الرهانات في «معاقبة» اليونان
انفجرت الرأسمالية العالمية من الداخل في عام 2007. الأسباب الرئيسية لأزمة الرأسمالية تشتمل على:
1. نهاية الزيادات الفعلية في الأجور في الولايات المتحدة وحلت محلها زيادة ديون العامل بشكل يتجاوز كثيراً ما يمكن للعامل تحمله.
2. قيام قدرة صناعية عالمية زائدة
3. انفجار المضاربات و الإسراف في الممارسات ذات الخطورة العالية للبنوك, وسائر الشركات المالية و غير المالية و من قبل الأغنياء.
4. سوء التفسير المنتظم لمخاطر الاقتراض من الشركات التي تسعر أو تقيم رأس المال
5. فشل مراقبة وتنظيم الحكومات التي أصبحت معتمدة بشكل أكبر على الشركات وعلى الأغنياء (من أجل المساهمة في الحملات, دعم اللوبيات, الخ) في ربع القرن الأخير
6. تزايد مديونية الحكومات
7. اختلالات هائلة بين تدفق التجارة ورأس المال بين الدول (وقبل كل شيء العجز التجاري للولايات المتحدة والفائض التجاري للصين الشعبية)
إن دور اليونان في هذه القائمة محدود لدرجة الانعدام. بيد أن دور العمال اليونانيين كبير فعلاً بين الضحايا المحتملين للأزمة الرأسمالية التي لم يتسببوا بها.
عندما ضربت الأزمة الرأسمالية العالمية عام 2007, زادت اليونان مثل معظم بقية الدول من عجز موازنتها. وكانت تتحمل من قبل عجزاً حكومياً كبيراً بالفعل معتمدة بشكل كبير على التوقعات المتفائلة جداً عن إمكانيات الاقتصاد اليوناني على أساس ضعف الأجور (مقارنة بأوربا) وارتفاع الإنتاجية في الأعوام قبل عام 2007. هكذا استدانت اليونان كثيراً (رغم أن بلداناً أخرى استدانت أكثر منها ولأسباب مشابهة لكنها على الرغم من ذلك لا تعامل كما تعامل اليونان اليوم).
مشكلة الدين القومي اليوناني هي أن دولاً رأسمالية أخرى, أكبر وأغنى– تلك التي كانت أفعال رأسمالييها هي السبب الرئيسي للأزمة العالمية– قد زادت أيضاً من اقتراضها بشكل ضخم. إن إقراض هذه الأخيرة أكثر أمناً من إقراض الدول الأفقر وذات المديونية الأكبر غالباً كاليونان والبرتغال, الخ. لذلك يطالبها الدائنون بدفع معدلات فائدة أعلى بكثير فقط لكي تحصل على المال كي تفي بالتزاماتها تجاه دينها الحالي (وربما تحتاج لأن تقترض أكثر, تماماً مثل بقية الدول الأخرى, لتتجنب هبوطاً تباطؤيا آخر). يهدد الدائنون الآن أيضاً بوقف إقراضها إذا لم تخفض هذه الدول الأفقر نسبة دينها إلى دخلها القومي (المعيار الأكثر استخداما للناتج الكلي للبلد وبالتالي قدرتها النهائية على دفع ديونها).
لتحصل على المليارات اللازمة لدفع معدلات الفائدة الزائدة وربما لتخفض دينها الكبير, على الحكومات في دول كاليونان أن ترفع الضرائب على شعوبها أو أن تخفض الإنفاق على حاجات شعوبها أو الاثنين معاً. هذه الخطوات ستزود الحكومات بالموارد المالية لكي تدفع معدلات الفائدة الأعلى على ديونها و أن تخفض من دينها الهائل.
بلغة بسيطة: جاءت أزمة الرأسمالية العالمية أولاً بالتباطؤ الاقتصادي إلى اليونان, والآن يسعى «التعافي» من هذه الأزمة إلى أن يفرض على الشعب اليوناني مرحلة غير محددة من المعاناة الاقتصادية بينما يقدم الدائنون الأموال في مكان آخر إلى الاقتصادات الرأسمالية الأكبر والأغنى بحيث يمكنها تجنب فعل ما يطلب اليوم من اليونانيين. قادة رأس المال والحكومات نفسها الذين خلقوا الأزمة يديرون «مرحلة التعافي» بالطريقة ذاتها.
يجب أن يذكر كل شخص أن الحكومة اليونانية وقادة رأس مالها يجبرون الآن على اتخاذ قرار هام أيضاً. هل سيمضون في الخطة؟ هل سيجبرون جمهور العمال اليونانيين وعائلاتهم على دفع ضرائب أكبر, و أن يحصلوا على أجور أقل, و أن يخسروا الخدمات الحكومية في سبيل «خدمة الدين اليوناني»؟ أم أن مقاومة الشعب اليوناني ستحول بينهم وبين هذا ؟ هذا هو الرهان في الإضرابات الكبيرة التي تهز اليونان اليوم.
وكيف قد تعالج هذه المقاومة الأمر بشكل مختلف؟ قد تطالب في المستقبل القريب في نهاية المطاف بوضع حد للتهرب الكبير من دفع الضرائب من قبل نخبتها من المليارديرات والمليونيرات سواء عن حسابات شركاتهم أو حساباتهم الشخصية. دعهم يدفعوا أخيراً– حسب إمكانياتهم الهائلة– لخدمة دائني اليونان. لكن أخذاً بالاعتبار آلياتهم سيئة السمعة للتهرب من الضرائب والتي شحذت عبر القرون سيكون من الأفضل– وعاجلا لا آجلاً– إلغاء الشركات اليونانية الخاصة وإعادة تنظيمها كشركات خاضعة لسيطرة العمال تتشارك السلطة مع الحكومة. سوف ينتج مشروعهما المشترك عندها، ليس فقط «انتعاشا» من هذه الأزمة الرأسمالية بالتحديد بل من مجمل النظام الذي يخلق الأزمات الرأسمالية كل بضع سنوات.
إن مقاومة يونانية كهذه قد تحفز أيضاً وتلهم حركات موازية في البلدان الأخرى التي يغلي سكانها أيضاً لأنهم يُحمَّلون تكاليف أزمة لم يتسببوا بها و«انتعاشاً» ليس لهم. و هذا ما يجب أن يكون, لأن المقاومة اليونانية ستحتاج حلفاء في أماكن أخرى لكي تنجح والعكس صحيح.
إن الأزمة العالمية للرأسمالية هي عبء على الطبقة العاملة في العالم, لكنها أيضاً فرصة. الاكتفاء بالمعاناة من الأول مع خسارة الفرصة للإمساك بالثانية سيجعل الأزمة أكثر مأساوية .
*أستاذ فخري بجامعة ماساتشوستس
■ «موقع زد نت»