مؤشر الخطر يتنامى في مصر..!
بوصفها الدولة التي رزحت طويلاً تحت وطأة السياسات الاقتصادية الليبرالية الشديدة، تعاني مصر، الدولة والمجتمع، من أزمة اقتصادية خانقة، باتت ترمي بظلالها على قطاعات الاقتصاد المصري كافة. إلا أن «العلاجات» التي جرى اتخاذها مؤخراً لا تشي بالخير أبداً في «أرض الكنانة».
بدا واضحاً أن خروج المجتمع المصري عن صمته، ووقوفه في العمق في وجه السياسات الاقتصادية الاجتماعية الليبرالية التي كانت سائدة منذ حقبة حكم السادات، لم يكن خروجاً صدفياً، إنما موضوعياً ناجماً عن مدى قدرة قطاعات واسعة من المجتمع المصري على تحمل الاجحاف الجاري بحق مصلحتها العميقة.
زيادة ضرائب وخفض أجور..!
إن كانت موجتا الحراك الثوري في مصر قد خرجتا عملياً منادية بوضع حد لجور وعسف هذه السياسات، فإن ما ينبغي فعله هو الإصغاء إلى مطالب الشعب، بما يفضي إلى الحفاظ على وزن ودور جهاز الدولة المصري، داخلياً وخارجياً.
رغم ذلك، خرجت خلال الأسبوع الماضي مؤشرات عدة لا تطمئن عن حالة الاقتصاد المصري، الحرج أصلاً، وجاء ذلك من خلال إعلان الحكومة المصرية نيتها خوض مفاوضات مع صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 12 مليار دولار على ثلاث سنوات، مما أدى إلى ردود أفعال واسعة رافضة لذلك في داخل المجتمع المصري، مستدعية ذكريات أليمة مع الآثار الاجتماعية والاقتصادية التي نتجت عن سياسات صندوق النقد الدولي في تسعينيات القرن الماضي وما تلاها.
ويشير باحثون إلى أنه على المدى القصير، قد يحقق القرض تدفقات نقدية دولارية بالفعل، وهو ما يمكن أن يكون له أثر «إيجابي» مؤقت، سواء على توافر العملات الصعبة، أو دعم الموازنة العامة. ولكن من ناحية أخرى، لا يمثل قرض الصندوق طوق النجاة للاقتصاد المصري، (على سبيل المثال، التدفقات الدولارية من دول الخليج في العام 2013 كانت أكبر من قيمة القرض الذي يتم التفاوض عليه حالياً، ومع ذلك لم تُنتِج الأثر المطلوب). كذلك فإن القروض المشروطة من صندوق النقد عموماً ترتبط بحزمة من السياسات المالية الجائرة بحق الأكثرية الساحقة من الشعب، وبحق جهاز الدولة ودوره في المجتمع، وهو ما يكون له أثر اجتماعي بالغ الخطورة.
وإن حزمة السياسات التي ستضطر الحكومة المصرية، بناءً على قرارها هذا، إلى اتخاذها ستهدف بشكل أساسي لخفض عجز الموازنة عن طريق دعم إيرادات الدولة من ناحية، ومن ناحية أخرى خفض الإنفاق. ويجري دعم الإيرادات عبر زيادة الضرائب، وخاصة الضرائب غير المباشرة، مثل ضريبة المبيعات أو ضريبة القيمة المضافة التي ستطبق في مصر، أما خفض الإنفاق فيتم عبر خفض الدعم والأجور. وهو ما ينتج آثاراً اجتماعية قاسية، خاصة على الطبقات الفقيرة.
الأغنياء يهربون
من عصا الدولة
أما الطبقات الأكثر ثراءً، فهناك جماعات ضغط وجماعات مصالح تقاوم فرض أعباء على المستثمرين، فمثلاً عند صدور قانون بتطبيق حزمة من الضرائب على تعاملات البورصة وأرباحها ضغط كبار المستثمرين في البورصة حتى تم تعديلها وخفضها. أما قانون الوظيفة العامة الذي رفضه البرلمان من قبل، فأعيد بتعديلات طفيفة وتمت الموافقة عليه، وهو ضروري للدولة في خفض الأجور.
لا يتحمل المجتمع المصري مزيداً من السياسات الليبرالية التي تحرم الملايين من الناس من الحياة الكريمة اللائقة. وإن كان الشعب المصري قد خرج ضد هذه السياسات مراراً، فليس هناك ما سيمنعه من الخروج مجدداً في وجهها، وما يدلل على ذلك، هو تنامي حركة الاضرابات العمالية والمطلبية في عموم المحافظات المصرية، فهل تنجو مصر قبل أن تنفلت الأمور من عقالها؟