أية مياه عادت إلى الساقية الروسية - التركية؟

أية مياه عادت إلى الساقية الروسية - التركية؟

انتهى اللقاء في سان بطرسبرغ بين الرئيسين الروسي والتركي، يوم 9/آب الحالي، وخرج الرئيسان بعده بمؤتمر صحفي مطول، موضحين التفاهمات التي تم التوصل إليها، سياسياً واقتصادياً، بعد القطيعة التي تلت حادثة إسقاط الطائرة المقاتلة الروسية «سو 24»، والتغيرات التي تعيشها تركيا، بعد حادثة الانقلاب الفاشلة ليلة 15/تموز الفائت..

حسب وسائل إعلام، استمر اللقاء بين الرئيسين الروسي والتركي، قرابة ساعتين على انفراد، ليلتحق بعدها وفدان كبيران من البلدين كليهما، شمل المسؤولين عن المجالات الاقتصادية والعسكرية والأمنية، يتقدمهم  وزيرا خارجية البلدين.

وفي هذا الصدد، نستعرض أهم النقاط التي توقف عندها الجانبان، سياسياً واقتصادياً..

«السيل التركي» إلى الواجهة مجدداً

في أعقاب الاجتماع، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن أنقرة اتخذت قرارات سياسية محددة لاستمرار العمل في تنفيذ مشروع الطاقة الاستراتيجي «السيل التركي»، مشيراً إلى أن المشروع سيستأنف تنفيذه من جديد قريباً، في حين كشف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن وجود اتفاق مع موسكو ينص على مساهمة تركيا في تمويل مد خط أنابيب نقل الغاز من روسيا، بالمناصفة مع الجانب الروسي.

وبحسب وزير الخارجية التركي، مولود جاوش أوغلو، فإن تركيا سيصلها من خلال «السيل التركي»، نحو 16 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً، وأن الفائض من هذه الكميات سيوجه إلى أوروبا عبر خط «تاناب» وهو خط أنابيب نقل الغاز الأذري إلى أوروبا عبر تركيا.

الجدير بالذكر أن فكرة «السيل التركي» قد ظهرت بعد إعلان روسيا، في نهاية عام 2014، إلغاء مشروع «السيل الجنوبي» بصيغته الأولية التي كان من المفترض أن يمر بحسبها في بلغاريا، بسبب عرقلة المفوضية الأوروبية تنفيذه بحجة أن المشروع لا يفي بمعايير الحزمة الثالثة من الطاقة، والتي تحظر احتكار شركة واحدة لإنتاج ونقل وتوزيع الغاز. وتقدر «غاز بروم»، أن تصل كلفة المشروع إلى 11.4 مليار يورو، أي أقل بمرة ونصف من تكلفة «السيل الجنوبي» بصيغته الأولى.

«أك كويو» النووية بـ25 مليار دولار

يصف رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، محطة «أك كويو» النووية، بأنها قاعدة استثمارية استراتيجية، يمكن اتخاذ الخطوات الأولى فيها، مضيفاً أنه سيتم مناقشة الحوافز التي سيتم تقديمها إلى الوكالة الفيدرالية للطاقة النووية الروسية «روساتوم»، وتقدر قيمة الاستثمار بـ25 مليار دولار.

ويعود الاتفاق على إنشاء المحطة إلى عام 2010، وستكون بعد إتمامها مجهزة بأربعة مفاعلات، كل منها ينتج 1200 ميغاواط من الطاقة الكهربائية، من شأنها أن تلبي 10% من احتياجات البلاد للطاقة، ومن المتوقع أن يتم إطلاق المشروع في عام 2022، وأن تستمر دورته التشغيلية 60 عاماً.

كاراباخ.. تهدئة بين أذربيجان وأرمينيا

قضية ساخنة أخرى تم تناولها على طاولة المباحثات بين الطرفين التركي والروسي، هي النزاع بين كل من أذربيجان وأرمينيا حول منطقة كاراباخ. وتعتبر أذربيجان الحليف الأقوى والأقرب لتركيا، حيث تربط البلدين صلات قربى عرقية وثقافية، حتى يطلق عليهما بلد واحد بعلمين. بينما ترتبط أرمينيا باتفاقية دفاع مشترك مع روسيا التي تحتفظ بقاعدة عسكرية ضخمة فيها.

وبحسب إبراهيم كالن، الناطق باسم الرئاسة التركية، فقد تم الاتفاق بين الطرفين التركي والروسي على العمل على تقليل حدة التوتر بين أذربيجان وأرمينيا من جهة، واتخاذ بعض الخطوات التي من شأنها بناء الثقة، والتحول نحو حل الأزمة، حيث تعاني أرمينيا من أزمة اقتصادية خانقة بسبب إغلاق حدودها مع تركيا، التي تشترط عليها إعادة الأراضي التي احتلتها من أذربيجان.

