ميشيل شوسودوفسكي ميشيل شوسودوفسكي

«ديزني لاند» تمضي إلى عراقٍ مزقته الحرب

مدينة ملاهٍ على الطراز الأمريكي تحتوي على ميدان تزلج ومضامير امتطاء الخيل، وقاعة موسيقية ومتحف.

ترى قوات الاحتلال أنّ بغداد «تفتقر للترفيه» وقيل إنّ الجنرال ديفيد بترايوس «سيؤيد بشدة» جلب ديزني لاند إلى بغداد.

ترى فوكس نيوز أنّ المشروع «علامة مميزة على أنّ التجارة تعاود حضورها... يجب ألا نرفض الالتفات حين تحدث أمورٌ حسنة في العراق. كبداية، قال رجل أعمال من لوس أنجلوس إنه يخطط لاستثمار الملايين في إنشاء مجمع ترفيه وتسلية ضخم وسط مدينة بغداد» (فوكس نيوز، 26 نيسان 2008).

بتأييدٍ من البنتاغون، ستقوم شركة مغفلة غير معروفة من لوس أنجلوس قوامها مستثمرون من القطاع الخاص بتطوير «حديقة حيوان بغداد ومجمع ترفيهي». ستقوم بتصميم المنتزه شركة رايد أند شو إنجينيرينغ RSE، التي قامت بتطوير عدد هائل من المجمعات الترفيهية حول العالم، ومن ضمنها مجمع ديزني في أنهايم كاليفورنيا. 

الحلم الأمريكي

إن منتزه الترفيه هو جزء مكمل لدعاية الحرب، لأن إنشاء مخفر ثقافي في أرضٍ محتلة يساعد على دعم شرعية الغزاة و«قيمهم الثقافية» العالمية.

لقد تمّ تدمير القسم الأكبر من البنية التحتية الثقافية والتعليمية للبلاد، ومن ضمنها المتاحف والمدارس والجامعات والمنتزهات والمسارح ودور السينما، ويقوم الغزاة الآن «بالمساعدة على إعادة البناء».

وضمن جهود «إعادة الإعمار» تلك، ستتبرع أمريكا بـ200 ألف لوح تزلج للأطفال العراقيين!!

لوح التزلج ذاك هو رمز لثقافة البوب الأمريكية، اجتذب «نمطاً من شباب المدن المتمردين والقساة  والمستقلين، خلقوا ثقافتهم الخاصة».

ما الذي سيحدث حين تأتي برعاية البنتاغون ألواح التزلج الملونة (بما تحويه من إيحاءاتٍ لاشعورية) من لوس أنجلوس، كاليفورنيا، إلى بغداد؟

ما تأثيرها على ثقافة أطفال العراق ومراهقيه الفقراء الذين يعيشون في ظلّ الاحتلال الأمريكي؟

الأجندة الخفية هي انتزاعهم من واقعهم الاجتماعي، إبعاد الشباب العراقي عن السياسة وكبح الشعور المعادي لأمريكا.

على نحوٍ أعمّ، وعبر صورة هوليوود، يكون هدف ديزني لاند في بغداد تنشئة رأيٍ عامٍ عراقي، وتشكيل وجهة نظر موالية لأمريكا، إضافةً لإضعاف حركة المقاومة المناهضة للاحتلال الأمريكي.

من خلال محاكاة متحركة لأدوات ترفيه متطورة، سيتم استبدال الوقائع اليومية القاسية للفقر والاحتلال العسكري بعالمٍ من الخيال والحكايا.

المفهوم الكامن وراء الرؤية الهندسية لديزني لاند هو «التغلب على الحواجز التي تفصل الواقع عن الحلم».

والهدف استبدال الواقع بعالم الأحلام.

وقائع الحياة اليومية من القتل والدمار والتعذيب تستبدل بـ«عالم أحلام مصنوع في أمريكا».

تسعى المحاكاة البصرية والحركية إلى تقديم «وجهٍ إنساني» للغزاة الأمريكيين إلى أطفال العراق ومراهقيه.

كما يشكّل المشروع شكلاً منحطاً من الدعاية للحرب. وهو غطاءٌ لجرائم الحرب التي ارتكبت بحق الشعب العراقي، تحت عنوانٍ مخادع: «الحلم الأمريكي».

