«مؤشرات الحرب».. و«الحرب»..!
ما صدر عن أولمرت أثناء زيارته لواشنطن في مطلع هذا الشهر (حزيران)، وعن موفاز، وأيضاً من تلميحات عديدة للإدارة الأمريكية، يوحي بأن العسكريتين الأمريكية والإسرائيلية مصرتان على شن الحرب، رغم كل المعطيات السلبية بالنسبة لها المحيطة بذلك.
هناك الرأي العام الأمريكي، الذي هو ربما بنسبة كبيرة ضد الحرب، بل هناك الكونغرس، الذي نجح فيه الديمقراطيون في المناخ المضاد للحرب. وهناك مأزق العراق، الذي لم ينته بعد، رغم تفاؤل الإدارة الأمريكية الإعلامي، أكثر مما هو واقعي، بقرب انتهائه. ومعروف طبعاً أن الإدارة الأمريكية وحلفاءها يهمشون الرأي العام في بلدانهم، مثلما همشه رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، ويلتفون على مؤسساتهم التشريعية، ويدوسون على القانون الدولي والمؤسسات الدولية، ولكن هل هم واثقون من نهاية «سعيدة» للحرب، إذا ما نشبت.
الإدارة الأمريكية تريد من الحرب، إذا ما كانت مصرة عليها وفي مخططها، أن تكون حاسمة إقليمياً ودولياً.
إقليمياً، بمعنى أن تصل عبرها إلى إقامة الشرق الأوسط الجديد، الذي يمزق إلى مشيخات صغيرة، وتتمركز القوات الأمريكية والإسرائيلية في كل أراضيه، وحاسمة دولياً بمعنى أن تكون رادعاً نهائياً لروسيا الاتحادية والصين، الدولتين النوويتين الخطرتين على الهيمنة الأمريكية. فيجب أن ترضخا للسير في ركاب السيطرة الأمريكية على العالم، أو يتعرضا للاصطدام بالرد الأمريكي الخطير. أغلب الظن أن الإدارة الأمريكية تعتبر معركتها الشرق-أوسطية هي معركتها الدولية؛ وهي معركتها الأساسية الثانية بعد معركتها الرابحة مع الاتحاد السوفييتي.
الآن العسكرية الإسرائيلية أرادت أن تفرض نفسها بالقوة، ولم تضع الإدارة الإسرائيلية في حسابها، أنها لا يمكن أن تبقى تعيش في وسط معاد إلى الأبد؛ بدليل أن الشعب الفلسطيني الأعزل وحده يقضّ مضجعها ليل نهار، ولم تضع في حسابها، أن المرء عندما يشعل النار قد لا يستطيع أن يطفئها، وهذا ببساطة ما حدث في لبنان.
الاحتكارات الأمريكية تحكم العالم اقتصادياً بالدولار، ولا تكتفي بذلك، تريد أن تسيطر عليه عسكرياً أيضاً، فتشعل النار في كل مكان، ولا تضع في حسابها، أنه حتى السلاح الضعيف نسبياً، يمكن في ظروف خاصة أن يفعل. ربما الجنود الأمريكيون الذين قتلوا أو عطبوا هم أقل بكثير من الضحايا والمشردين العراقيين؛ ولكن كلفة الحرب هي أكبر بكثير من عدد الضحايا الأمريكيين؛ إنها تبلغ مالياً بالتريليونات، وتبلغ اقتصادياً أكثر بما لا يقاس من تلك التريليونات. عدا ذلك، فإن الحرائق، التي تشعلها الإدارة الأمريكية لن توفرها.
الحرب التي تنويها أمريكا وإسرائيل لا يمكن أن تكون إلا نووية، لأن المنشآت النووية الإيرانية المستهدفة لا تدمر تماماً بالأسلحة التقليدية، ولو كانت متطورة.
