محمد العبد الله - خاص قاسيون محمد العبد الله - خاص قاسيون

الدعوة للحوار والمراوحة في المكان!

في الذكرى الحادية والأربعين للخامس من حزيران، الذي لم يكن يوماً لهزيمة النظام العربي الرسمي فقط، بل كان سقوطاً مدوياً للعديد من البنى السياسية، والبرامج الفكرية التي سادت لعدة عقود. في هذا اليوم، وكحالة استثنائية لم يعرفها شعبنا، توجه رئيس السلطة في رام الله المحتلة بكلمة سياسية للشعب، تركزت حول دعوته لبدء حوار وطني يعيد لحمة الأرض والشعب، خاصة بين الفصيلين المتخاصمين «فتح وحماس»، وتالياً، بين الضفة والقطاع. القائد الأبرز لحماس في غزة محمود الزهار أعلن فور انتهاء خطاب عباس مباشرة ترحيبه بالدعوة، وبإجراء حوار مباشر، لكن دون أية شروط مسبقة. وهو ماكرره موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي في حماس، حينما قال (إن خطاب الرئيس عباس يعتبر هذه المرة مختلفاً عن الدعوات السابقة وإنه خطاب جدي) مؤكداً على (استعداد حماس للبدء في الحوار من أجل مصلحة الشعب الفلسطيني وإعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية). كما تتالت المواقف المرحبة بالدعوة من العديد من الفصائل والقوى السياسية الفلسطينية، والحكومات العربية.

جاءت الدعوة وردود الفعل الترحيبية عليها، لتشيع جواً من التفاؤل «غير الواقعي» حول إمكانية ترجمة الكلمات والرغبات إلى حقائق على الأرض، باستثناء توجه اثنين من قيادة حماس لمدينة دكار عاصمة السنغال، الرئيس الحالي لمنظمة المؤتمر الاسلامي، على أمل أن يلتحق بهما على الفور وفد فتح. لكن الذي حصل- كما نقلت المعلومات- تأخر وصول حكمت زيد القيادي في فتح، وأحد مستشاري عباس للسنغال لمدة أربعة أيام! وجود الوفدين في دكار، أدى إلى ارتفاع منسوب التفاؤل لدى العديدين من دعاة بدء الحوار، لكن هذا التفاؤل بدده تصريح المستشار العتيد، حسب ماوزعته وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية «وفا» (تناقلت بعض وكالات الأنباء أن هناك حواراً يدور بين حركتي فتح وحماس ترعاه الحكومة السنغالية، والحقيقة أنه بصفتي مستشاراً ومبعوثاً من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أوضح أنني مكلف من السيد الرئيس لنقل رسالة لفخامة رئيس الجمهورية السنغالية رئيس القمة الإسلامية حول آخر تطورات القضية الفلسطينية والحصار المفروض على شعبنا الفلسطيني وخصوصا في قطاع غزة، إضافة إلى سياسة التجويع التي تمارسها إسرائيل على الشعب الفلسطيني). وهذا ماأكدته مصادر اعلامية، وسياسية، وفي مقدمتها حماس، من أن الوفدين لم يلتقيا سوية للبدء بالحوار، بل ان الرئيس السنغالي بذل جهوداً حثيثة لجمع الطرفين في لقاء مشترك معه.

لم تكن الأجواء التي خيمت على التحرك السياسي/الاعلامي الذي واكب الدعوة للحوار، صافية ونقية، بل كانت ملبدة بالغيوم السوداء الداكنة، التي أوجدتها الاشتراطات المسبقة التي بدأ يتحدث عنها الثلاثي «عريقات، حماد، عبد ربه». والأخير كان الأكثر قبحاً وفجاجة في مواقفه. فقد (حذر من صرف الأنظار عن المشكلة الجوهرية المتمثلة بإنهاء الانقلاب الذي نفذته حماس الخارجة عن القانون في قطاع غزة، والانجرار وراء الشكليات في حوار هدفه الجلوس على الطاولة والتقاط الصور) مضيفاً «توضيحه» للمبادرة (إن جوهر المبادرة هو الاتفاق على القضايا المصيرية للشعب الفلسطيني المتمثلة في: ماذا بشأن الانقلاب، وماهو الوضع الأمني الذي يجب أن ينشأ بديلاً عن الانقلاب، وكيف يرحل الانقلاب وتحل محله سلطة وطنية فعلية تمثل القانون ولاتمثل حكم ميليشيا أو فئة حزبية واحدة). مؤكداً (أن الانقلاب لايجوز ان يطوى تحت لفلفة لغوية ويبقى على أرض الواقع) نافياً وجود اتصالات حالياً مع حماس (إن اللقاءات التي يجري الحديث عنها هنا وهناك، هي مجرد كلام مع أطراف ثالثة أكثر مما هو كلام مباشر).

في هذا الجو المشحون بوباء تلك النماذج، والملوث بتلك المواقف المريبة، وبذلك الكم من العبارات التضليلية، التي تدعي الحرص على القضايا المصيرية، التي تهم فعلاً الشعب الفلسطيني «طرد الاحتلال، وحرية الأرض والإنسان»، هذه القضايا لايعرفها من يحرص على الجلوس إلى طاولة «أولمرت وليفني» وتغطي قسمات وجهه، تعابير الفرح كما تنقلها عدسات المصورين.

إن إعادة التأكيد مجدداً على أهمية الحوار والوحدة الوطنية، تدفعنا لضرورة التنبه لمخاطر الانجرار وراء العواطف والرغبات فقط. فالوحدة الوطنية ضرورة كفاحية أكثر من كونها قضية سياسية مجردة. إذ أن المنظمات والقوى والأحزاب المنطلقة بالحوار الوطني الهادف بناء هيئاتها التنسيقية أو جبهاتها المتحدة- كما علمتنا تجارب حركات التحرر التي انتصرت- تتفق قبل كل شيء على الهدف الوطني المراد تحقيقه. ولهذا فإن أوسع اصطفاف وطني، يجب أن يتوافر له الأساس الذي ستقوم عليه البنى السياسية والكفاحية والجماهيرية، لأن ماهو مطلوب في هذه المرحلة الصعبة والخطيرة من كفاح شعبنا، الاتفاق على تشخيص وتوصيف جبهة الأعداء، المتمثلة في الاحتلال، من أجل صياغة برنامج العمل النضالي، بكل مجالاته وأشكاله، لمواجهة قواته ومخططاته الاجرامية، عبر تعزيز صمود الشعب، وتطوير أساليب المقاومة.

آخر تعديل على الثلاثاء, 29 تشرين2/نوفمبر 2016 21:58