وقد شكل توقيت زيارة الرئيس الأرميني إلى روسيا يوم الخميس الماضي، أي بعد يوم واحد فقط من زيارة أردوغان لها، إشارة واضحة على توصل الأطراف إلى تفاهمات على قدر كبير من الأهمية.

توافقات على الطريق السورية

على صعيد الأزمة السورية، كان وزير الخارجية التركي، مولود جاوش أوغلو، قد أكد أنه من المخطط إنشاء آلية أقوى وأكثر فعالية للتعاون بشأن سورية، وإجراء اتصالات على مستويات أخرى غير وزراء خارجية البلدين.

وأوضح جاويش أوغلو قبيل الزيارة أن أول اجتماع في إطار الآلية الجديدة سيعقد في سان بطرسبورغ، مضيفاً أن الوفد التركي الذي توجه إلى روسيا مساء الأربعاء قد ضم ممثلين عن وزارة الخارجية وهيئة الأركان ورئيس هيئة الاستخبارات الوطنية.

ولهذا الغرض تحديداً، تم تشكيل لجنة مشتركة تضم ثلاثة اختصاصات، دبلوماسية وعسكرية واستخباراتية.. وبالفعل فقد توجه أعضاء هذه اللجنة من الطرف التركي الذي ضم رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان، ودبلوماسيين من الخارجية التركية بالإضافة إلى ضباط من الجيش التركي.

87% من السياح الروس 

قد يعودون إلى تركيا

تعد السياحة إحدى أكثر القطاعات نشاطاً بين البلدين وتحديداً باتجاه تركيا، خصوصاً بعد إلغاء تأشيرات الدخول في عام 2010، ومنذ ذلك الوقت ارتقت روسيا إلى المرتبة الثانية بعد ألمانيا في عدد السياح الوافدين إلى تركيا، حيث أن عائدات السياحة الروسية في تركيا بآخر قياس لها في عام 2013 بلغت 5،2 مليار دولار سنوياً، أي ما يقارب 16% من الناتج السياحي في تركيا، البالغ في 2015 قرابة 31 مليار دولار. لكن بعد حادثة إسقاط المقاتلة «سو 24»، خسر القطاع السياحي التركي 87% من السياح الروس، وما بين 8 إلى 15 مليار دولار في القطاع السياحي، بسبب العقوبات الروسية المفروضة على تركيا بعد تلك الحادثة.

وفي أعقاب اللقاء الأخير، صرح الرئيس بوتين أن الرحلات السياحية الخاصة «شارتر»، ستستأنف مع تركيا قريباً، معتبراً أنها تحولت إلى مسألة فنية ستنتهي في أقرب وقت. وكان الرئيس التركي، قد أكد في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة، وخلال اتصال هاتفي مع الرئيس بوتين، عزم أنقرة اتخاذ الخطوات اللازمة كلها لضمان أمن وسلامة السياح الروس في تركيا.

التبادل التجاري:

 هل يرمى الدولار خارجاً؟

في خطوة من شأنها تثبيت العلاقات الاقتصادية الروسية- التركية، اقترح الرئيس الروسي على نظيره التركي الاستعاضة بالروبل الروسي والليرة التركية في التبادلات التجارية بدلاً من الدولار، ذلك بحسب صحيفة «يني عقد» التركية.

وتدعم الصحيفة خبرها على المقلب الآخر، بإشارات أطلقها أردوغان في هذا الصدد، حينما صرح بعد عودته إلى تركيا بالقول: «لا بد من أن تكون هناك نتائج إيجابية لزيارتنا إلى روسيا، بسبب تنشيط القطاع السياحي فقط هبط الدولار دون الـ3 ليرات تركية، ارتأينا مع السيد بوتين أنه من الأفضل أن يتم التبادل بالروبل الروسي والليرة التركية، حينها روسيا ونحن سنكون الرابحين». وبذور هذه الفكرة قد تحمل في حال نضوجها أهم الإشارات على توجهات تركية المستقبلية في علاقاتها مع الشرق.

وفي سياق متصل بهذا الموضوع فقد اتفق الجانبان على زيادة التبادل التجاري ليصل إلى 100 مليار دولار سنوياً، بعد أن وصل قبل أزمة «سو24»، إلى 35 مليار دولار، وتراجع خلالها إلى حوالي 28 مليار دولار.

وأكد أردوغان أن بلاده تسعى لزيادة التبادل التجاري مع روسيا إلى 100 مليار دولار سنوياً، وقال خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس الروسي: «حجم التبادل التجاري بين تركيا وروسيا وصل إلى 35 مليار دولار سنوياً قبل الأزمة، لكنه تراجع خلالها إلى ما بين 27 و28 مليار دولار»، والجدير بالذكر أن هدف الوصول إلى تبادل بقيمة 100 مليار سنوياً، ليس بالجديد ويعود إلى آخر اجتماع لمجلس التعاون الروسي التركي رفيع المستوى، والذي انعقد في 1/12/2014.