وسوف يسطو المشروع على «منتزه الزوراء» و«حديقة حيوان بغداد» التي سُلبت حين دخلت القوات الأمريكية بغداد في نيسان 2003.

وفي ذاك التاريخ كذلك، تم نهب كنوز بغداد الأثرية بدعم من الغزاة الأمريكيين، حيث كان نهب الإرث الثقافي العراقي عملاً متعمداً حمى الغزاة خلاله الناهبين الذين يعودون اليوم إلى بغداد بمشروع متحفٍ جديدّ. 

الحرب النفسية

يتضمن مشروع ديزني لاند في بغداد المميزات الأساسية للعملية النفسية، فهدفه غرس القيم الأمريكية وتدمير الهوية العراقية.

«يحتاج الشعب (العراقي) إلى هذا النوع من التأثير الإيجابي. سيكون له تأثيرٌ نفسي بالغ»، هذا ما يقوله السيد وورنر من الشركة.

المفارقة المريرة أنّ هدف العملية النفسية هم أطفال العراق.

«هنالك فرصٌ شتى للاستثمار في أرجاء العراق كافةً. لا يتعلق الأمر بالنفط وحسب، فنصف سكان العراق أعمارهم دون الخامسة عشر. هؤلاء الصبية يحتاجون فعلاً لعملٍ ما» (السيد برينكي، الاقتباس من التايمز، 24 نيسان 2008).

تم تدمير إرث العراق الثقافي.

أبيدت الذاكرة التاريخية لبلاد ما بين النهرين.

الغزاة الأمريكيون «يجلبون ترفيهاً مطلوباً» إلى مسرح الحرب.

يقول راعي المشروع ليولين وورنر إنّ الوقت مؤاتٍ لـ«المنتزه الترفيهي».

«أعتقد أنّ الناس سيرحبون به، سيرون فيه فرصةً لأطفالهم من أية طائفة أو مذهب كانوا،.. سيقولون إنّ أطفالهم يستحقون مكاناً يلعبون فيه وسيتركونهم فيه بمفردهم» (المصدر السابق).

يقول الناطق الرسمي باسم حكومة الدمى العراقية المعينة أمريكياً: «هنالك نقص في وسائل الترفيه في المدينة. لا يمكن فتح دور السينما ولا الملاعب. بغداد تحتاج فعلاً لمنتزه ترفيه. لا يجد الأطفال فرصة للتمتع بطفولتهم». ويضيف علي الدباغ أن دخول المنتزه سيخضع لرقابة صارمة. (التايمز،24 نيسان 2008).

لا يجد الأطفال فرصة للتمتع بطفولتهم؟

أي شكلٍ من الطفولة يمكن التمتع به في بلادٍ تحولت فيها البنى التحتية العامة كالمدارس والمشافي إلى أنقاض؟

تخيلوا حواجز الطرق ونقاط التفتيش العسكرية التي يتوجب على أطفال العراق الفقراء عبورها في طريقهم لمشاهدة ميكي ماوس....

سوف تستملك الشركة الأمريكية الأراضي التابعة للبلدية في صفقةٍ غير معلنة عقدت مع رئيس بلدية بغداد.

يشغل الموقع الآن منتزه الزوراء وحديقة الحيوان، حيث يتجمع سكان بغداد في عطلة نهاية الأسبوع. والمنتزه عراقي الطابع بأحواضه ونوافيره وتماثيله وساحات لعب الأطفال.

«كل شيء هنا لتحقيق الربح»

الموقع الآن هو حديقة عامة معروضة للخصخصة، وتخطط الشركة المغفلة في كاليفورنيا لاستخدام الأرض في استثماراتٍ مربحة في قطاع الفنادق والسكن الفاخر. لا ريب في أن المشروع سيكون مربحاً ومجدياً مالياً، وسيتطلب تمويلاً مباشراً من البنتاغون.

«لن أقوم بفعل ذلك إن لم أحقق ربحاً»

سيحتفظ السيد وورنر بامتياز تطوير الفنادق والمساكن التي ستكون وفقاً لقوله «حساسة ثقافياً ووافرة الربح... لدي إحساس رائع بأننا نقوم بعمل صائب- سنقوم بتوظيف آلاف العراقيين. لكن كل شيء هنا لتحقيق الربح»!

• صحيفة التايمز/ ترجمة قاسيون

آخر تعديل على الثلاثاء, 29 تشرين2/نوفمبر 2016 19:46