لقاء جديد و...فاجعة جديدة!
جاء اللقاء الجديد الذي جمع عباس وأولمرت في بيت الأخير في مدينة القدس المحتلة، ضمن سلسلة الاجتماعات الدورية المتكررة، ليكشف للرأي العام العربي- والفلسطيني في مقدمته- مجدداً، عن استخفاف غير جديد بالقضايا الكبرى، ناهيك عن المشاعر الوطنية للشعب، من خلال إصرارا قيادة السلطة في رام الله المحتلة على حضور هذه اللقاءات، بالرغم من التصعيد اليومي في خطة القتل والتدمير المنهجي التي تمارسها حكومة العدو.
كان يليق بـ«كرامة» الوفد الفلسطيني أن يمارس عملياً وليس لفظياً، موقفاً احتجاجياً على ماتم الإعلان عنه قبل موعد اللقاء بساعات: إعطاء موافقة رئيس حكومة الكيان الصهيوني على المباشرة في تنفيذ بناء 763 وحدة سكنية في مستوطنة بيسغات زئيف و121 وحدة سكنية في مستوطنة هار حوما المقامة على أراضي جبل أبو غنيم، في القدس الشرقية، حسبما جاء في تصريحات وزير الاسكان في حكومة أولمرت «زئيف بويم» الذي كان قد أمر في الشهر الماضي بنشر مناقصة لبناء 286 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة بيتار عيليت في الضفة الفلسطينية.
جاءت هذه التصريحات في الذكرى الحادية والأربعين لاحتلال الجزء الشرقي من مدينة القدس، أو كما يسميها قادة العدو «ذكرى إعادة توحيد المدينة»! التي يؤكد «مارك ريغيف» المتحدث الرسمي باسم رئيس الحكومة بأن أعمال البناء (لا تتعارض بأي شكل كان مع عملية السلام، لأنها مرتقبة في أحياء يهودية في القدس ستكون جزءاً لا يتجزأ من «إسرائيل» في أي اتفاق سلام).
أما وزير «الأمن» في حكومة العدو «مئير شطريت»، فقد أعاد إنتاج الخرافات والأوهام، في محاولة تزوير وتدوير التاريخ بما يلائم مزج الأساطير بالوقائع («هار حوما» جزء من القدس وهي ليست مستوطنة. وينسى الناس أحياناً أن القدس هي عاصمتنا، ليس منذ كامب ديفيد بل منذ الملك داود. لذا فإن الزعم بأنه لا يمكننا البناء في القدس، كلام لا معنى له بالمرة. لا أحد في حكومة «إسرائيل» أوقف البناء في القدس). على الجانب الرسمي الفلسطيني، جاءت ردود الفعل على هذه التطورات لتوحي وكأن عجلة اللقاءات ستتوقف. فقد أعلن سلام فياض بـ(أن «إسرائيل» تدوس عملية السلام. وبأن عمليات البناء الاستيطاني تجرد المسيرة السياسية من أي مضمون ذي مغزى) فيما اعتبرتها الرئاسة الفلسطينية (تهديداً خطيراً لعملية السلام... واعتداءً صارخاً على الأرض الفلسطينية المحتلة).
أمام كل هذه المواقف التي عبرت عنها أطراف اللقاء، وأمام لغة «الامتعاض» السياسية التي تكررت على لسان مسؤولي حكومة ومقاطعة رام الله المحتلة، كان من المتوقع- لأصحاب النوايا الحسنة- أن لايتم اللقاء، خاصة وأن أولمرت يهدف من مجرد عقده، تسويق «إنجاز» جديد أمام خصومه في تحالف الحكومة، وداخل حزبه «كاديما»، في محاولة لتقليل نسبة الضرر الذي لحق بدوره القيادي، بسبب الرشى المالية التي قدمها له تالانسكي، المليونير اليهودي الأمريكي. كان من المفترض أن يلغى اللقاء، كنوع من التوافق مع الموقف اللفظي، خاصة وأن حكومة العدو لم- ولن- تلتزم بنتائج اجتماع أنابوليس ولابكل قرارات اللجنة الرباعية المتعلقة بوقف بناء المستعمرات «المستوطنات». وحكومة العدو ضربت- ومازالت- بكل تلك النتائج والقرارات منذ اللحظة الأولى لصدورها بعرض الحائط، فالتوسع الاستيطاني/ الاستعماري في الأراضي المحتلة يتم بوتيرة متسارعة، وقد شهد تصاعداً كبيراً بعد «كرنفال أنابوليس»، أكده التقرير الصادر عن حركة «السلام الآن»، قبل ثمانية أسابيع تقريباً، إذ رصدت من خلاله التطورات الحاصلة على الأرض، مشيرة إلى أن (فترة الشهرين ونصف الشهر التي تلت مؤتمر أنابوليس شهدت ارتفاعاً كبيراً في نطاق وكثافة الاستيطان، ولا سيما في محيط القدس الشرقية المحتلة، مقارنة بالسنوات الخمس الماضية، وبما يعادل 11 مرة أكثر من العام 2004 وضعفي ما أقيم (من بناء) في عامي 2002 و2003).
في ظل هذه الأوضاع يصر الطاقم الفلسطيني المفاوض على الاستمرار باللقاءات بمنطق تبريري متهافت. إذ يعتقد جهابذة الحوار في كل اللجان المكشوفة أو التي تعمل بعيداً عن الأضواء، بأن الطرف الفلسطيني لايريد ولايسعى لأن يكون السبب في فشل المفاوضات أو وقفها النهائي، خوفاً من «زعل» الإدارة الأمريكية، الذي يعني إعادة خلط الأوراق في «لعبة الكراسي»!
إن عبارات الانتقاد والتبرم التي يستخدمها قادة السلطة في نقدهم للموقف «اللفظي» للإدارة الأمريكية، واللجنة الرباعية، والمنظمة الدولية، التي تدين التوسع في بناء الوحدات السكنية داخل المستعمرات، لاتعدو كونها محاولة للهروب للأمام. فإذا كان «أصحاب القضية» يمارسون الاحتجاج اللفظي الخجول، فلماذا يستهجنون على الآخرين ذلك؟! إن حماية الوطن «أرضاً وشعباً» تتطلب لغة أخرى، لاتتوقف عند الكلمات، بل ترتبط بفعل كفاحي مقاوم، يجسده على أرض الواقع صمود وتضحيات أبناء الشعب، وبطولات المقاتلين في الكتائب والسرايا واللجان الوطنية.