وليام بفاف ترجمة د. نبيل حوج – قاسيون وليام بفاف ترجمة د. نبيل حوج – قاسيون

محاربة الإرهاب.. أم بناء إمبراطورية في آسيا؟!

أثارت تعليقات السياسي والدبلوماسي الأمريكي، ريتشارد هولبروك، المبعوث الخاص لأفغانستان، عن «المصالحة» مع طالبان في أفغانستان، في أثناء مؤتمر الأمن الأخير في ميونيخ، أصداءً سريعة لدى مسؤولي الأمم المتحدة وبعض القادة العسكريين الأمريكيين في كابول، الذين يرون بأن الدبلوماسية قد تكون الحل الأنجع على الجبهة الأفغانية.. فهذا يمكن أن يكون صحيحاً من جهة احتمال قيامه بدور متمم للهجوم الجديد لحلف الناتو الذي بدأ في جنوب أفغانستان حالياً، مع بقاء النية باتجاه الإمعان في الغزو والبقاء للأبد في الأرض المحتلة.

على أية حال، لإنجاح ذلك، هناك عقبات هائلة تعترض بسط السيطرة، أولها: أنه لا البنتاغون ولا البيت الأبيض إلى الآن، يعرفان بوضوح مكمن الضعف الأمريكي في أفغانستان، هل هو الفشل بأسر قيادة «القاعدة»، أو تعذر هزيمة طالبان وإنشاء حكومة عميلة فاعلة هناك..

الرئيس باراك أوباما في حالة حرب في أفغانستان، لأنها– أي الحرب- الطريقة «الصحيحة» لهزيمة «الإرهاب»، خصوصاً أن أفغانستان هي المقر المفترض للقاعدة. لكن يبدو أن الرئيس أيضاً أصبح واثقاً بأن هدفه الحقيقي في الآن ذاته، يجب أن يكون استقرار باكستان وأمنها، وكذلك أفغانستان، بسبب مشكلة الأسلحة النووية. وهما هدفان مختلفان كلياً.

إن الجيش الوطني في باكستان يتخذ موقفاً عدائياً للغاية تجاه الولايات المتحدة. فهل ثمة أكثر من ذلك لمنع الرئيس والبنتاغون من التدخل العسكري في باكستان؟ واشنطن ملتزمة في أفغانستان، بينما تريد إسرائيل من الولايات المتحدة أن تهاجم إيران. والعراق يمكن أن يتعرض لاضطراب عنيف في هذا الربيع بسبب اللوائح الانتخابية ومحاولات التمثيل الحكومي على أساس تنازع طائفي واتهامات بالارتباط مع الحزب الحاكم السابق. وكذلك، فإن تدخلاً في باكستان سيتضمن دخول الهند في المعمعة أيضاً، بشكل غير مباشر.

أمام هذه الخارطة المعقدة، رأى صديق سابق من عالم الدراسات الإستراتيجية بأنه تجب زيارة واشنطن للحصول من مجلس الأمن القومي مباشرة على تفسيرات منطقية حول حقيقة عمل الولايات المتحدة في أفغانستان.. فمن الواضح أن هناك ورقة يتم التخطيط لها وهي: هزيمة وتحييد القاعدة، ولكن هذه المرة، كل ما يشكل القاعدة في أفغانستان من زعماء، وموظفين، وأسلحة، ومناطق تدريب للمتطوعين...الخ.. مما يتيح لها أن تترك البلاد حينما تقرر هي ذلك: العناصر الأساسية يمكن أن تغادر خلال عدة ساعات، بينما يتم بعثرة البقية.

اليوم، تنشط الولايات المتحدة لبناء قوة عسكرية دولية عاملة مع قواعدها، فمع بنية تحتية «ضعيفة جداً» تكون خطوط التجهيز ضرورية جداً. وكل ذلك لإحباط محاولات طالبان لاستعادة السيطرة على أفغانستان، وللدفاع عن الحكومة «المنتخبة» في كابول ضد أعدائها السياسيين والعرقيين الداخليين. لماذا؟ أليس بإمكان الحكومة الأفغانية الحالية أن تدافع عن نفسها؟ أو أن تخلق تواصلاً مع الغالبية الباشتونية في البلاد، وعندها أين سيجد الطالبان دعم هؤلاء؟

لم تحقق القوة العسكرية لأمريكا نجاحاً عظيماً لإلحاق الهزيمة بطالبان، فأفغانستان لا تقدّم بقعة من أرضها للاستيلاء التقليدي، وليست هناك إستراتيجية «لجيش تقليدي» لمواجهة الفدائيين و«الإرهابيين». لذلك يفضّل الرئيس أوباما الأسلحة غير التقليدية، أي إلقاء قنابل من طائرات دون طيار، والتي حسب كل الروايات، لها التأثير المباشر لبعدها عن السكان الذين تدعمهم أمريكا طلباً للربح.

