إبراهيم البدراوي – القاهرة إبراهيم البدراوي – القاهرة

هل يمكن أن تظل مصر طويلا في مهب الريح؟

ما يدور في مصر الآن أشبه بمسرحية من نوع خاص، تضع المتفرج في حالة بين الضحك والبكاء.  هي دون جمهور، ودون أبطال. المؤلف/ المخرج يقبع هناك خارج الحدود. أما الأبطال الحقيقيون فربما يكونون في مرحلة  التأهب.

يستحق الأمر استعراض قليل من المشاهد ذات الدلالة:

المشهد الأول:

هو في الواقع مشاهد متزامنة:

• الخلافات تدور داخل حزب الجماعة الحاكمة. طرفا النزاع  من يطلق عليهم الحرس القديم من جهة، ومن يطلق عليهم الحرس الجديد (أي جماعة جمال مبارك وفي قلبها لجنة السياسات) من جهة أخرى! وبطبيعة الحال فإن الطرفين كليهما- «الحرسين» يكرسان نفسيهما لصناعة وحراسة التبعية والنهب الوحشي وتجويع الناس.

• مع بدء حملة دعم ترشيح جمال مبارك للرئاسة، يخرج أحد أقطاب لجنة السياسات، علي الدين هلال، ليعلن أن جمال هو مرشح الحزب. يرد عليه أمين عام الحزب، صفوت الشريف، المعبر عن الحرس القديم في اليوم التالي ليعلن أن الرئيس مبارك هو مرشح الحزب الوحيد.

• في الإعداد لانتخابات مجلس الشعب التي ستجري أواخر هذا العام، يتنازع الفريقان حول المرشحين. كل منهما يريد حشد أنصاره في مجلس الشعب المقبل. ولضمان تجنب المشاكل التي كانت تحدث في انتخابات المجلس سابقاً نتيجة لعدم الالتزام الحزبي والترشح والفوز خارج مرشحي الحزب الرسميين. فقد تم ابتكار تطوير غير مسبوق لما يسمى بالمجمع الانتخابي بتعيين أعضائه بقرار منفرد من المسؤول الحزبي في المستويات المختلفة. واشتراط أن يقوم طالب الترشيح بعمل ثلاثة توكيلات رسمية موثقة في الشهر العقاري لأمين القسم/ المركز، وأمين المحافظة ، والأمين العام للتصرف في أمر الترشيح دون أي تدخل من المرشح. وتعلن قائمة بمرشحي الحزب قبل إغلاق باب الترشيح مباشرة لعدم تمكين أي راغب خارجها من التقدم للترشح، علماً بأن طالبي الترشح يزيدون عن 15000 شخص. في حين أن أعضاء المجلس يزيدون قليلاً عن 500 عضو (بعد الإضافة الجديدة لمقاعد النساء). فالكل يريد الحصانة (وكلها مكاسب)!

• سادت حالة من الارتباك الشديد ناجمة عن الانتقاد اللاذع والحاد الذي أعلنه مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق لمصاحبة جمال مبارك لوالده إلى واشنطن لمناسبة بدء المفاوضات بين محمود عباس ونتنياهو، لأن جمال مبارك ليست له أية صفة رسمية تستدعي التحاقه بالوفد المصري، وهو ما يحمل دلالات.

المشهد الثاني:

وهو بدوره يتضمن مشاهد متزامنة:

• تفاقم أزمة جمعية البرادعي، فقد استقال منسقها العام حسن نافعة. ولم تتمكن من اتخاذ موقف موحد من المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها. وتعكس هذه الأمور عدم انسجام مكوناتها التي بدأت بجماعات ليبرالية التفت حول البرادعي، ولحقت بهم جماعات إصلاحية ليبرالية، إضافة إلى اليسار الإصلاحي. وسرعان ما اقتحمها الأخوان المسلمون الذين يصرون على دخول الانتخابات مهما كانت النتائج بينما يعارضهم قسم من الليبراليين داخل الجمعية. وتتوزع باقي المكونات على الموقفين. ويؤكد الواقع الملموس أن قوام الجمعية هلامي وغير محدد، وأن تراجعها يتوالى منذ زيارة وفدها إلى الولايات المتحدة، والرؤية السياسية اليمينية والضحلة للبرادعي نفسه التي تتمثل في سبعة مطالب كشروط للتقدم للترشح للرئاسة. إذ كلها شروط ليبرالية سياسية لا علاقة لها إطلاقا بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والوطنية والصراع العربي– الامبريالي الصهيوني ... الخ.

