران الصاروخية الرادعة أكبر مما يتصوره الأعداء»!.
.. وهكذا، عندما تفرض واشنطن استمرار اعتداءاتها، لن يبقى أمام الشعوب إلاّ المقاومة حتى النصر الأكيد.