ثلاثة مستجدات تنذر بعدوان إسرائيلي - أمريكي على إيران
بلغت الحملة الدعائية الترهيبية التي تقودها إسرائيل ضد إيران وبرنامجها النووي، مدى خطيراً ومثيراً للمخاوف والقلق. ومما تنذر به هذه الحملة، الوصول بالاستعداد لضرب إيران مرحلة اللاعودة. وفيما لو وجهت إسرائيل ضربتها هذه، فإن المرجح لها أن تسفر عن عواقب كارثية سواء كانت على المستوى الإقليمي أم على مستوى العالم بأسره.
إضافة إلى عواقبها الوخيمة على إسرائيل نفسها. وهي حملة تشبه في كثير من الوجوه، حملة التضليل المعلوماتي التي قادتها إسرائيل وحلفاؤها داخل وخارج إدارة بوش، بشأن برامج أسلحة الدمار الشامل المنسوبة إلى صدام حسين، مع العلم أنها الحملة التي انتهت إلى غزو العراق في عام 2003.
ويعتقد اليوم أن إسرائيل تصعّد جهودها الرامية إلى دفع إدارة بوش نحو توجيه ضربة عسكرية إلى طهران، قبل مغادرة بوش لمنصبه بحلول شهر نوفمبر المقبل. وربما كانت هذه هي الرسالة الأساسية التي حملها رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت إلى البيت الأبيض خلال زيارة أولمرت الأخيرة لواشنطن في مطلع يونيو الجاري. وفي المقابل حث هذا الترويج الإسرائيلي الذي لا يكل لفزاعة الخطر النووي الإيراني، الدكتور محمد البرادعي، مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى التحذير من خطر هذه الحملة بما نسب إليه من تصريحات أكد فيها أنه ما من شيء مما رآه في إيران الآن، يمثل خطراً نووياً جدياً وشيكاً. جاء ذلك في لقاء أجرته معه إحدى الفضائيات يوم الجمعة الماضي. ومضى البرادعي إلى القول في اللقاء نفسه: «ومن الجانب الآخر، فإن توجيه ضربة عسكرية إلى إيران سيحيل المنطقة كلها إلى كرة من اللهب، إلى جانب دفع إيران باتجاه تطوير الأسلحة النووية».
وربما أضاف البرادعي القول أيضاً إن من شأن مغامرة عسكرية كهذه أن تكون لها عواقب كارثية على اقتصادات ومجتمعات منطقة الخليج العربي، التي ستجد نفسها في خطوط النار الأمامية.
ومما يزيد من مخاوف حدوث مواجهة عسكرية طائشة كهذه مع طهران، ثلاثة تطورات حدثت مؤخراً. أولها إجراء سلاح الطيران الإسرائيلي في مطلع يونيو الحالي مناورات فوق مياه البحر الأبيض المتوسط، شاركت فيها أكثر من 100 طائرة من طرازي F-15 وF-16. وقال مسؤولون من وزارة الدفاع الأميركية إن الهدف الواضح من هذه المناورات، هو التدريب على تكتيكات القتال الجوي وإجراءات إعادة التزود بالوقود، بهدف توجيه ضربة محتملة لمنشآت إيران النووية. وثانيها اللقاء الصحفي الرئيسي الذي أجرته ونشرته صحيفة «لوموند» الفرنسية بتاريخ 20 يونيو الجاري مع وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، الذي نفى بشدة صحة المعلومات الواردة في «التقويم الاستخباراتي القومي» وهو آخر التقارير الأميركية المؤكدة لوقف إيران لأنشطتها الحربية النووية منذ عام 2003. وبدلاً من الأخذ بهذه المعلومة، آثر باراك ترديد الأسطوانة الإسرائيلية المعهودة التي لا تكف عن الترويج لفزاعة الترسانة النووية الإيرانية بقوله: «إذا ما سمح العالم لإيران أن تتحول إلى دولة نووية، فإن الذي أتوقعه هو أن تصل التكنولوجيا النووية إلى يد الإرهابيين في غضون عقد من الزمان من الآن. وعندها يمكن إرسالها داخل حاوية إلى السواحل الشرقية الأميركية، أو إلى أوروبا أو إسرائيل». واستطرد باراك في القول: «إن من قدر إسرائيل أن تكون أسداً في بيئة وعرة تتربص بها من كل جانب. فهناك خطر الإرهاب الإسلامي، وهنا خطر انتشار التكنولوجيا النووية، مضافاً إليهما خطر الدول المارقة المحيطة بنا». غير أنه فات على باراك ذكر مساهمة دولته الكبيرة في نشر التكنولوجيا النووية والعنف والفوضى على امتداد المنطقة الشرق أوسطية كلها!
بهذا نصل إلى التطور الثالث والأخير، وهو عبارة عن دراسة مؤلفة من 30 صفحة نشرها مؤخراً «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» حملت عنوان «الملاذ الأخير». ولم تكتف الدراسة بالتوصية بتوجيه ضربة واحدة لمنشآت إيران النووية -ربما تستخدم فيها الأسلحة النووية القادرة على النفاذ إلى باطن الأرض، إن دعت الضرورة- وإنما نادت بتوجيه سلسلة من الضربات المتزامنة مع العمل غير العسكري ضد طهران، على أن يتواصل هذا النشاط لفترة ممتدة من الوقت. يذكر أن «معهد واشنطن» يعد من الأذرع الرئيسية التي تنشط في توجيه سياسات الإدارة الحالية إزاء الشرق الأوسط، بالقدر نفسه الذي تمارس فيه منظمة «إيباك» تأثيرها على الكونجرس الأميركي.