قال ريتشارد هولبروك، وهو رجل سياسي ذو فطنة، في الاجتماع الأمني الأخير في ميونيخ بأنه استاء كثيراً العام الفائت من عدم الاهتمام بـ«المصالحة» مع طالبان، وأضاف بأن الجنرالات الأمريكيين يأملون هذه السنة بـ«عزل» طالبان من خلال العمل على قطع علاقتهم مع السكان البشتون العاديين، هؤلاء الذين يعيشون معهم ويجدون الحماية بينهم.

إن اهتمام ريتشارد بالمصالحة هو تذكير بإستراتيجية الجنرال ديفيد بتراوس المطبقة في العراق، حيث تعامل مع قيادات العشائر لتعزيز «نزعة» حركة «الصحوة»، والتي قامت أمريكا من خلالها بدفع أبناء عشائر معينة لتوفير الأمن في المناطق «الصعبة».

قُدّم تقرير في أفغانستان مؤخراً يفيد بأن واحدة من أكبر القبائل الأفغانية «الشينواري» قد انقلبت على طالبان، «ربما لأسبابهم الخاصة». ووعدت الولايات المتحدة برصد مبلغ مليون دولار ودفعها بشكل مباشر لزعماء العشائر. ولكن هذا سبب هش لمناهضة طالبان، لأنه كثيراً ما يفتقر الجنرال ماك كريستال قائد القوات الأمريكية في أفغانستان، للرؤية، فالمسؤولون الأمريكيون يتحدثون عن الإعانات المالية العشائرية الكبيرة لتوفير الوظائف والأمن الاقتصادي، ويكون الاعتراض هنا بأنه يمكن أن يحدث ولاء للجيش الأمريكي أو لوحدات الناتو، لكن ليس للحكومة المركزية في كابول، التي يسيطر عليها المنافسون العرقيون من البشتون، والفاسدون على ما يبدو.

تسعى السياسة الحكومية الحالية بأن يقدم عناصر طالبان ولاءهم للحكومة، والتي غالباً ما تكون غير مقبولة، نظراً لأن التعاون بين الطرفين هو شأن وطني. رشوة القبائل لا تحل النزاع السياسي في البلاد لأن الأمريكيين حتماً سيذهبون إلى بيوتهم «يوماً ما».

يزعم مسؤولو الأمم المتحدة والولايات المتحدة بأن زعماء طالبان التقوا بشخصية رفيعة من الأمم المتحدة في أفغانستان، كاي ايدي، في مكان من إحدى دول الخليج العربي، بالرغم من أنه تم إنكار القصة.

إن مصير القاعدة يبقى معلقاً، فتسوية النزاع الأفغاني مستحيلة، وربما من غير المحتمل إنجازها دون تدخل ودعم البلدان المجاورة ذات الصلة العرقية بالأقليات الأفغانية، ومن ضمنها – بشكل خاص- إيران، إضافة لباكستان والهند. الكل يتوقع انسحاب القوات الأمريكية. ويكون أحمق من يعتقد بأن التسوية يمكن أن تكون موجودة بين أوراق السيطرة الأمريكية.

هل ذلك مقبول بالنسبة للولايات المتحدة؟ إن لم يكن، لما لا؟ لماذا الاهتمام الدائم، والحاجة لقواعد أمريكية دائمة، هل الولايات المتحدة تضمن في هذه البلدان المركز وكذلك جنوب آسيا؟ هذه هي القضية المفتاحية. والجمهور له كل الحق في الحصول على تقرير واضح من الرئيس، يراعي أن الولايات المتحدة الأمريكية دخلت أفغانستان لوجود القاعدة فيها، وليس لحكم آسيا.

www.williampfaff.com 

آخر تعديل على الإثنين, 28 تشرين2/نوفمبر 2016 21:45