موفق إسماعيل موفق إسماعيل

شعبية الرئيس ضد الخصخصة!


«عندما كان طفلاً يافعاً، لم يكن مسموحاً له، أو لأي هندي من سكان بوليفيا الأصليين، أن تطأ قدمه ساحة العاصمة الرئيسية التي يحتكرها البيض لأنفسهم. أما وقد أصبح رئيساً، لأول مرة في تاريخ بوليفيا، فقد عمل على سحب عائدات ثروات البلد الطبيعية المقدرة بمليارات الدولارات من جيوب الشركات الأمريكية، وتحويلها إلى بناء المدارس والمستشفيات للناس الذين لا يملكون شيئاً، واستئصال الفقر في عملية متواصلة من التقدم المذهل. يجسد موراليس المعنى الحقيقي للديموقراطية، مقابل مهزلة الديموقراطية التي يجسدها زعماؤنا»، هكذا وصف الكاتب يوهان هاري («ذي إنديبندنت» البريطانية، 30/12/2009) إيفو موراليس، باعتباره أحد شخصيات عام 2009 الست الأكثر إلهاماً في الأزمنة الصعبة.

بعد فوزه في أوائل كانون الأول الفائت بأغلبية ساحقة في انتخابات ديموقراطية تعمد الإعلام الغربي السائد التقليل من شأنها، أكد الرئيس البوليفي المنتخب للمرة الثانية، إيفو موراليس، أمام حشد كبير من المحتفلين بالانتصار أن «مشاركة الشعب تبرهن لنا، من جديد، على إمكانية التغيير في بوليفيا... وتلقي اليوم على عاتقنا مهمة تعميق عملية التغيير وتسريعها».
وكانت «الحركة من أجل الاشتراكية»، حزب موراليس السياسي، قد فازت بأكثر من ثلثي مقاعد مجلس النواب، مما يعطيها الأفضلية مقابل اليمين الخاسر، من ناحية تشريع وتنفيذ البرامج الاجتماعية والاقتصادية الهادفة إلى تمكين الناس المهمّشين من الانخراط في عملية التغيير الاشتراكي. خاصة وأن الرئيس الماركسي يحظى بشعبية واسعة لدى سكان بوليفيا الأصليين الذين ينظرون إليه، حتى قبل انتخابه رئيساً في عام 2005، كزعيم وطني متحدر من أوساط فقرائهم.
نقلت وكالة «رويترز» عن إحدى النساء عشية الانتخابات قولها «إنه يقوم بالتغيير. إنه يساعد الفقراء ببناء المدارس وشق الطرقات». أما مراسل «بلومبيرغ» فنقل عن أحد الباعة المتجولين قوله «الأخ إيفو موراليس يعمل لمصلحة أفقر الناس، لصالح أناس يكافحون من أجل البقاء».
وكان موراليس في ولايته الأولى قد أجرى تعديلات دستورية شاملة تمنح السكان الأصليين حقوقاً أوسع، وقام بتأميم احتياطي الغاز البوليفي، وتوسيع دور الدولة بالتحكم بالاقتصاد والموارد الطبيعية. ووظف عائدات الثروة الوطنية في تنفيذ برامج تنموية واجتماعية تصب في مصلحة القطاعات الشعبية الأفقر في بوليفيا. الأمر الذي يعترف به تقرير صادر عن «مركز الأبحاث السياسية والاقتصادية» (CERP) في واشنطن، بالقول إن السياسات «المثيرة للجدل» التي اتبعها موراليس (مثل إعادة السيطرة على الموارد الطبيعية المخصخصة) ساعدت بوليفيا على الازدهار خلال الأزمة الاقتصادية الحالية، وتحقيق أعلى نسبة نمو مخطط في نصف القارة الغربي، لعام 2009.
يعتبر التقرير المعنون «بوليفيا: الاقتصاد في ظل إدارة موراليس» أن نمو الاقتصاد البوليفي بمعدل 5.2 سنوياً، خلال السنوات الأربع الفائتة، هو الأعلى والأسرع منذ ثلاثين عاماً. مع الأخذ بعين الاعتبار مدى أهمية تحقيق النمو في العامين الأخيرين رغم الأزمة الاقتصادية العالمية التي أدت إلى انخفاض التحويلات المالية الخارجية، وآثار استبعاد  الولايات المتحدة لبوليفيا من اتفاق تعزيز التبادل التجاري ومكافحة المخدرات (ATPDEA) مع دول «الأنديان»، الذي كان يمنح الأفضلية لبعض الصادرات البوليفية إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وطبقاً للتقرير، يعود نجاح سياسات بوليفيا الاقتصادية إلى زيادة حصة الدولة من عائدات «الهيدروكربون»، بعد أن ألغى موراليس خصخصتها في بدايات حكمه مؤكداً على أن الشعب البوليفي هو الأحق بالاستفادة من أرباح صادرات الغاز الطبيعي، لا الشركات الأجنبية. فعلى سبيل المثال، تتلقى إينيز ماماني راتباً شهرياً لإعالة طفلها المولود حديثاً، من صندوق شركة الغاز الحكومية. أما بالنسبة لأولادها الخمسة الآخرين فصرحت ماماني لإذاعة «ناشونال ببليك راديو» الأمريكي: «لم يكن هناك برنامج مثل هذا في السابق، يحزنني أن أتذكر كيف ربيناهم. بينما الآن يتوفر لهم الحليب والملابس، والحفاضات، وأمر رائع أن الحكومة تساعدنا. لم يتوفر لنا مثل هذا الدعم عندما كانت الموارد الطبيعية ملكية خاصة».
كما تخصص الحكومة البوليفية إعانات شهرية للطلاب اليافعين وللكهول، شملت حوالي مليوني إنسان في عام 2009. «الطلاب الأطفال الذين كانوا في السابق حفاة، صار بإمكانهم شراء الأحذية، ويأتون إلى المدرسة بحب وأمل، حيث تُخصص لهم وجبة إفطار وتقدَّم لهم المعونة المالية» حسب ما ذكرته المدرّسة إيرين باز لوكالة رويترز بعد أن صوتت لمصلحة موراليس في مركز «إل ألتو».
واستناداً إلى التقرير ذاته: بعد ثلاث سنوات من تولي موراليس مهام الرئاسة، ارتفعت نسبة عائدات إنتاج وتصدير الهيدروكربون من 5.6% من إجمالي الدخل الوطني في عام 2004، إلى 25.7% في نهاية عام 2008. كما ارتفع احتياطي النقد الأجنبي من دون ملياري دولار في عام 2005، إلى أكثر من ثمانية مليارات دولار في عام 2008، مما أكسب بوليفيا مناعة ضد الهزات الاقتصادية.
كلا الارتفاعين، في عائدات الهيدروكربون واحتياطي العملات، أكسبا الاقتصاد البوليفي قدرة على إدامة النهوض والازدهار متجاوزاً الأزمة الاقتصادية العالمية. كما ساعدا على إنجاح أهم إجراءات إدارة موراليس، أي زيادة إجمالي الإنفاق الاجتماعي. فقد قفز إنفاق الدولة على التربية والتعليم، والرعاية الصحية، والبنية التحتية، ودعم المشاريع الصغيرة بالقروض، وعلى المعاشات التقاعدية لتخفيض نسب الفقر المدقع بين المسنين. وحسب التقرير، فقد ارتفع الإنفاق على البرامج الاجتماعية من 34% من إجمالي الدخل الوطني في عام 2005، إلى 45% في عام 2008.
وحسب تصريح «مارك ويسبروت»، أحد مدراء مركز الأبحاث الصادر عنه التقرير المذكور «ما كان بالإمكان تحقيق كل هذا دون استعادة الدولة لسيطرتها على موارد البلد الطبيعية وثرواتها. وبالنسبة لاقتصاد بوليفيا المحدود، كانت خطط التحفيز المالي في بوليفيا أوسع من خططنا في الولايات المتحدة الأمريكية».
أما اليوم، فيستعد الرئيس موراليس في ولايته الثانية، و«الحركة من أجل الاشتراكية»، لتطبيق التغييرات التي تضمنها الدستور الجديد للبلاد، بالتفويض الممنوح لهما شعبياً. إذ تطمح الحركة إلى إجراء إصلاحات تتعلق بالعقارات وملكية الأرض، وتقديم المزيد من الخدمات الاجتماعية، وتحسين القائم منها، وتنفيذ مشاريع تنموية متعددة. لأن الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإجراء تغييرات شاملة. وإذا كان التغيير رؤية في السابق وحلماً، فالمطلوب اليوم تعميق تحوله إلى واقع ملموس.