أسطول الحرية.. وأولوية كسر الحصار وهزم الاحتلال

من واجب كل ذي ضمير حي، وإلى أي شعب  انتمى، أن يفضح المجزرة التي ارتكبها جيش العدو الصهيوني في المياه الدولية ضد نشطاء ومناضلي الحرية، ممثلي العشرات من بلدان العالم، والذين تحدوا الجبروت الصهيوني وأصروا على ضرورة كسر الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، في مهمة إنسانية عجز عنها النظام الرسمي العربي وما يسمى بالمجتمع الدولي الرسمي الذي ما زالت تقوده الإمبريالية الأمريكية عدوة الشعوب!.

لكن من الواجب أيضاً الانتقال من الاستغراق في وصف حيثيات تنفيذ المجزرة المرتكبة بحق نشطاء أسطول الحرية والطريقة الهوليودية التي استخدمتها «قوات النخبة» في جيش العدو باحثةً عن أي «انتصار» حتى وإن كان على ظهر سفينة، إلى تسليط الضوء أكثر على الحصار نفسه وأبعاده ومراميه وضحاياه والمتواطئين في استمراره عرباً وأجانب، وانعكاس كل ذلك على الصراع العربي- الصهيوني على المستويين القريب والبعيد.

بدأ الحصار على قطاع غزة ليس كما يتوهم البعض في أعقاب الحرب عليها مع نهاية 2008 ومطلع 2009، بل في حزيران 2007، أي إنه فاق الألف يوم وتجاوز زمنياً حصار القطعان النازية لمدينة لينينغراد البطلة في الحرب العالمية الثانية، ولأن أهالي غزة كذلك رفضوا الاستسلام، أو الاعتراف بالكيان الصهيوني، وتمرسوا في المقاومة منذ عشرات السنين، وأجبروا جيش العدو على الانسحاب، قرر قادة الكيان الصهيوني فرض الحصار المطبق على قطاع غزة بحراً وبراً وجواً، بسكانه الذين يتجاوز عددهم المليون ونصف مليون فلسطيني على مساحة لا تزيد عن 350 كم مربع، وبالرغم من الصمود الأسطوري لأهالي القطاع في مواجهة الحصار، تفيد التقارير الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) أن 61% من سكان القطاع يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وارتفاع معدلات الفقر الشديد والبطالة، وتوقف الأعمال الحرفية وانتشار الأمراض وتلوث المياه وانقطاع الكهرباء وتعطيل الخدمات العامة.

ولا شك أن تشديد الحصار الصهيوني على أهالي القطاع هدفه الرئيس هو الوصول إلى مكاسب سياسية وفرض وقائع على الأرض تتعلق بتصفية القضية الفلسطينية من قضية شعب وحقوق وطنية ثابتة بالعودة والتحرير وتقرير المصير وإقامة الدولة، إلى فرض الاعتراف الفلسطيني بما يسمى الدولة اليهودية الصرفة وإحداث تغييرات ديمغرافية كبرى في سكن الفلسطينيين في الجليل والنقب والمثلث والضفة الغربية تحت عنوان «تبادل الأراضي» مقابل إعطاء كانتونات للفلسطينيين لا ترقى حتى إلى حكم ذاتي!.

وإذا كانت المجزرة الإسرائيلية ضد نشطاء أسطول الحرية قد كشفت أمام الرأي العام العالمي فاشية وبربرية العقلية العسكرية الصهيونية إزاء كل من يفكر بكسر الحصار، فإن جوهر استمرار الحصار ومراميه القريبة والبعيدة يفرض علينا مقاومته وكسره، لأن استمراره يشكل خطراً أكيداً على القضية الفلسطينية ككل، وهذا ما لا يجب السماح به مهما كانت التضحيات والمصاعب، ومن هنا لم يعد يكفي التعبير عن الاستنكار والإدانة أو استمرار المراهنة على المجتمع الدولي أو النظام الرسمي العربي وكل ما سيأخذه من قرارات تخديرية تطيل استمرار وجوده وتواطئه مع التحالف الإمبريالي- الصهيوني.

ليس من المطلوب فقط من نظام مبارك أن يفتح معبر رفح فتحاً مؤقتاً، تحت ضغط الجماهير المصرية والرأي العام العالمي، أو حتى «تنفيس الضغط عن الكيان ذاته وتغييب جرائمه»، بل المطلوب طرد السفير الإسرائيلي من قاهرة المعز وطرد السفراء والمكاتب التجارية الإسرائيلية من أية عاصمة عربية ووقف اللهاث وراء أوهام «السلام» الذي يعرضه التحالف الإمبريالي- الصهيوني منذ كامب ديفد وحتى الآن.. فقد أثبتت التجارب ولدى كل الشعوب أن المفاوضات والتنازلات لا تحرر أرضاً طولها باع ولا تستعيد أياً من الحقوق الوطنية.

وحدها المقاومة الشاملة والإرادة السياسية للمواجهة، وبالاعتماد على قوى الشعب الجبارة، قادرة على تحرير الأرض واستعادة الكرامة الوطنية وإلحاق الهزيمة بقوى الاحتلال مهما امتلكت من قوة عسكرية غاشمة، وليس هناك من يستهين بخيار المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق إلاّ أولئك المهزومين من قادة دول الاعتلال العربي المرتبطين بالتحالف الإمبريالي- الصهيوني، والذين لا يدركون أن قوة هذا التحالف إلى أفول وزوال، وعند ذلك سيكونون حمولةً زائدةً في سفينة التحالف المعادي للشعوب!.

إن منطقة شعوب هذا الشرق العظيم تشهد بداية نهوض وطني شعبي عارم سيغير وجه المنطقة وسيطيح لاحقاً بكل قوى الاحتلال الأمريكي والصهيوني وهذا ما تخشاه واشنطن وتل أبيب، فالأولى تبحث عن «نصر» محدود في ولاية داخل أفغانستان، والثانية تبحث عن «نصر» حتى وإن على ظهر سفينة في أعالي البحار..!

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.