مقاطعة الانتخابات هي البداية
بدأت حملة الانتخابات البرلمانية التي ستجري بعد شهور. بدأ حزب الجماعة الحاكمة في تحديد أسماء مرشحيه. هذه الانتخابات يراد لها أن تكون تمهيداً لتوريث السلطة إلى جمال مبارك.
أبرز أساليب الدعاية التي يقوم بها حزب الجماعة الحاكمة لخدمة الانتخابات البرلمانية والرئاسية على السواء، تمثل في موائد إفطار رمضانية هائلة ومفتوحة تقام في الأحياء الشعبية. وهي من قبيل استثمار حالة الجوع المتصاعدة الناتجة عن توحش البرجوازية الحاكمة التي تسببت سياساتها في وصول أكثر من نصف السكان إلى ما تحت خط الفقر. وهي استمرار للرشاوى الهزلية والهزيلة التي يقدمها نواب حزب الحكومة وغيرهم من النواب المتمثلة في شنطة رمضان وشنطة العيد وشنطة دخول المدارس ومحتوياها كيلو جرامات من الأرز والسكر والكراسات وغيرها، التي تقدم إلى الفقراء في هذه المناسبات.
حال البرلمان:
برلمان البرجوازية المتوحشة والتابعة الحاكمة ليس أكثر من ماكينة انتاج تشريعات هي بمثابة «أسلحة دمار شامل في شكل قوانين» تدمي وتدمر قوى الكادحين وفي مقدمتهم الطبقة العاملة المصرية. بل وصل الأمر إلى ارتكاب جرائم لا مثيل لها من قبل أعضاء بارزين تم افتضاح أمر بعضها، مثل قضايا أكياس الدم الملوثة، غرق العبارة المتهالكة ومئات الضحايا من الركاب، الفضيحة الأخلاقية التي انتهت بقتل الفنانة اللبنانية، نهب أراضي الدولة وتحقيق أرباح خيالية، تجارة المخدرات، الاتجار في قرارات العلاج على نفقة الدولة (بعد إلغاء العلاج المجاني) والحصول عليها لأسماء وهمية أو حقيقية وتوجيهها لمصلحة الأقارب... الخ. وما خفي كان أعظم. هذا أحد وجوه الحياة البرلمانية.
لذلك فإنه يظهر في خلفية مشهد حملة الانتخابات موقفان: الإقبال على خوضها دون أي تحفظ، أو طرح بعض المطالب (أو الشروط تجاوزاً) التي لا تغير من جوهر الوضع القائم. وفي كلا الحالين القبول بخوض الانتخابات المزورة ومعروفة النتائج مسبقاً، بما يضفي على النظام شرعية غير متوفرة.
الموقف الآخر هو موقف المقاطعة الذي تتبناه قوى التغيير الجذري، كمقدمة للعصيان المدني (الذي نريده سلمياً) لإقصاء السلطة الحاكمة، ولتجنيب البلاد ويلات التطور غير السلمي.
موقف السلطة واضح، مثلما موقف الأحزاب والقوى التي تسير تحت عباءتها، وموقف قوى التغيير الجذري واضح. لكن القوى الاصلاحية التي تقف واقعياً في خندق السلطة نفسه لا تزال تشيع حالات من الالتباس الرامي إلى تزييف الوعي، وإشاعة الأوهام حول البرلمان البرجوازي، وإمكانيات استخدامه كأداة للتغيير.
عن البرلمان البرجوازي:
فرضته البرجوازية بعد انتصارها وتحقيق سيادتها. تحددت وظيفته في التشريع والرقابة على السلطة التنفيذية ولمصلحة البرجوازية السائدة، وتحقيق غاياتها في استمرار هيمنتها على كل مناحي الحياة المادية والروحية. ارتبط تطوره بتطور الطبقة التي ابتكرته، والتي يمثلها وحدها. أي أنه مؤسسة تمثيلية للبرجوازية، رغم آليات الوصول إلى عضويته، وإن كان يقوم أحياناً، وحفاظاً على النظام الرأسمالي بتقديم بعض التنازلات تحت ضغط الحركات الثورية دون المساس بأسس النظام.
