حرية كسر الحصار... الحصار... القضـية... والصراع في المنطقة

أسطول الحرية: من رد الفعل إلى المبادرة

بعد تحضيرات دامت أسابيع طويلة، وضمن ذهنية أرادت الانتقال من رد الفعل والشجب والإدانة إلى خوض غمار العمل المباشر صاحب العزيمة والتصميم المدرك للأثمان المحتملة، انطلقت سفن أسطول الحرية الست مساء 29 مايو 2010 من موانئ مختلفة حاملةً على ظهرها أكثر من 600 ناشط سياسي وحقوقي وإعلامي عقدوا العزم على كسر الحصار غير الشرعي عن قطاع غزة، وفي جعبتهم عشرة آلاف طن من التجهيزات والمساعدات، الشخصيات جاءت من 50 دولة مختلفةً منها البرلمانيون ومنها رجال دين أمثال الشيخ الفلسطيني رائد صلاح والمطران السوري هيلاريون كابوتشي، وإلى جانبهم وقف صحفيون ومؤرخون، حيث اعتبر هذا الحشد الكبير أكبر تحالف دولي يتشكل ضد الحصار المفروض على غزة منذ بدايته في 2007.

وفي هذا الوقت كانت الاستعدادات في قطاع غزة تتواصل لاستقبال القافلة في حين هدد الكيان الصهيوني من أن قواته ستتحرك لاعتراضها «مهما كان الثمن». 

الجريمة

مع بزوغ فجر يوم 31 أيار 2010، وصلت القافلة إلى مشارف المياه الإقليمية الفلسطينية، وقبل أن تدخلها شنت قوات الاحتلال الغاشم هجومها على المدنيين العزّل، حيث استشهد نحو 19 منهم وأصيب أكثر من 26 في مجزرة لن تنساها البشرية إلاّ بزوال الكيان الصهيوني نفسه، وأكد ربان تركي أن الهجوم الذي شنته قوى الاحتلال على سفينة «مافي مرمرة» التركية بدأ دون أي تحذير مسبق، تلاه أن أجبرت القوات قباطنة السفن الأخرى على الانصياع لإرادتها بتوجيه المسدسات إلى رؤوسهم، واستخدمت قوات الاحتلال في هجومها السفن الحربية والطائرات المروحية وبنادق بذخيرة حية إضافةً إلى قنابل الغاز. 

جثة في البحر

ووفقاً لما قالته المتضامنة السورية شذى بركات بعد عودتها إلى الأراضي السورية فإن جنود الاحتلال رموا جثة شهيد تركي في البحر بعد قتله، بينما أكد المطران كابوتشي أن الجنود كبلوا أيدي المتضامنين بكل وحشية وعنف، أما المتضامنان السوريان الآخران محمد سلطة وحسن رفاعي فأكدا أن عشرات الشهداء والجرحى سقطوا على يد القوات المسلحة الصهيونية في نصف ساعة، في حين أكد آخرون أن الرصاص الإسرائيلي كان بالرأس مباشرة أي تنفيذ الإعدام عمداُ، قبل أن يتم اختطاف المتبقين من أعالي البحار وأسرهم والتحقيق معهم، ثم الإفراج عنهم بشكل انتقائي. وحتى ساعة إعداد هذا المقال ما يزال مصير عدد من المتضامنين مجهولاً. 

جريمة ضد الإنسانية

جاءت ردود الفعل الأولية على الإرهاب الصهيوني لتؤكد بمجملها استهجان العالم (باستثناء الولايات المتحدة) لبشاعة الجريمة، وأدانت الكثير من العواصم رسمياً ما اقترفته قوات الاحتلال بينما خرج المواطنون في الكثير من الدول متظاهرين ضد الحصار غير الشرعي على غزة، ومطالبين بمحاسبة «إسرائيل» ومحاكمة متخذي قرار الهجوم ومنفذيه على أنهم مجرمون ضد الإنسانية، كما علقت نيكاراغوا علاقاتها مع الكيان.

أما في أروقة مجلس الأمن الذي انعقد بناءً على طلب تركيا ولبنان فقد بذلت «الدبلوماسية» الأمريكية كل ما في وسعها لتمييع أي قرار ضد «إسرائيل»، وحتى تعطيل البيان الرئاسي و«تشفيته» من كل مضامينه التي طلبتها حكومة أردوغان في تركيا، علماً بأن البلد لايزال عضواً في حلف الأطلسي.

تشديد العزيمة رداً  على الإجرام والأكاذيب

وعلى الضفة الأخرى زعمت سلطات الاحتلال، التي أرادت بجريمتها النيل من انتشار الفعل المقاوم الذي تخشاه، أن ما اقترفته كان محض «دفاع عن النفس»، وهو ما رفضه العالم كله وتركيا على وجه الخصوص، والتي أشارت إلى أنها سترسل أساطيلها الحربية لحماية أية بعثة إنسانية تهدف لكسر حصار غزة في المستقبل، وفي هذا الوقت ورغم التهديدات «الإسرائيلية» بتكرار المجزرة قيل إن السفينة الأيرلندية «راشيل كوري» تشق طريقها إلى غزة، في حين أعلنت الحملة الأوروبية لرفع الحصار عن غزة عن توفر تمويل أول ثلاث سفن في أسطول جديد سيتوجه إلى قطاع غزة خلال أسابيع قليلة تحت اسم «الحرية2».

إن قضية الاعتداء على أسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة، يعيد فتح ملف الحصار الجائر على غزة، بما يعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة بأبعادها الحقيقية، ضمن إطار الصراع في المنطقة ودائماً على خلفية الأزمة العاصفة بالنظام الإمبريالي على الصعد كافة.