الحرب «الجديدة» المنسية.. لا تنسوا العراق... فالاحتلال مازال مستمراً
كلما أصابت الإمبريالية الأمريكية أزمة مالية، أو استعصاء ما، أو سقوط ما، سارعت لتنفيذ ضربة هنا وهناك، وإثارة أزمة في بلاد أخرى لتغطي على جرائمها، وتهرول أجهزتها الإعلامية لتضخيم حدث وتتناسى ما هو أكبر وأبشع. لأجل ذلك يجب أن لا ننسى العراق ونبرز استمرار جرائم الاحتلال لكي لا يضيع بين الإعلام والإرهاب والاحتلال والانتخاب.
يقول المحلل السياسي العراقي مكي النزال «إن العالم الغربي الذي ذبح العراق والعراقيين، من خلال ثلاثة عشر عاماً من العقوبات، وسبع سنوات من الاحتلال، يحوم الآن حول ضحاياه، ويعمل على تدمير ما تبقى من العراق من خلال التفجيرات، الاغتيالات، الفساد، الملايين من عمليات الترحيل والإقصاء والاستمرار في تدمير البنية التحتية، ورغم ذلك كله يحاول أن يقدم صورة وردية عن الحالة العراقية».
ولأن أفغانستان أصبحت محط اهتمام الشركات الإعلامية الأمريكية، وبسبب التصعيدين الكبيرين اللذين قادهما الرئيس أوباما خلال حربه في الأشهر الأخيرة، فإن الاحتلال الأمريكي للعراق ضاع في ثنايا الظلال الإعلامية.
وعلى الرغم مما يقال من أن القوات الأمريكية بدأت بالانسحاب تدريجياً من العراق، فقد بقي نحو 130.000 جندي أمريكي، و114.000 مقاول خاص في البلاد «مكتب أبحاث الكونجرس في 9/14/2009»، مع سفارة بحجم مدينة الفاتيكان، ولكن مع أكثر من 400 مدني عراقي يقتلون شهرياً «عدد الجثث في العراق بتاريخ 12/13/2009» كنتيجة عرضية للاحتلال، ويقدّر البعض مقتل مليون عراقي، وكل ذلك لم تتطرق له الصحافة الأمريكية.
ومنذ الأيام الأولى لاحتلال العراق، كان وجود البنية التحتية الأساسية أحد الحاجات الملحة للعراقيين لإنهاء الاحتلال، إضافة لحاجتهم المستميتة للأمن. فوسطياً لم يحصل البيت العراقي يومياً خلال سنوات الاحتلال، إلا على أقل من ست ساعات من الكهرباء، وهناك نقص شديد بالمياه الصالحة للشرب، ويهدد بتشريد نحو 2 مليون عراقي في الجنوب. وهناك انتشار كبير للأمراض. وقد أدت هذه القلة بالكهرباء والماء إلى خروج العراقيين إلى الشارع هاتفين «لا ماء، لا كهرباء في بلد النفط وبلد النهرين».
وأدى هذا الدمار المفتعل بيد الاحتلال إلى انتشار الفساد، بين المقاولين الغربيين الذين تعهدوا ببناء العراق المدمّر، وقد قال وزير التخطيط العراقي علي غالب بابان أواخر السنة الماضية، إن مليارات الدولارات التي صرفتها الولايات المتحدة على عقود فيما يسمى بعقود إعادة الإعمار، لم يكن لها أثر واضح، «ربما صرفوه» لكن العراق لم يتحسن.
سارعت لوس أنجلوس تايمز في كانون الثاني الماضي إلى تسليط الضوء على عدم وجود الكهرباء: «الانتخابات على الأبواب، من الصعب أن يثق الناخبون بزعماء لا يملكون الكهرباء، حتى لو كان مسؤولاً ثانوياً. لكن أكثر الصحف الأمريكية تفادت القضية. وذكرت نيويورك تايمز«إن الأمريكيين يخافون أن لايواصل العراقيون بناء المشاريع».
والأمر الآخر المعقد، هو الجفاف الذي اجتاح شمال البلاد على مدى أربع سنوات، فقد أجبرت قلة الماء على تهجير أكثر من 100.000 شخص من بيوتهم، وحوالي 36.000 على تخوم التشرد «اسوشيتد برس 9/13/2010».
وقد كانت التغطية الإعلامية لأزمة اللاجئين العراقيين الذين يقدرون بحوالي 4.5 مليون لاجئ مهملة.
وبالنسبة للعراقيين الموجودين في البلاد، هناك قضية أخرى هي الإصابات السرطانية، فقد استخدمت الجيوش الأمريكية والبريطانية أكثر من 1700 طن من اليورانيوم المخضب في العراق أثناء الاحتلال في عام 2003، و320 طن في عام 1991 في حرب الخليج. وقد ترافق كل ذلك مع نسب عالية من الوفيات والإصابات السرطانية.
ويقول جلال غازي المحرر في New America Media «لننس الاحتلال، الإرهاب والقاعدة. إن الخطر الحقيقي على العراقيين هذه الأيام هو السرطان. فهو ينتشر بسرعة في العراق. يولد آلاف الأطفال معاقين. ويقول الأطباء إنهم يكافحون من أجل تخفيض نسب الإصابة بالسرطان، والتشوهات الولادية، خاصة في المدن التي تعرضت للقصف الأمريكي والبريطاني العنيف».
وذكر غازي بأنه في الفلوجة، التي تعرضت لحملتين عسكريتين أمريكيتين في عام 2004، حوالي 25% من المواليد الجدد يعانون من تشوهات هامة، وارتفع عدد المصابين بالسرطان في مدينة بابل من 500 حالة في عام 2004، إلى 9000 حالة في عام 2009،، وذكر الدكتور جواد العلي مدير مركز الأورام بالبصرة في عام 2009 أن هناك 1885 حالة سرطانية منذ عام 2005، ويزور مركزه حوالي 1250-1500 حالة كل شهر.
وقد ظهر لدى مواليد الجنود الأمريكيين في حرب 1991 تشوهات ولادية مشابهة جداً لتلك التي ظهرت لدى المواليد العراقيين، ويزعم العديد من الجنود الأمريكيين بأنه تطور لديهم السرطان لتعرضهم لليورانيوم المخضب في العراق. وكل هذه المصائب لم تأت الصحافة الأمريكية عليها، باستثناء بعض المقالات هنا وهناك، وإنما تهرول نحو الانتخابات العراقية لتبرز «الديمقراطية» تحت سلطة الاحتلال، وأية «ديمقراطية»؟؟؟!
ومن خلال كل ذلك تبقى معاناة العراقيين مستمرة، مترافقة مع الحاجة لإيجاد المصادر البديلة للحصول على المعلومات الدقيقة عن الاحتلال.
* كاتب مشارك في مركز أبحاث العولمة