التوتر في شرق آسيا برعاية USA

التوتر في شرق آسيا برعاية USA

يتوالى ورود أخبار الاستفزازات العسكرية من منطقة جنوب شرق آسيا منذ أشهر، والتي تكشف عن مؤشرات تفاقم أزمة بحر الصين الجنوبي، في الوقت الذي تصل فيه وسائل إعلام عالمية عن إمكانية نشوب «حرب عالمية» بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية.

 

يربط بحر الصين الجنوبي العالم البحري للشرق الأوسط بمنطقة شبه القارة الهندية بشمال شرق آسيا، ويساوي النفط القادم من المحيط الهندي عبر- مضيق ملقا- باتجاه شرق آسيا مروراً ببحر الصين الجنوبي حوالي ثلاثة أضعاف الكمية التي تعبر من خلال قناة السويس، وحوالي 15 مرة مقارنة بالكمية التي تعبر قناة بنما. أضف إلى ذلك أن حوالي ثلثي إمدادات الطاقة لكوريا الجنوبية و60% لليابان و80% لتايوان تأتي عبر بحر الصين الجنوبي. وتعبر من مياهه ثلث الشحنات التجارية العالمية.

أهمية الموقع سياسياً واقتصادياً

بالإضافة إلى مركزية الموقع الذي يتمتع به بحر الصين الجنوبي، يحتوي البحر على حوالي 7 مليارات برميل نفط كاحتياطي مؤكد، إضافة إلى حوالي 900 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، فيما يعتقد الصينيون أن باطنه يحتوي على كميات من النفط تفوق أية منطقة في العالم، وهو الأمر الذي يجعل منطقة بحر الصين الجنوبي ذات أهمية جيوسياسية واقتصادية كبيرة جداً.

نقل الحرائق العالمية

ترى الولايات المتحدة في موضوع الصعود السياسي والاقتصادي للصين، بالإضافة إلى سياسة التكامل الاقتصادي بين الصين وبلدان جنوب شرق آسيا، جرس إنذار يعني خروجها من المنطقة وخسارتها سياسياً، رغم انتشار القواعد الأمريكية وحاملات طائراتها في تلك المنطقة.

وفي هذا السياق، تبذل الولايات المتحدة جهداً كبيراً للسيطرة على الثروات الاقتصادية في تلك المنطقة من العالم، ومنع هذه الثروات عن بلدانها، وخاصة تلك القطاعات الاستراتيجية كالنفط والغاز وطرق النقل البحري، في الوقت الذي تتفاقم فيه الأزمة الرأسمالية العالمية ووقوع الولايات المتحدة لأمريكية نفسها على حافة الانفجار.

ويضاف ذلك إلى محاولة واشنطن تطويق الاقتصادات الصاعدة، إذ تشكل الصين إحدى القوى الاقتصادية في بلدان مجموعة «بريكس» التي باشرت ببعض الإجراءات مثل إنشاء بنك التنمية في العام الماضي، وإصدار السندات الخضراء مؤخراً الذي يعني كسر هيمنة الدولار وزعامته العالمية المفروضة بقوة المئات من القواعد العسكرية الأمريكية التي تحتل العالم، وبالتالي تهديد تلك المؤسسات المالية العالمية التي تنهب ثروات الشعوب مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرها، من خلال البدائل التي تطرحها «بريكس» مثل الاتحاد الأوراسي وطريق الحرير. لذلك تتكثف في هذه المنطقة بؤرة توتر جديدة على قاعدة نقل وإشعال الحرائق الأمريكية التي تتجول بحاملات طائراتها في بحر الصين الجنوبي منذ أشهر.

تصاعد النزعة العسكرية اليابانية

تصاعدت مؤخراً التحركات العسكرية اليابانية في بحر الصين الجنوبي، بعد أشهر من التوجه الياباني إلى استخدام القوات العسكرية خارج أراضي البلاد والانخراط في شؤون بحر الصين الجنوبي لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية (ومنذ إرسالها قوات «غير قتالية» إبان الغزو الأمريكي للعراق).

أجرت اليابان مؤخراً تدريبات على البحث والانقاذ مع الفلبين سنة 2015، فضلًا عن غيرها من التدريبات مع دول جنوب شرق آسيا، وتتفاوض اليابان اليوم على السماح لطائرات وسفن عسكرية يابانية باستخدام قواعد بالفلبين لإعادة التزود بالوقود والإمدادات كي تتمكن من توسيع نطاق دوريات طائراتها لفترة أطول وتغطي مسافة أكبر في بحر الصين الجنوبي في خطوة أمريكية لدفع اليابان في وجه الصين.

الرد الصيني

ردت الصين على الخطوة اليابانية، وألمحت إلى أنها لن تقبل بأي دور لليابان في بحر الصين الجنوبي، ورفضت ادعاءاتها عن وجود مصالح يابانية في بحر الصين الجنوبي. 

وفي هذا السياق، أكد المتحدث باسم وزير الخارجية الصيني إن الصينيين سيدافعون على سيادتهم الوطنية وحقوقهم البحرية كما أنهم سيعملون على المحافظة على الاستقرار في منطقة بحر الصين الجنوبي. كما رفضت الصين نشر منظومة الدفاع ضد الصواريخ البالستية الأمريكية في كوريا الجنوبية منذ 2015 واعتبرت هذه الخطوة موجهة ضدها.

تسعى الصين إلى حماية حقوقها الاقتصادية وسيادتها الوطنية، بينما تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بدفع اليابان وكوريا الجنوبية والفليبين إلى صدام عسكري مع الصين التي أبقت على إمكانية حل النزاع بالطرق السلمية مفتوحاً. 

في هذا الصدد، رفضت الصين على لسان رئيسها أي مقترح أو عمل يأخذ أزمة بحر الصين الجنوبي على لجنة تحكيم دولية، وأكدت على إنها ستحل الأزمة بينها وبين الفليبين عبر التفاوض، كما قالت صحيفة الشعب اليومية الصينية مؤخراً إن الجيش الصيني سيحمي سيادة البلاد الوطنية والإقليمية ومصالحها البحرية.

لماذا «تتجه» واشنطن شرقاً؟

لم يكن حكم محكمة «لاهاي» الدولية برفض أي اعتراف بمصالح الصين في مياه بحر الصين الجنوبي أقل من إشارة على توتير جديد تسعى الأوساط الفاشية داخل الإدارة الأمريكية إلى تعميمه في شرق آسيا، في إطار المواجهة المستمرة بين هذه الأوساط، والقوى الدولية الصاعدة عالمياً، وعلى رأسها روسيا والصين.

غير إنه ليس كل من يقوم بالتوتير هو بالضرورة في موقع متحكم أو أقوى، مثلما كان سائداً في فترة التحكم الأمريكي بشؤون العالم، إنما، وفي هذه المرحلة من التغير الجاري على  صعيد أوزان القوى الدولية، لا تبدو محاولات التوتير أكثر من متنفسات وهوامش محدودة للمناورة أمام القوى التي باتت محكومة ومقيدة بمفاعيل هذه التغيرات على الصعيد العالمي.