مع انحطاط الرأسمالية كنظام، والبرجوازية كطبقة حتى في أكثر بلدانها تطوراً، ها نحن نشاهد كل يوم دور هذه البرلمانات البرجوازية التي تقف في تضاد مع مصالح الطبقات الكادحة في هذه البلدان، وصولاً إلى مواقف شديدة العنصرية رغم ادعاءات هذه البلدان عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلى فضائح الفساد المتفشي.
مع تفاقم انحطاط البرجوازيات التابعة في بلداننا، لم تعد البرلمانات البرجوازية مجرد ماكينات لإنتاج القوانين المعادية للكادحين والغالبية الساحقة من الشعوب، لكنها تحولت إلى مؤسسات لحماية الفساد (كما نشهد في مصر)، وتنازلت عن دورها الرقابي على الأداء الحكومي. وتحولت أدوار الأعضاء إلى مجرد القيام بخدمات فردية وشخصية. ويستمر كثير من الأعضاء لسنوات طويلة صامتين لا ينطقون بحرف واحد، ولكن أيديهم جاهزة دوما لرفعها للموافقة على ما تطرحه الحكومة... الخ.
إنهم مخادعون!!
أشاعت منظمات حقوق الانسان الممولة امبريالياً وصهيونياً مقولة «تداول السلطة عبر صناديق الانتخاب» ويطمس هؤلاء المخادعون أن المقصود هو تداول السلطة في اطار الطبقة البرجوازية المهيمنة فيما بين أجنحتها ومجموعاتها وأحزابها. إذ أن صندوق الانتخاب تحت هيمنة البرجوازية لن يفضي لتداول السلطة بين طبقات بينها تناقضات عدائية (البرجوازية والطبقة العاملة مثلاً). وقد بدأ التركيز على هذه المقولة حالياً بهدف التضليل. لكن الأمر يختلف بالنسبة لتداول السلطة بين قوى وطنية وتقدمية عبر صناديق الانتخاب. أما انتقال السلطة من الطبقة العميلة التابعة إلى الطبقات الكادحة التقدمية والوطنية فإنه لا يتحقق سوى بعمل ثوري. مثلما كان انتقال السلطة في مايو 1971 وما تلاه إلى قوى عميلة وخائنة بفعل انقلاب مضاد للسلطة الوطنية التقدمية.
بدأ يعلو نداء اليسار الاصلاحي وترويجه لـ«الجمهورية البرلمانية الديمقراطية»، بطبيعة الحال دون طرح ضرورة اقصاء السلطة البرجوازية التابعة. وكأن البرلمانية شيء مجرد هابط من السماء دون أية علاقات طبقية. ذلك أن البرلمان هو مؤسسة تمثيلية للطبقة السائدة. ونحن نريد برلمانيتنا، أي برلمان الطبقة العاملة وسائر الكادحين والوطنيين. أما الترويج لبرلمانية مجردة فذلك خداع ونصب.
على الطريق ذاته يتم انتقاد وجود رجال أعمال كأعضاء في الحكومة، وهذا بالطبع انتقاد في محله. لكن الخدعة هنا تتمثل في تصوير أن ذلك هو مكمن الداء. في حين أن كثير من الوزراء من غير رجال الأعمال لا يقلون حماساً واندفاعاً في صياغة وتطبيق سياسات الليبرالية الجديدة عن رجال الأعمال بالحكومة (وزيري المالية والاستثمار نماذج ساطعة). مكمن الداء هو في هيمنة الطبقة البرجوازية التابعة. وتعتبر الحكومة أداة في يدها حتى وإن خلت تماماً من رجال الأعمال، كما هو الحال في غالبية حكومات الغرب وبرلماناته التي لا يوجد فيها رجال الأعمال سوى بشكل استثنائي.
لاسبيل لإنقاذ الوطن سوى بالتغيير الثوري الذي نرى حتى الآن أن آليته تبدأ من العصيان المدني السلمي، وأولى خطواته الحالية والواجبة راهناً هي مقاطعة الانتخابات التي تضفي شرعية زائفة على هذه السلطة.