خلسةً يأتينا الأسوأ
متى يكتشف الناس أن عزف قادة الدول، طيلة الأشهر الماضية، على وتر عودة النمو، وفعالية مجموعة العشرين الكبار، وتصريحاتهم حول انتهاء الأزمة، ما هي إلا حشو كلامٍ وهزل؟ ليس لأن أمراً لم يُحَلّ، ولا لعدم إتباع معايير حقيقية وجدية فقط، بل قبل كل ذلك، لأن إدارة الأزمة حتى هذه اللحظة مستمرة بتخصيب الانهيار الذي سيلقي ركامه فوق رؤوس الأجيال القادمة.
ولنبدأ من الحقائق: النمو لا يسترد عافيته. وتسريح العمال التعسفي يخفّض من قدرة الناس على الاستهلاك وعلى تسديد الديون. يوجد في فرنسا 4.7 مليون إنسان لا يعملون لعدد كاف من الساعات أسبوعياً، أو عاطلين عن العمل كلياً. وكذلك في الولايات المتحدة يعيش 17.5% من الناس في ظل الظروف نفسها، مع العلم أن العاملين منهم لا يعملون سوى ثلاث وثلاثين ساعة أسبوعياً. كما أن مدة البقاء بلا عمل تزداد باطراد في كل مكان. والتجارة الدولية تتقلص وتنكمش. فيما انخفاض الأسعار العالمية، كحال الدولار واليوان، يرفع مستويات البطالة، من جهة، ويدفع بالمزيد من المستهلكين نحو البحث عن بضائع أرخص، من جهة أخرى، مما يعود بالخراب على مزيد من الأعمال والمهن.
أما المصارف المتداعية فيزداد عجزها عن تمويل الاستثمارات الضرورية للتعافي، حيث العديد من كبرى المصارف، من الولايات المتحدة حتى الصين، مروراً بمصارف أوروبا التي تفتقر إلى رؤوس الأموال، إلى حدّ أن «جان كلود تريشيه» طلب منها عدم صرف عائدات الأسهم المالية. وأكثر من ذلك، يتوجب على حكومات الدول الصناعية تأمين 12 تريليون دولار في العام القادم لتمويل عجز ميزانياتها؛ سوف تتجاوز مديونيتها قريباً الـ80% من إجمالي الإنتاج العالمي، مما سيدفع أيضاً بالمستهلكين نحو مزيد من التوفير تحضراً لرفع الضرائب الحتمي لاحقاً. والأنكى من كل ذلك أن السندات الحكومية لم تعد توفر مناخ استثمار آمن بالنسبة للمصارف وشركات التأمين، والتأمينات الاجتماعية والمدخرات التقاعدية. أخيراً، تصاعد لولب الإجراءات الكبيرة التي اتخذتها وتتخذها المصارف دون أدنى حد من الشفافية؛ وتضرر سندات الدين الوطني على نحو خطير، كما يحدث حالياً في دُبي.
لكن يبقى الأسوأ هو ما ينتج عن هذه الحالة المتردية من مخاطر: إذ تؤدي، بالجملة، إلى تدهور الخدمات العامة، إفلاس المصارف والشركات والدول، و«خراب بيوت» العمال والمدخرين. مثل تداعي أحجار لعبة دومينو تسحبنا دوامة الكساد المتبوع بارتدادات التضخم المالي. وحتى إذا افترضنا بدء التعافي (على النقيض من المنطق)، فإن كل التجارب التاريخية، من حيث المبدأ، تُظهر لنا أن العمل والتوظيف لا يتعافى إلى درجة العودة إلى ما كان عليه قبل الأزمة، قبل سنتين تاليتين على الأقل.
ليس بمقدورنا الجلوس والتكيّف ببساطة مع كل هذه التهديدات والمخاطر دون إبداء رد فعل، كما ليس بمقدورنا التعلق بأمل تعافٍ اصطناعي واهن، كل ما يقدمه لنا هو ترحيل مشاكل الحاضر المتفاقمة إلى المستقبل. فالأزمة الاقتصادية تتطلب من الدول الصناعية أكثر من الأمل وبضعة إجراءات نافلة. يتعين علينا، أقله في فرنسا على الأقل، القيام بإجراء إصلاحات بنيوية فورية، تتيح لنا فرصة تلمّس درب التعافي الحقيقي.
• «L' Express»