عملية نيس: رسالة سياسية خلف العمل الإجرامي
تتفاعل أصداء العمل الإرهابي الذي استهدف مدينة نيس الفرنسية، مساء يوم الخميس 14/7/2016، مخلفاً ما يزيد عن 80 قتيل بحسب وسائل إعلام فرنسية. الجريمة التي تصرّفت السلطات معها على أنها عمل إرهابي، استهدفت حشداً من المواطنين الذين كانوا يشاركون في احتفال بالعيد الوطني الفرنسي، ونفّذها سائق شاحنة دهس ضحاياه على مسافة تصل إلى نحو كيلومترين، بحسب ما ذكرت مصادر الشرطة التي قتلت السائق.
لم تكد تنقضي ساعات قلائل على توارد أخبار العملية، حتى جثمت حالة من الرعب والهلع الشديدين على صدر القارة الأوروبية بأسرها، وقسمها الغربي خاصة. وتعززت حالة الرعب هذه بسيل من التصريحات الرسمية الأوروبية التي انطلقت من مختلف عواصم القارة، والتي تحاول أن تعمم حالة الخوف هذه، باستنادها إلى ازدياد عدد العمليات الإرهابية، والتلويح بها، في عموم القارة الأوروبية خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وكما أكدنا سابقاً، فإن أول خطوة نحو فهم أي عملٍ من هذا النوع، بما في ذلك أحداث 11 أيلول في الولايات المتحدة وغيرها، هي إبعاد مصادر التشويش المحمول على ألسنة سياسيين ووسائل إعلام عالمية وإقليمية ومحلية. ذلك التشويش الذي يجعل من «داعش» و«القاعدة» وأشباههما حاملاً لـ«قضية فكرية وحضارية» متناقضة تناحرياً مع قضية أخرى «فكرية وحضارية» أيضاً، هي قضية «الغرب الديمقراطي المتحضر». إنّ تشويشاً من هذا النوع من شأنه قطع صلة هذه التنظيمات وأعمالها بالواقع الفعلي للأمور، بالواقع الاقتصادي- الاجتماعي العالمي، بواقع نهب الشمال للجنوب ونهب حكومات العالم قاطبة للشعوب، كل على حدة، وكلها معاً..
وإذا كانت من رسالة كامنة في هذه العمليات الإرهابية التي استهدفت فرنسا- الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، والتي تبدي (بالمعنى السياسي» انحيازاً أقل من نظيراتها نحو الولايات المتحدة- فهي رسالة تأتي في هذا الإطار تحديداً، أي محاولة التلويح من قبل الأوساط الفاشية داخل الإدارة الأمريكية، بأن واشنطن هي الملاذ الوحيد لأوروبا الآيلة للتفكك والتي تواجه عجزاً وأزمات اقتصادية وسياسية حادة ومتلاحقة.
وفي تفاصيل العملية، فقد طغت على الهجوم المباغت في الشاحنة الذي استهدف حشداً من المحتفلين بالعيد الوطني الفرنسي (يوم الباستيل) في شارع بروميناد ديز أنغليه، بصمات تنظيم «داعش»، وفقاً لصحيفة «لو باريسيان» الفرنسية.
وأشارت الصحيفة إلى أن هجوم نيس هو تطبيق لاستراتيجية «أبو محمد العدناني»، المعروف لدى أجهزة الاستخبارات الغربية بـ«وزير الهجمات» لدى تنظيم «داعش»، حيث أوصى «جنود الخلافة» منذ عام 2014 بتنفيذ هجمات إرهابية بالوسائل المتاحة جميعها. إلا إنه حتى وإن ثبت تورط التنظيم في الضلوع بهذه العملية، لا يجب على أحد أن يعتقد أن التنظيم- المتحكم بأمره من التيار الفاشي داخل الإدارة الأمريكية- حرّ في اختيار عملياته، لا سيما في توقيتاتها والرسائل المراد إيصالها عبرها.