«الكساد العظيم 2» قاب قوسين أو أدنى!
أعلن ديفيد روزنبيرغ، أحد شخصيات السوق المرموقة في الولايات المتحدة، أن الاقتصاد الأمريكي قد دخل في حالة الكساد، وأن حال القوى الاقتصادية العظمى تزداد سوءاً.
وعشية هذا الإعلان الكئيب، كانت قد صدرت الأرقام المخزية لإحصائية مبيعات البيوت خلال شهر تموز. فقد انهارت سوق البيوت بانخفاض المبيعات 27%، واصلةً إلى أدنى مستوى لها في التاريخ الأمريكي، ولا بارقة أمل باستقرار المبيعات في الفترة اللاحقة. الأمر الذي يعتبره روزنبيرغ، وغيره من المختصين، مؤشراً على الدخول في «الكساد العظيم» الثاني.
وفي معرض مقارنته بين فترة 1929- 1932 والفترة الحالية يقول روزنبيرغ «إننا نكرر تجربة التاريخ. فقد تقد منا في أربع مراحل ربعية في إجمالي الدخل الوطني بمعدل 3% فقط». وهو تماماً ما جرى في أوائل الثلاثينيات عندما سجلت البورصة تقدماً بنسبة 5% إثر انهيار عام 1929.. ثم حل الكساد العظيم بعد هذا التحسن الاقتصادي الطفيف.
قبل عامين، تنبأ أحد أكبر اقتصاديي بريطانيا بالدخول في ركود طيلة العقد التالي، والعجز عن سداد 45 تريليون دولار من القروض، وارتفاع معدلات البطالة إلى 25% في الولايات المتحدة وبريطانيا.
وفي تشرين الأول من عام 2008، ذكر الاقتصادي فريد هاريسون لوكالة فورين برس في لندن أن التراجع الهائل في الطلب بسبب «عامل الثروة» سيحكم على الاقتصاد الغربي بركود يمتد عقداً كاملاً.
وكما حذر بعض الاقتصاديين إدارتي كلينتون وبوش من اقتراب الأزمة الاقتصادية، كان هاريسون منذ عام 1997 قد حذر المرشح لوزارة الخزينة العامة آنذاك، ورئيس وزراء بريطانيا الحالي، غوردون براون، من خطر الأزمة المالية.
واليوم بعد مضي سنتين، انحاز العديد من الاقتصاديين إلى رأي هاريسون، مثل آرثر لافر وبول كروغمان. اللذين، رغم أنهما يقفان على طرفي نقيض سياسياً، إلا أنهما يشتركان في رؤية المستقبل المشؤوم الذي ستواجهه الولايات المتحدة: ارتفاع معدلات البطالة، تعمق أزمة البطاقات الائتمانية، وهبوط أسعار البيوت، مزيد من العجز عن سداد الديون، وإغلاق الأعمال وحالات الإفلاس. وإذا تزامن كل هذا مع تضخم العملات وانكماشها تكتمل كل العوامل الضرورية للولوج في مديد كساد عظيم ثان. وقد بدأ العديد من الاقتصاديين باستخدام مصطلح «الكساد العظيم 2».
ويعتقد هاريسون أن الوضع أصبح خطراً إلى درجة أن شعوباً بأكملها ستدخل من جديد في أمر لم يشهد له الغرب مثيلاً منذ مئات السنين: مجاعات شاملة في عدد من الدول الغربية.
من جهة أخرى، يطل من الولايات المتحدة آرثر لافر، مؤلف العديد من الكتب الاقتصادية النظرية الهامة، والمستشار السابق في إدارة ريغان خلال فترة الثمانينيات، وعضو مجلس مستشاري التخطيط الاقتصادي، ليعلن أن الاقتصاد الأمريكي يتجه إلى سقوط مريع في أوائل عام 2011.
ويحلل آرثر لافر التوجه الاقتصادي للحكومة الفيدرالية على مدى السنتين الماضيتين على وقع قرع أجراس الإنذار. ويشبّه السفينة الأمريكية بالتيتانيك بعد دراسته الآثار المحتملة للمديونية التاريخية، وتأرجح الاقتصاد على شفا الركود، والضغوط التي سيرزح تحتها لرفع معدلات الفوائد مع ارتفاع معدلات التضخم المالي مستقبلاً.
