«خطب ود» سورية..!
فجأة، وعلى نحو متسارع عقب «اتفاق الدوحة» وانطلاق «مفاوضات اسطنبول» غير المباشرة، تم سحب كل الملفات المفتوحة والمفبركة غربياً ضد سورية، وسارع بعض كبار قادة ودبلوماسيي الغرب و«عرب الاعتدال» لخطب ودها.. وهو تحول رافقه تضارب متعمد فيما يبدو في التصريحات الصحفية للخلفاء المحتملين لأولمرت بخصوص إعادة الجولان من عدمها، أو بخصوص جدوى التفاوض مع سورية أصلاً، حسب منظورهم. ويأتي توضيح هذه «الإشكالية» في التعاطي الإسرائيلي على لسان أولمرت ذاته الذي اعتبر في كلمة له أمام اجتماع لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (ايباك) في واشنطن أن «سورية خطر على الاستقرار الإقليمي لكن السلام مع إسرائيل سيجبرها على فك ارتباطها بحلفائها في محور الشر، الأمر الذي سيؤدي إلى تحول جذري واستراتيجي في الشرق الأوسط كله»!
يشكل هذا الاعتراف الهدف الأساس المفهوم منذ اللحظة الأولى من وراء التحول باتجاه سورية، والذي أشرنا له مبكراً. وهو يعني، من ضمن قضايا أخرى، أن الإسرائيليين مستعدون لعودة مشروطة للجولان، وبالطبع منقوصة السيادة السورية، ولكن مقابل هدف محدد ضمن إطار زمني محدد وتخديماً لإستراتيجية محددة، عنوانها الأبرز «فك التحالفات» من أجل فك عقد الاستعصاء أمام المشروع الأمريكي الصهيوني المتعثر في المنطقة دون أن يعني ذاك التباطؤ انتهاء المشروع أو التراجع عنه.. ويعزز ذلك، على سبيل المثال، الإعلان عن قدوم مفتشين دوليين نوويين لسورية في 22 الجاري، والسعي لفرض اتفاقية «وضع القوات» الأمنية الأمريكية طويلة المدى على الشعب العراقي أي إطالة أمد احتلال أرضه وشرعنته..!
من جانب آخر، ومن منظور السياسات الخارجية تجاه المنطقة ودولها، لماذا التلويح بتغيير أولمرت الآن؟ ولماذا يجري الآن طرح قضية الأموال والرشى التي تلقاها، إذا كان ذلك سمة سائدة لدى كل الأحزاب والشخصيات السياسية الإسرائيلية والأمريكية ولاسيما في أوقات الحملات الانتخابية؟ وإذا كانت الحال كذلك، فلماذا لم تجر إزاحته في أعقاب هزيمة تموز 2006 واستنتاجات لجنة «فينوغراد»؟
في الإجابة، هناك منطق يقول إن أولمرت ورقة محروقة و«فرس» مهزوم لا يصلح لـ«استنهاض الهمم» الإسرائيلية عند قيام تحول عسكري نوعي مطلوب في المنطقة، وتجري إزاحته على خلفية قضية فساد كيلا تتحول إزاحته في أعقاب تموز لو تمت في حينه نصراً سياسياً للمقاومة يضاف إلى انتصارها العسكري..
وبالحديث عن المقاومة، يبدو أن واشنطن وتل أبيب مستعدتان للانتهاء من ملف الأسرى مع حزب الله وحتى لإعادة مزارع شبعا بصيغة أو بأخرى أو على الأقل التلويح بإعادتها، وذلك بهدف واضح يبتغي «سد الذرائع» أمام حجة استمرار المقاومة وسلاحها على المستوى اللبناني، ويضيق عليها هامش المناورة السياسية والعسكرية عند وقوع اعتداء في المنطقة لا يطال لبنان مباشرة، وبما يسمح لرئيس الجمهورية اللبنانية الجديد تطبيق كامل بنود اتفاق الدوحة بخصوص الإستراتيجية الدفاعية، ويدفع لتنازع لبناني داخلي جديد كون ذلك يتناقض مع المفهوم الذي طرحته المعارضة اللبنانية عبر السيد حسن نصر الله بخصوص التمسك بإستراتيجيتي التحرير والدفاع على نحو متكامل.
فماذا عن إيران؟
• وصل «توقع» قيام الكيان الإسرائيلي بتوجيه ضربة عسكرية لإيران إلى وزير الخارجية الألمانية السابق يوشكا فيشر، وإن هذا وبحكم موقع الشخص الذي لم يخرج من مطبخ السياسة الدولية كما هي العادة في الغرب، يعد تحولاً نوعياً في طبيعة الضخ الإعلامي المتزايد والمتسارع مؤخراً ضد إيران، وبالتزامن مع تصاعد حدة الحروب الكلامية التهديدية المتبادلة بين طهران و«خصومها» في الخارج، ومن على مختلف المنابر.
• الوكالة الدولية للطاقة الذرية تتبنى نفس المنطق الاستخباراتي الغربي، «تحت الشبهة»، لطبيعة الأنشطة النووية الإيرانية، كما سبق وأن أرغمت على تبنيه بخصوص العراق ما قبل 2003، رغم ما تلوح به الدول الغربية تكتيكياً من رزمة منقحة من الحوافز الإغرائية لطهران... ويوازي ذلك تشديد أولمرت في الولايات المتحدة أمام اجتماع (ايباك) ذاته على «وجوب اتخاذ الدول فرادى التي لها تعاملات مع إيران عقوبات ضدها» مع العقوبات الدولية...
• سارع مرشح الحزب الديمقراطي باراك أوباما، كما منافسه الجمهوري جون ماكين إلى التهجم على إيران وسورية والتودد إلى «إسرائيل» بتقديم «صك غفران استباقي» لها يجاريها في كل الأمور، وهذا غير مفاجئ بالطبع، لأن تغيير وجوه البيت الأبيض لا يعني تغيير السياسات التي ترسمها مراكز صنع القرار الأمريكي الصهيوني الموجودة فعلياً خارجه، وهو ما يعززه لجوء هذه المراكز عبر إدارة بوش في أشهرها الأخيرة إلى إجراء تغييرات «اللحظة الأخيرة» في صفوفها استقداماً للوجوه الأكثر تصلباً وتشدداً، تحضيراً لإحداث تحول دراماتيكي ما في المنطقة ترثه وتتابعه وتواصل معالجته أية إدارة لاحقة، جمهورية كانت أم ديمقراطية، وإن كان الشق الأول هو الأكثر ترجيحاً..
إن كل ذلك يوحي بشيء واحد وهو أن مغامرة عسكرية أمريكية أو إسرائيلية جديدة باتت أكثر من وشيكة في المنطقة، والأصل فيها هو واقع الأزمة الأمريكية الإسرائيلية..
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.