• تمتد أزمة الجمعية متجلية في وقائع جديدة لتعكس التخبط، ولتضع علامات استفهام حول تناقض مواقفها. إذ قدم سعد الدين إبراهيم، خصم مبارك، إلى مصر من الولايات المتحدة، وهو أحد أبرز مؤيدي البرادعي، بل وأحد أبرز مؤيدي جورج بوش الابن حتى الآن بكتاباته المنشورة في الولايات المتحدة، ليعلن فور وصوله تأييده لجمال مبارك، ثم عدوله بعدها عن هذا الموقف. كان ذلك موقف استغراب ليس في محله. ثم الإعلان المفاجئ للبرادعي لتأييد العصيان المدني «بنهج برادعي». وكان ذلك بدوره موضع استغراب ليس في محله.

المشهد الثالث:

كومبارس الكومبارس:

• أي اليسار الإصلاحي في الجمعية، الذي لم يتمكن من الاقتراب بأية درجة ممن يظهرون في صدارة المشاهد البائسة. إذ طلب أحدهم أن يشغل موقع المنسق العام للجمعية بعد استقالة حسن نافعة، وتم رفض طلبه بشكل مهين.

ما الذي يمكن استنتاجه ؟

أن معارك طاحنة تدور داخل نخبة التكيف مع الغرب الامبريالي والحركة الصهيونية وملحقاتها.

• معارك بين مجموعات البرجوازية التابعة المتمترسة داخل السلطة. ولكن هذه المعارك لا ولن ترقى إلى مستوى التناقض الرئيسي، رغم سعي جماعة جمال مبارك (ومكونها الرئيسي رجال الأعمال) للهيمنة على السلطة على حساب الجماعة الأخرى المسماة بالحرس القديم. وتعتبر عملية الإعداد لانتخابات مجلس الشعب أحد ميادين المعركة بين الطرفين.

• معارك بين البرجوازية التابعة الحاكمة ومجموعات من البرجوازية التابعة خارج الحكم الذين يعبر عنهم البرادعي وجمعيته (بما فيهم الأخوان المسلمون). ولم يكن إعلان البرادعي الغريب عن العصيان المدني سوى مجرد رد فعل على ما ارتكبته السلطة الحاكمة لتجريح أسرته، ولتحسين صورته السياسية، دون أن يلتفت إلى أن العصيان المدني الذي سينفذه عشرات الملايين من الكادحين لن يتم تأييداً لمطالب سياسية ليبرالية لا تغير شيئا في الطبيعة الطبقية للسلطة وسياساتها التدميرية. كما لن يتم العصيان من أجل سواد عيون البرادعي . لكن ما ينبغي الالتفات إليه هو موقف سعد الدين إبراهيم الذي جرى الانقلاب عليه خلال يومين في ارتباطه بموقف مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، إلى جانب ارتباطات إبراهيم والبرادعي بالأمريكيين الذين يرفضون ويحاربون أي فعل جماهيري كالعصيان المدني.

• وراء هذه المشاهد كلها تقبع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، رغم اختلافهما في نقطة واحدة. الولايات المتحدة تعارض أو تتحفظ بالنسبة لمحاولات جمال مبارك لشغل موقع الرئاسة، بسبب عدم اطمئنانها لقدرته على إدارة الأمور بشكل هادئ ومستقر، وخشيتها من اضطرابات واسعة نتيجة للاحتقان الشديد والرفض الجماهيري العارم له، وهو ما يحمل من وجهة النظر الأمريكية مخاطر هائلة على المشروع الصهيو– أمريكي في المنطقة، لذا فإنها ترى أن البديل القادر على إنقاذ مشروعهم يحققه شخص تنطبق عليه المعايير الأمريكية، وأهمها أن يكون بعيداً عن الجيش وأن يحول دون أي دور له في القرار السياسي الاستراتيجي، وأن يحافظ على الأوضاع الراهنة الاقتصادية والاجتماعية، والأهم الصلح المصري مع الكيان الصهيوني، وهي شروط تنطبق على البرادعي، الذي يصعب تمريره إلى كرسي الرئاسة. أما موقف الكيان الصهيوني فهو التأييد المطلق لجمال مبارك، وهو ما يضع علامات استفهام كبرى، ربما تجيب عليها الشهور القادمة.

إن مجمل المشاهد تشير إلى سيادة حالة من الارتباك الشديد الذي يعكس أزمة الأطراف المختلفة أي نخبة التكيف بكل مكوناتها، وأيضا العدو الصهيو– أمريكي.

في ظل ذلك، هل يمكن لمصر أن تظل طويلا في مهب الريح؟  أم أن المستقبل القريب يحمل شيئا آخر؟