«أرباح الشركات العظمى حالياً تعكس تبدل الدخل خلال عام 2010. هذه الأرباح ستهوي خلال العام القادم، كما ستهوي قبلها سوق الأسهم»، حسبما ذكر في «وول ستريت جورنال» ضمن مقال عنوانه «زيادة الضرائب وانهيار عام 2011 الاقتصادي».
ويشير لافر إلى أن السبب الوحيد الذي ساعد الاقتصاد على الصمود جزئياً رغم فقره، وهو تخفيضات بوش الضريبية، لكن بمجرد انتهاء صلاحيتها (في الأول من كانون الثاني عام 2011)، «سترتفع معدلات الضرائب الفيدرالية والمحلية بشكل حاد». ضرائب الأرباح سترتفع من 15% إلى 39.6%، والضرائب المفروضة على عائدات رؤوس الأموال ستزداد بنسبة 25%، وستقفز ضرائب العقارات من الصفر إلى نسبة 55%. هذه الضرائب، مثلث النحس الاقتصادي، ستؤدي إلى تخفيض نمو «البيزنس» والعمالة، وتجميد سوق العقارات أكثر، كما ستسحب دخل وقدرة المستهلك الشرائية إلى الحضيض. وإضافة إلى كل هذا ستؤدي إلى المزيد من حبوسات الرهن العقارية.
وإذا لم يكن هذا سيئاً بما يكفي، فسوف ترتفع معدلات الضريبة على الإيرادات المكتسبة من خارج الولايات المتحدة، كما سترتفع الضرائب على الدخل في عام 2013 إلى حد يسحق الطبقة الوسطى، كما سيرتفع الحد الأدنى للضريبة المفروضة على ذوي الدخول المنخفضة، وستفرض الضرائب وفقاً لما يسمى «خطط رعاية الكاديلاك الصحية».
أما الاقتصادي الليبرالي الحائز على جائزة نوبل، بول كروغمان، فيعتقد، لأسباب مختلفة عن سابقه، أن الحكومة الفيدرالية لم تنفق ما يكفي بالسرعة الكافية المطلوبة. فلم يُنفَق معظم ما سمي بـ«أموال التحفيز» التي صادق على صرفها الكونغرس. وبضعة مليارات من الدولارات التي مُنِحت لمشاريع ملتبسة لم تحفز شيئاً. كما عبر كروغمان عن قناعته بأن عشرات ملايين الناس لن يجدوا فرصة عمل ثانية وأن حال الاقتصاد ستزداد سوءاً على سوء خلال عامي 2011 و2012.
أخيراً، يحدد الاستراتيجي روبين غريفيثز معالم مستقبل الاقتصاد من منظور سوق- تقني. وهو الذي كان قد ظهر على قناة «سي إن بي سي» ليعلن أن «العالم قد دخل في مرحلة كساد مالي كبير».
يقول غريفيثز «الأسهم للخاسرين، وسوق الأسهم للرابحين. الأسهم ببساطة للناس الذين يحبون خسارة أموالهم». ويضيف «الكساد الثاني حتمي ووشيك، نظراً إلى أن معايير التحفيز الكينزية لم تنجح يوماً في أي مكان. نحن في أتون ما يعادل الكساد العظيم بعد ثلاث سنوات من الأزمة المالية».
حجز غريفيثز مكانه على مائدة اقتصاد الندرة والتقشف والبؤس، لا تحوي أطباقها إلا فتاتاً وكسرات: جداول بيانية لهبوط اقتصادي سيمتد عشرين عاماً قادماً؛ ونمو لا يتجاوز الصفر؛ مزيد من الانكماش؛ بطالة شاملة؛ وانهيارات وشيكة لأنظمة الحكم في كثير من بلدان العالم.
وإذا لم يكن هذا كافياً، يذكر غريفيثز أن تقلص الاحتياطي المالي للولايات المتحدة حالياً وصل إلى معدل الركود المشهود في الفترة ما بين عامي 1929 و1933.
ومهما تكن التوقعات كئيبة ومشؤومة، ما زالت وسائل الإعلام تحاول إقناعنا بأن الأمور أقل سوءاً من اصطدام نيزك عملاق بالأرض.
■ عن موقع
مركز الثقافة الإستراتيجية – روسيا