الإقليم كلُّه في مواجهة الخطر
الإمبريالية الأمريكية تدق طبول الحرب هذه الأيام.. ضد إيران هذه المرة.
يكاد ينعقد إجماع القوى الوطنية في الإقليم على الرغبة الأمريكية العارمة في التوسع، وأن الاندفاع الأمريكي بكل شراسته يأتي في هذا الإطار الذي يستهدف تمرير مشروع «الشرق الأوسط الجديد» والهيمنة الكاملة الصهيو- أمريكية بكل تداعياتها.
الأساس الموضوعي للحرب الوشيكة
يتجلى الأساس الموضوعي للحرب الوشيكة فيما يلي:
- تفاقم الأزمة الاقتصادية الأمريكية، وتراجع الوزن النسبي في الاقتصاد العالمي لأمريكا بشكل مطرد، تراجع قيمة الدولار وانهيار البورصات الأمريكية الذي أفقدها ثلث قيمتها في السنوات الأخيرة، إضافة إلى أزمة الرهن العقاري الحالية، حيث وصل عجز الحساب الجاري إلى 5.811 مليار دولار، والأخطر هو تجاوز الدين الأمريكي المحلي لمبلغ 3 تريليون دولار وهو ما يجعل الولايات المتحدة أكبر مدين في التاريخ.
- تراجع الهيبة السياسية للولايات المتحدة عالمياً. إذ لم تستطع بعد انهيار الإتحاد السوفييتي فرض هيمنتها العالمية، وذلك نتيجة ازدياد حدة المقاومة المتسعة لها، حتى وصلت إلى حديقتها الخلفية في أمريكا اللاتينية، إلى جانب انحطاط النخبة السياسية الأمريكية بشكل لا سابق له والذي تجلى في فضائح الفساد التي تورط فيها كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية.
- رأت الدوائر الاحتكارية الأمريكية أن حل الأزمة يكمن أساساً في تحويل القوة العسكرية إلى استثمار اقتصادي، وبعد عقود من التخلي عن «الكينزية» في الاقتصاد عادوا إليها عبر «الكينزية العسكرية»، أي الدخول في حرب تحقق انتعاش الاقتصاد الأمريكي - حسب تصوراتهم- من ناحية، وإنهاء معوقات مشروعهم من أجل التوسع وإعادة هيبتهم السياسية من ناحية أخرى. وفي هذا السياق يتم فهم سبب وصول الموازنة العسكرية الأمريكية إلى 1.1 تريليون دولار، والاندفاع في مشروع «الدرع الصاروخي» رغم أنه حسب الخبراء غير مجدٍ عسكرياً، ولكنه أحد مكونات «الكنيزية العسكرية» أمريكياً، كما أنه ينهك الحلفاء اقتصادياً.
- يأتي ما سبق في سياق محاولة الولايات المتحدة الأمريكية مواجهة النمو الكمي والكيفي الاقتصادي والعسكري في آسيا «الصين أساساً»، إذ أن الصين تحقق نمواً اقتصادياً هائلاً، ويزداد وزنها النسبي داخل الاقتصاد العالمي ككل، كما أنها على الجانب العسكري تحقق تقدماً واسعاً، فهي على سبيل المثال تمتلك من الغواصات 5 أضعاف ما تمتلكه الولايات المتحدة. كما أن الصحوة الروسية النسبية تجاه الخطر الغربي المحدق بها غير مأمون العواقب بالنسبة للولايات المتحدة.. إلخ. وهو ما من شأنه إنهاء أكذوبة «القرن الأمريكي»، ويشكل في الوقت ذاته بوادر لتبلور مرحلة من الصراع الدولي الجديد: آسيوي (صيني أساساً) ومعها قوى ناهضة أخرى في مواجهة الغرب عموماً والولايات المتحدة على وجه الخصوص، وهو ما يعني الإجهاض الكامل للمشروع العولمي الأمريكي. ويدفع في الوقت ذاته باتجاه الاندفاع الأمريكي للهيمنة على إقليمنا «حرباً» كخطوة حاسمة باتجاه الهيمنة العالمية.
النظرة الأمريكية للإقليم
- من هنا تتحدد النظرة الأمريكية لإقليمنا باعتباره وحدة واحدة، والتعامل معه على هذا الأساس، بعكس مواقف وممارسات الطبقات الحاكمة في الغالبية الساحقة من بلداننا العربية، إذ يتعامل كل بمفرده، وفي إطار الانصياع الكامل للإرادة الأمريكية.
