مؤتمر «ايباك»... عرض فاضح لتزوير التاريخ
جاء خطاب وزيرة الخارجية الأمريكية «هيلاري كلينتون» من على منصة مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأمريكية «الإسرائيلية» قبل أيام، ليعبر عن حقيقة الموقف الرسمي للإدارة الأمريكية في دعمها اللامحدود للكيان الصهيوني الاستعماري في فلسطين المحتلة. وإذا كان البعض يرى في بعض الإشارات النقدية للسياسة الاستعمارية، الاستيطانية في القدس، دليلاً على الخلاف الكبير بين الحكومتين، فإن الجزء الأكبر من الخطاب كان شهادة حسن سلوك للدور والوظيفة الموكلة التي يضطلع بها الكيان الصهيوني، ليس لكونه ثكنة عسكرية متقدمة لسياسات الهيمنة الاستعمارية الغربية، بل لأنه المدافع الأول عن سياسة الهيمنة الأمريكية (الولايات المتحدة تعرف أن «إسرائيل» قوية، أمر حيوي لاحتياجاتنا الإستراتيجية، لذلك فإننا نؤمن، أننا بتعزيزنا أمن «إسرائيل» إنما نعزز أمن الولايات المتحدة. وهكذا، منذ اليوم الأول، عملت إدارة أوباما من أجل تعزيز أمن «إسرائيل» وازدهارها). إن في رؤية سيدة الدبلوماسية الأمريكية لـ«السلام»، تتوضح حقيقة الدافع الرئيسي لهذه الرؤية القائمة على الحرص المطلق على يهودية الكيان وديمقراطيته! لأن الخطر الديموغرافي الناجم عن الاحتلال وتمدده (سيهدد على المدى البعيد مستقبل «إسرائيل» كدولة محمية، يهودية وديمقراطية).
لم يفاجئ المراقب والمتابع لهذه اللغة الحميمية، في تصوير العلاقات بين الحكومتين، التدخل التفصيلي في بعض الإجراءات والتوجهات الأخيرة التي تمحورت حول قضايا تتعلق بتسمية إحدى الساحات الرئيسية في رام الله المحتلة. فقد انحازت الوزيرة كلينتون للجانب الصهيوني، علانية، بما لايليق بدبلوماسية الدولة الأعظم في هذا العقد. إذ انتقدت كلينتون في خطابها السلطة الفلسطينية لقرارها تسمية ميدان في رام الله باسم الشهيدة دلال المغربي، معتبرة أن في ذلك (إهانة للطرفين)! الذاهبين لمحادثات التقارب. كما نددت بشكل فج ومباشر بـ«العرض الخاطئ والمتعمد للتدشين الجديد لكنيس في الحي اليهودي بمدينة القدس القديمة ودعوتهم للدفاع عن المواقع الإسلامية القريبة من هجمات مزعومة هو مجرد تحريض بحت على العنف). يبدو أن الغشاوة الصهيونية في عيون السيدة كلينتون منعتها من رؤية الخراب في القدس المحتلة. هذا الخراب الناتج عن سياسة الطرد والتطهير العرقي لآلاف العائلات العربية من بيوتها وممتلكاتها في كافة أرجاء الضفة المحتلة. فقد أكدت التقارير أن الشعب الفلسطيني قد تعرض لحوالي 290 هجوماً، نفذتها عصابات المستعمرين «المستوطنين» في عام 2009، بازدياد واضح عما شهده عام 2007 (182) هجوماً. كما أن أحياء مدينة القدس تتعرض لعملية هدم للمنازل، وطرد للمواطنين بوتيرة مرتفعة، وما يتعرض له حي الشيخ جراح في هذا الوقت، يشكل الدليل الأكثر حداثة في المخطط الصهيوني التدميري/ التهجيري.
لم تكن صالة مؤتمر «ايباك» محطة جديدة لإطلاق المواقف العدائية الأمريكية لقضية حرية فلسطين وشعبها فقط، بل تحولت منصة المؤتمر، كقاعة لإطلاق صواريخ «نتنياهو» المحشوة كذباً وحقداً وعنصرية، باتجاه شعب فلسطين والأمة العربية. صفق المؤتمرون والضيوف من أعضاء الكونغرس، لفترات طويلة عندما كان المتناوبون على منصة الخطابة، أمريكيون و«إسرائيليون»، يزورون تاريخ الأرض العربية الفلسطينية، ويهددون بطرد مواطنيها. خاصة، ماتتعرض له مدينة القدس المحتلة، من بناء للمستعمرات على أنقاض خراب بيوت العرب الفلسطينيين. فـ(البناء في القدس كما هو البناء في تل أبيب. لأن القدس ليست مستوطنة بل عاصمة للدولة) كما أعلن نتنياهو.
في مواجهة هذا الصلف وتلك العدوانية المتصاعدة، التي تمارسها حكومات العدو المتعاقبة على مدى العقود الأربعة الأخيرة، من خلال سياسة منهجية واضحة تقوم على مصادرة الأرض والثروات الباطنية وبناء المستعمرات، وبحسب التقرير المسحي لمركز «ماكرو للسياسات الاقتصادية» والمنشور في صحيفة «هآرتس» 23/3، فإن اثني عشر مليون متر مربع من مساحة الضفة الغربية قد صادرها المحتل لبناء أكثر من 55 ألف وحدة سكنية، وآلاف المنشآت العامة من بنى تحتية وخدمية. يقف الشعب الفلسطيني في القدس والخليل وبلعين والنبي صالح وعرق بورين وعورتا ورام الله، وفي كل مناطق وجوده، صامداً، مدافعاً عن وجوده. لكن التحركات الجماهيرية المتناثرة هنا وهناك، بحاجة لناظم لها، لإطار جامع لها، يصوغ برنامج تحركها، ويصوب مسارها باتجاه مواجهة الاحتلال وأدواته. إن تطوير أشكال النضال ليس مرهوناً فقط بقدرة القوى المشاركة فيه على المواجهة، بل في طبيعة برنامج عملها في كل مرحلة من المراحل. فالتنسيق الأمني مع المحتلين، ساهم بشكل مباشر في تضييق الخناق على القوى السياسية والمجتمعية في معركة دفاعها عن الوطن، وفي قمع أشكال نضالها..
إن وجود السلطة الأمنية البوليسية، والتخريب الذي أحدثته المنظمات غير الحكومية، منظمات الأنجزة، في ثقافة المواطن وذاكرته، والقمع الوحشي لتحركات شعبنا، قد وفرت لحكومة الاحتلال، المسارات التي تتحرك عليها في «كي الوعي». إن العمل على تفكيك السلطة وحلها، أصبحت ضرورة ملحة، لجعل العدو يدفع فاتورة الاحتلال بنفسه. كما أن تشكيل قيادة وطنية موحدة، أو هيئة تنسيقية جامعة، سيساهم بإعادة تطوير أدوات المواجهة وتحسين أدائها.