جرافة «حسام دويات».. علامة على الطريق
لم تستطع تهدئة غزة «الهشة» التي أسقطت من بنودها الضفة الفلسطينية المحتلة، أن تمنع حسام تيسير دويات العامل، الكادح، ابن بلدة «صور باهر» القريبة من القدس المحتلة من أن ينفذ عملية بطولية، بسلاحه المتوفر، الجرافة، التي يعمل عليها منذ أسابيع عدة. إذ قام شهيدنا البطل، بتلقيم تلك الكتلة المعدنية الهائلة، بذخيرته الحية التي يمتلكها كل مواطن فلسطيني: رفض الاحتلال ومقاومته، والتي هي النتيجة الطبيعية لممارسات العدو الوحشية، التي طالت البشر والحجر.
جاءت العملية البطولية، لتضيف إلى سجل المقاومة الشعبية الباسلة، صفحة جديدة، تحمل ابتكاراً استثنائياً، يشير إلى قدرة المقاومة على ابتداع أشكال متنوعة من العمل، انطلاقاً من الإمكانيات المتوافرة. ولهذا عجزت- وستعجز- كل إجراءات القمع، والجدران الإسمنتية، والبوابات الالكترونية، من وقف عمليات المواجهة المتنوعة، المسلحة والمدنية، للاحتلال. فعملية الدهس والجرف التي نفذها حسام كانت الرد الطبيعي على الانتهاكات اليومية لقوات العدو بحق أبناء الشعب الفلسطيني، والانعكاس المباشر لوحشية آلات التدمير الصهيونية التي تسحق في كل يوم بيوت المواطنين الفلسطينيين. توقيت العملية كان مباغتاً للعدو، فلم يكن يتوقع هذه البطولة النوعية، ولهذا حاولت أجهزة إعلامه المذهولة بما يحصل أمام الكاميرات، من التركيز على «فردية» المنفذ، وعلى «سجله» الجنائي! لكن تنظيم «أحرار الجليل- مجموعات الشهيد عماد مغنية» أكد مسؤوليته الكاملة عن العملية. لكن اللافت لنظر المراقبين، كان موقف قيادة السلطة في رام الله المحتلة، الذي أعلن- كعادته(!)- عند كل عملية استشهادية، تكرار «الإدانة» الفورية لها، والترداد «الببغائي» لما أعلنته حكومة العدو حول منفذ العملية.
حكومات العالم الغربي «الحر» أعادت إنتاج كلامها أيضاً. فنددت بالعملية «الوحشية»، لكنها أغمضت عيونها، وبلعت ألسنتها، عما تنقله الصور لعمليات إعدام الفلسطينيين، سواء بالرصاص، أو بالحصار والإغلاق، الذي يمنع الدواء والطعام عنهم. إن هذه المواقف الدولية، المغلفة بعبارات «لزجة ومنافقة» لاتصب في خدمة السلام العالمي أو الإقليمي، لأنها تدعم بلا حدود، ممارسات القتل اليومية التي تمارسها حكومة الاحتلال، تحت تسميات «الدفاع عن النفس»، التي تتجسد على أرض الواقع ببناء المستعمرات، وإقامة جدار الفصل والضم، وسرقة الأراضي والمياه، وتهويد القدس، وحرمان أكثر من مليون ونصف المليون مواطن من الطعام والدواء. ولاعجب لسلوك هذه الحكومات، التي لاتمارس الصمت فقط تجاه قتل الفلسطينيين، بل صمتت قبل أكثر من خمسة أعوام على دهس المناضلة الأمريكية راشيل كوري، ابنة الثلاثة والعشرين ربيعاً، بشفرة جرافة «كاتربلر» على يد سائقها الصهيوني المجرم، الذي رفض الاستجابة لنداءات راشيل المنطلقة من مكبر الصوت الذي كانت تحمله، لوقف عمليات هدم بيوت المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة. هذه البيوت التي لم تتوقف أوامر هدمها، سواء في الضفة أو غزة، رغم اختلاف وسائل الهدم المتعددة، من صواريخ طائرات الأباتشي والفانتوم، إلى الجرافات العملاقة، بمثاقبها وشفراتها التي تطبق على بيوت المقدسيين باستمرار.
عملية الجرافة النوعية، أنعشت مجدداً مشاعر وطموحات الفلسطينيين، وكل أبناء الأمة العربية، وكل محبي الحرية في العالم، التواقين لحرية أوطانهم. كما أنها كشفت عن مكامن القوة التي يمتلكها أبناء الوطن المحتل، في مواجهتهم للغزاة الصهاينة. ولهذا فإن جرافة «حسام» فتحت مجرى جديداً في أسلوب المعركة المفتوحة مع العدو، وأعطت درساً نوعياً لكل من يريد أن يتعلم، كيفية إلحاق المزيد من الخسائر في صفوف المحتلين. إن مايحمله مكان العملية، مدينة القدس المحتلة، سيساهم مجدداً في تسليط الضوء لما تتعرض له هذه المدينة من تهديد لمراكزها الدينية المقدسة عند المسلمين والمسيحيين، من خلال التوسع في الحفريات، بهدف تغيير معالمها، كخطوة ضرورية لتحويل المدينة إلى عاصمة أبدية ليهود العالم. لقد خاض «حسام دويات» معركة الدفاع عن عروبة فلسطين، وقدسية مدينته، بطريقته الخاصة، المتطابقة بنتائجها، مع المعركة ذاتها التي خاضها قبل بضعة أشهر «علاء أبو دهيم». هذه المعارك التي لن تتوقف طالما أن هذا الشعب قادر على العطاء.