- الولايات المتحدة التي لا تمتلك عمقاً حضارياً جعلها تعاني قصوراً فادحاً في تكوين ذاكرة تاريخية ذات تأثير على سلوكها. إذ توقفت الذاكرة الأمريكية عند انتصارات متلاحقة، بدايةً من عار انتصارها بإبادة سكان البلاد الأصليين، ثم حرب الاستقلال، ثم الحرب الأهلية، ثم الحرب ضد أسبانيا، ثم الحربين العالميتين الأولى والثانية. وسقطت من ذاكرتها تماماً تجربة الحربين «الكورية والفيتنامية» التي منيت فيهما الولايات المتحدة بهزائم مروعة. إلى جانب ما تعانيه من هزائم حالياً في أفغانستان والعراق ولبنان، وكذلك الصمود الفلسطيني والرفض الشعبي العربي لها. وإذا كان التاريخ والذاكرة التاريخية أحد المكونات الرئيسية في التكوين الحضاري للشعوب، فإن النخبة، أي الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة، تفتقد هذا الأمر.
وفي هذا الصدد، فإننا يجب ألا نغرق في حسابات ذات طبيعة هامشية بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية الراهنة، وأعني بذلك عمليات المراهنة والاهتمام بقضية من يفوز في الانتخابات الأمريكية القادمة. ذلك أنه أياً كان الفائز (ورغم إدراكنا لدور الفرد في التاريخ) غير أن دوافع الحرب القادمة قوية بما فيه الكفاية لشل أية إرادة لتغيير ملموس في الإستراتيجية الأمريكية حتى لو توافرت هذه الإرادة.
ولذلك فإن الولايات المتحدة إذ تعاني من مصاعب إستراتيجية سياسية واقتصادية وعسكرية ومن افتقاد العمق التاريخي والذاكرة التاريخية السوية، فإنها تحت وطأة هذه الظروف تندفع بأقصى سرعة باتجاه محاولة الهروب من أزماتها «بالحرب» على خلفية أكذوبة أن ضمان الأمن المطلق لها لا يتحقق سوى بتحطيم أمن الآخرين.
في هذا الاندفاع استقدمت إلى العراق وحده 162 ألف جندي، مثلهم تماماً من المرتزقة (بلاك ووتر)، إضافة إلى 60 ألف جندي في دول الخليج، بخلاف القوات البحرية التي تتكاثر دوماً، وكذا قواتها في أفغانستان، أي أن لديها في المنطقة ما يقارب نصف مليون جندي، لم تحشدهم بالطبع لنزهة في الإقليم.
العدو ليس كلي الجبروت
غير أنها تعاني نقاط ضعف شديدة أهمها عدم قدرتها على زيادة المجندين لدعم جيشها المحارب، وأن أسطولها الجوي (كسلاح رئيسي في حروبها العدوانية خاصة ضد إيران) مستهلك تقريباً من وجهة النظر العسكرية، إذ تجاوزت ساعات تحليق طائراته 8000 ساعة طيران، في حين أن الحد الأقصى هو 4000 ساعة طيران فقط تتأثر بعدها كفاءة أدائه بشدة.
لن نتكلم هنا عن قدرات إيران الهائلة كشعب ودولة على المواجهة وإفشال وهزيمة العدوان فيما لو تم، لكن الأهم هو أن شعوب الإقليم، ومن منطلق أن أمريكا تتعامل معنا كوحدة واحدة، ينبغي أن تتم تعبئة شعوبنا ليس دفاعاً عن إيران فحسب - وهذا واجب- وإنما للدفاع عن الإقليم ومصيره.
لقد تم حصار ليبيا ثم العراق وتم احتلاله وأفغانستان، ثم جرى العدوان على لبنان إلى جانب ما يحدث في فلسطين والسودان والصومال.. كل ذلك بمشاركة ودعم غالبية الحكومات العربية، ولم تتم المقاومة الجماهيرية بشكل كافٍ بسبب القمع، ولذلك فإنه لا ينبغي أن يتكرر هذا الأمر لأنها معركة مصير.
لابد أن ندرك أن أية غارة على طهران هي بمثابة غارة على كل عاصمة عربية، ولذلك فإنه يتحتم تعبئة الجماهير للمقاومة بكل ما هو متاح. ليس فقط من أجل إلحاق الهزيمة بالعدو الصهيو- أمريكي، ولكن لإلحاق الهزيمة بالعملاء المحليين وكنس نظمهم الداعمة للعدو والمرتبطة مصيرياً بوجوده.
إننا لا نتمنى الدخول في حروب، ولكن الحروب العادلة من أجل الدفاع عن الأوطان في مواجهة المعتدين تتحدد نتيجتها بقانون معروف، هو أن نتيجة الحرب لا تتحدد بمقدار ما يضغط به العدو المعتدي، ولكنها تتحدد بمقدار قدرة المعتدى عليه على الاحتمال والصمود لتحقيق الانتصار.. وهذا ما ينبغي أن ندركه بعمق، وأن نعمل على تغيير معادلة صراعنا مع العدو المشترك بدخول شعوبنا إلى هذه المعادلة كطرف أصيل فيها بعد أن ألقت الطبقات التابعة في معظم بلداننا براية الوطنية في الوحل.
وليكن شعارنا «المقاومة حتى النصر»..