تهدئة على فوهة البركان!
في ظل اتساع تأثير وتداعيات حملة الرموز والإشارات والمصطلحات عبر الإعلام الإمبريالي- الصهيوني المرئي والمسموع والمقروء، الموجهة إلى الرأي العام العالمي، والهادفة إلى غسل الأدمغة وقصف العقول لدى الخصوم على المستوى العالمي، يصيب منطقتنا قسط وافر من سموم هذه المصطلحات والرموز والإشارات التخديرية التضليلية حول حقيقة النوايا الإمبريالية- الصهيونية إزاء دول وشعوب المنطقة!
مثلما خبرت شعوبنا زيف ما طرحته واشنطن وتل أبيب من مصطلحات: «مسيرة السلام، الازدهار الاقتصادي، الديمقراطية، تمكين المرأة، المنظمات غير الحكومية، ضرورة التطبيع ووقف الإرهاب، الليبرالية الاقتصادية الجديدة، المفاوضات تجلب السلام..» ها هي وسائل الإعلام ذاتها وتوابعها في الإعلام العربي تسوق للرأي العام العربي مصطلحاً جديداً هو «التهدئة».
.. وإذا عرفنا أن الجغرافيا السياسية التي يستهدفها «مصطلح التهدئة» هي فلسطين، لبنان، العراق، سورية وإيران، ندرك أن الهدف الرئيسي من الاستخدام المبالغ فيه لمصطلح «التهدئة» ليس رأب الصدع الحاصل في الواقع العربي وليس الشروع في وضع «إستراتيجية عربية دفاعية»- ولا نقول تحريرية-، الهدف هو إخماد المقاومة العربية وغير العربية في المنطقة عبر الترغيب بعد فشل الترهيب بأبشع أنواع الإرهاب.
.. وبالتوازي، يجري استكمال العناصر والعوامل المطلوبة لتوجيه ضربة عسكرية باتجاه إحدى الجبهات الرئيسية، بعد أن تكون قد فعلت فعلها «مفاعيل التهدئة» المطروحة والتي أخطرها زرع بذور الشكوك بين مكونات جبهة المواجهة سواء أكانت مقاومة أم ممانعة!
.. بعد فشل حرب تموز 2006 على لبنان وانتصار المقاومة، وبعد فشل ضخ دماء التماسك في فريق 14 شباط عبر القرار الدولي 1701 وعبر الدعم السياسي والدبلوماسي الأمريكي- الأطلسي لحكومة السنيورة، الشيء الذي جعلها تتجرأ على اتخاذ قرارات ضد المقاومة عجز عنها الجيش الإسرائيلي، بعد كل ذلك وفجأةً دبّت «النخوة» في النظام الرسمي العربي فطرح قضية «التهدئة» في لبنان وكانت حصيلتها بعد اتفاق الدوحة عودة فؤاد السنيورة لتشكيل الحكومة بعد انتخاب العماد ميشيل سليمان رئيساً للجمهورية. لكن حكومة المحاصصة الطائفية لم تتشكل حتى الآن وكذلك لم يقر بعد قانون الانتخابات الذي سيكون استمراراً للإقطاع السياسي على حساب الشعب اللبناني سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وهكذا بقيت المقاومة مستهدفةً لأن وجودها ليس فقط يقلق العدو الصهيوني ويضرب في الصميم ما يسمى «بهيبة الردع الإسرائيلي» بل أكثر من ذلك يضع الأساس لإلحاق الهزيمة بالمشروع الأمريكي في المنطقة. لذلك وجب استنفار واستخدام كل أدوات الحرب النفسية- الإعلامية والتسعير المذهبي ضد المقاومة.
.. في المشهد العراقي أيضاً ضرب الحماس النظام الرسمي العربي لمساعدة الحكومة المعينة من الاحتلال عبر مصطلح «التهدئة» ليس من أجل مساعدة الشعب العراقي على التخلص من الاحتلال الأمريكي وجرائمه المباشرة أو بالواسطة، بل من أجل إخماد المقاومة العراقية الحقيقية عبر مساعدة حكومة المالكي في تمرير «المعاهدة الأمريكية» بشأن إدامة وقوننة الوجود العسكري الأمريكي في العراق. ومن هنا يمكن فهم محاولات حكومة المالكي وقوات الاحتلال تحت عنوان «التهدئة» لشق التيار الصدري وضرب الجناح المؤيد للمقاومة العراقية في داخله. وتحت العنوان نفسه يجب الوقوف عند خطورة قرار دول الخليج بافتتاح سفارات لها في بغداد تحت حجة عدم استفراد إيران بالساحة العراقية. لكن خطورة موقف دول «الاعتلال العربي» يجب النظر إليها من زاوية خدمتها لإطالة أمد الاحتلال وعدم تمكين الشعب العراقي من تقرير مصيره وتحرير أرضه وبناء النظام الذي يرتضيه على أساس وحدة العراق جغرافياً وديمغرافياً.
.. أما في فلسطين فقد بدأ التداول بمصطلح «التهدئة» بعد أن فشل الاحتلال الصهيوني في كسر شوكة المقاومة التي فرضت على العدو إخلاء قطاع غزة، رغم كبر حجم المجازر والحصار والتجويع والاعتقال في صفوف القيادات والكوادر الفلسطينية على حد سواء، وبعد أن فشلت إستراتيجية المفاوضة والمساومة التي اتبعها فريق السلطة في رام الله خصوصاً في ظل استمرار التهويد والاستيطان غير المسبوق في الضفة الغربية الشيء الذي جعل فريق السلطة ينزل عن شجرة المطالب العالية (من رفض لقاء قيادة حماس) إلى القبول بالحوار الوطني الفلسطيني، تضليلاً، على الرغم من أن هذا هو المطلوب على الدوام وصولاً إلى أعمق وحدة وطنية فلسطينية تلتزم خيار المقاومة من أجل التحرير واستعادة الحقوق الوطنية الفلسطينية غير منقوصة.
,. إن كل ما تقدم يقودنا إلى استنتاج رئيس، هو أن كل ما يقال عن التهدئة على الساحة العربية لن يحرر أرضاً ولن يوقف عدواناً أمريكياً- صهيونياً يلوح في الأفق القريب، ولن يوقف عملية الفرز في الواقع العربي بين أنصار خيار المقاومة وبين أنصار المشروع الأمريكي- الصهيوني في المنطقة..
إن من ينخدع بمصطلح «التهدئة» في المنطقة، هو كمن يستطيع النوم قرب فوهة البركان!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.