أول أيار والمكافِئات السورية..

يرتدي عيد العمال العالمي لهذا العام حلة الأزمة الرأسمالية المتفاقمة مع تداعياتها التي تهدد المراكز الرأسمالية الكبرى بالتفكك من جهة، ملقية من جهة ثانية المزيد من المتاعب والشقاء في وجه الطبقات العاملة في مختلف بلدان العالم، بشقيه النامي والمتقدم.

في المعالم الأساسية للأول من أيار 2009، تبرز المعطيات التالية:

• هناك «تضامن شكلي» تبديه المراكز الإمبريالية في مساعيها للخروج من الأزمة دون التمكن من ذلك ودائماً على خلفية قيام كل طرف فعلياً بتقاذف التبعات دفعاً عنه، حتى لو تضمن ذلك «تنجير خوازيق» لبعضهم بعضاً (الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، مثالاً).

• على الرغم من ذلك وفي كل الأحوال يبقى هناك اتفاق في ما بين هذه المراكز لحل القضية على حساب دول العالم الثالث والطبقات العاملة في كل دول العالم.

• هذه الأخيرة التي تعاني من المزيد من انعكاسات سحب المكاسب، والعوز والفقر والبطالة، لم تتحرك بعد، وإن كانت هناك معالم جنينية لذلك هنا وهناك.

• الأمم المضطَهَدة تبحث بدورها عن مخرج، ولكن هذه المساعي تجري و«السكين على رقبتها» عبر الصراعات المختلفة، إقليمياً وعرقياً وطائفياً ومذهبياً، والتي تختلقها الامبريالية كباب آخر لإيجاد مخارج للأزمة (ويظهر ذلك في آسيا وأفريقيا بشكل رئيسي).

الأول من أيار، عيد العمال العالمي، بالمعاني والمعطيات التي كانت سائدة تاريخياً في العقود الماضية كان يعني وعي الطبقة العاملة لمصالحها وتضامنها مع بعضها بعضاً ومع شعوب العالم المضطهدة.

اليوم، وفي ظل كل المتغيرات الكونية، بما فيها أكثر الأطوار استعصاءً للأزمة الرأسمالية، بمعنى انسداد الأفق التاريخي أمامها كنظام ونمط معيشة، فإن هذا المفهوم يتضمن كل المعاني السابقة ولكن مع إضافة معنى جديد يتمثل في انفتاح أفق التحرك والتحرر من ربقة هذا النظام وحل المسألة دفعة واحدة أو بضربة واحدة تاريخياً، في ضوء الإدراك المتنامي (بدلائل أولية تتعلق بنهوض قوى ونظم اليسار والتحركات والإضرابات العمالية) والمثبت بالوقائع (انفجار الفقاعات المالية والعقارية والنتائج الكارثية المترتبة على ذلك)، أن لا أفق لاستمرار البشرية مع استمرار النظام الرأسمالي الليبرالي الجديد وأدواته المالية والحربية العسكرية وحتى الفيروسية المستحدثة التي تسهم جميعاً في إبادة البشرية.

وإذا كان ما سبق هو بعض المعالم في اللوحة العالمية فإن كل ما سبق له معادِلاته أو مكافئاته السورية:

• ممثلو وأنصار الليبرالية الجديدة المتحسبون من وصول البلل لذقونهم مع مضيهم في تطبيق وصفات تثبت فشلها عالمياً يحاولون دفع الانعكاسات عنهم عبر الإمعان في مفارقة تاريخية في الارتباط مع المراكز الإمبريالية المأزومة، مما يعني سعيهم لحل التجليات المحلية للأزمة، أكثر فأكثر على حساب مجموع الكادحين في البلاد من العاملين بأجر وذوي الدخل «المحدوم»، أي الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب السوري.

• تسهم هذه النزعة، في ظل المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة وأدواته التخريبية- التفتيتية،  في تعزيز «آلية السكين»، أي جملة صواعق التفجير الاجتماعي، على اعتبار أن الأمن الاقتصادي مرتبط بالأمن الاجتماعي، وبالأمن الوطني في نهاية المطاف.

• الفريق الاقتصادي «الذاهب للحج والناس راجعة» يتابع صم آذانه وغض طرفه عن جملة الانعكاسات السلبية على مستوى معيشة الشعب عبر متابعته حتى الرمق الأخير في تطبيق الوصفات الليبرالية ورفع الدعم وتحرير الأسعار وتجميد الأجور عملياً والضغط على الصناعة والزراعة الوطنية وسحب المكتسبات الاجتماعية والعمالية وتخلي الدولة عن دورها الاجتماعي والاستثمار في المشاريع الخدمية والاستثمارية التي يفترض أن تكون تابعة ومخدمة وليست الأساس في «الاقتصاد الوطني».

في المقابل هناك أراض سورية لا تزال محتلة، والبلاد بنسيجها الوطني ودورها الوطني والإقليمي لا تزال تتربص بها الأخطار والتهديدات الخارجية من كل حدب وصوب، وهو ما يعني أن حماية المواقف الوطنية لسورية، أي الحفاظ على قضيتها الوطنية والقومية، يمر موضوعياً عبر تفكيك البنى الليبرالية الجديدة وبرامجها وضرب مراكز الفساد الكبرى في البلاد من أجل حماية مصالح الحوامل الاجتماعية لهذه القضية، وهي الأغلبية الساحقة من السوريين، عمالاً وفلاحين ومزارعين وصغار كسبة وذوي الدخل «الأكثر من محدود»، أي جملة الشرائح التي لها مصلحة حقيقية وجدية، مثبتة تاريخياً، في استمرار التلاحم الوطني وتحرير الأرض المحتلة والحفاظ على السيادة الوطنية بكل المعاني، بما فيها الاقتصادية.

آخر تعديل على الخميس, 28 تموز/يوليو 2016 10:03