وإذا كانت نووية فعلاً، فلن تكون رخيصة بالنسبة للإدارات العربية الحليفة، مثلما كانت حرب العراق، فالأشعة والتدمير ستنال الخليج، وربما الشرق الأوسط بكامله. عدا ذلك، ماذا تفعل الإدارة الأمريكية بالإدارات العربية، إذا حسمت الأمر في الشرق الأوسط؟ هل تبقيها من أجل الديكور؟ لا نعتقد.
عدا ذلك، إذا كان العدوان على إيران تشترك به قواعد عسكرية فوق الأراضي العربية، فهل يبقى السلاح الإيراني حيادياً بالنسبة لتلك القواعد؟
وإذا كان الحلفاء العرب يلتصقون بالإدارة الأمريكية باعتبارها الطرف الرابح، فهل يضمنون ذلك؟ وعلى المديين القريب والبعيد. ربما غير مسموح لهم أن يعتقدوا بغير ذلك.
الحرب غالباً لن تكون فجائية بشكل فاقع، وإنما ستنزلق إليها الإدارة الأمريكية مثل اللص في سيناريو، ربما يبدأ في لبنان.
هدف اتفاق الدوحة على ما يبدو كان في تحقيق انتخاب رئيس الجمهورية، مقابل «وعد» بحكومة وحدة وطنية. الآن هل حكومة الوحدة الوطنية تمر بتعقيدات؟ أم تمر بتجميد؟ وإذا ما جمدت، مثلما جمد انتخاب الرئيس قبلاً، فماذا تفعل المعارضة تجاه حكومة واقعية، مستقيلة وليست مستقيلة، وتمارس مختلف الصلاحيات؟ أيضاً، ماذا تفعل المعارضة تجاه الاستفزازات اليومية والمتصاعدة؟ا من قبل كان السيناريو هو إنجاز هجوم غادر على المعارضة يحققون به مجزرة، وكان المنظور، أن المناوشات، إذا لم تحقق المجزرة أهدافها، ستطول وتؤدي إلى التدخل الخارجي. والأمر الذي لم يكن محسوباً هو أن المعارضة حسمت الموضوع في ليلة واحدة.
والآن ما عسى السيناريو يكون؟ هل سيجري الضغط على المعارضة، كي تقوم برد فعل، يقابله تدخل خارجي يتصاعد، ليؤدي إلى الحرب الإقليمية المخطط لها؟
سورية، هل كان هدف فقاعة المفاوضات هو تحييدها سياسياً؟ وهل سيتم اللجوء إلى تحييدها عسكرياً؟
أياً يكن السيناريو الموضوع عسكرياً، فإن نتف التصريحات تدل على أن القرار موجود، وأن الإدارات الأمريكية ستعمل على الحسم؛ وسواء بدأت العمليات الأمريكية- الإسرائيلية من لبنان، أو من سورية، أو من إيران مباشرة، فستنطوي على أخطر مجزرة نووية تشمل الشرق الأوسط كله حتماً، ولكن قد تتوسع أكثر من ذلك.
وإيران والمعارضة اللبنانية وسورية يستطيعون معاً أن يجرحوا، ولكن هل يستطيعون أن ينقذوا المنطقة. وإذا ما فتحت أبواب الجحيم هل تستطيع الإدارة الأمريكية نفسها أن تغلقها.
الأسلحة الموجودة لدى الإدارة الأمريكية خطيرة جداً، ولكن إذا كانت تكفل الموت لبلدان عديدة في العالم، فلن تكفل السلامة لها، لا على الصعيد السياسي، ولا على الصعيد الاقتصادي، ولا على صعيد الهيمنة المطلقة على العالم، التي تطمح لها.
أما حلفاؤها في الشرق الأوسط، فسيكونون في مقدمة ضحاياها؛ وبدلاً من أن يرتفعوا إلى مصاف الزعماء، المحترمين أو غير المحترمين، فإنهم سينحطون إلى مستوى الجثث، أو ما يشبه الجثث، التي لا أحد يواريها التراب.
يتمنى المرء فقط أن يخرج الشرق الأوسط من المحنة؟ فأمامه محنة إبادة.