هل ستسحب اليونان معها دول البلقان في سقوطها؟ أنطونيس كاماراس وديميترا مانيفافا

في الخامس عشر من كانون الثاني، تمتع اللقاء بين رئيس الوزراء اليوناني ونظيره البلغاري أثناء تدشين الطريق العابرة للحدود التي تصل بين تيرمس وبين زلاتوغراد، بميزة تجاوزها الزمن. شيءٌ ذكّر بالعام 1995-1996، حين بدأت اليونان بالاستثمار في دول البلقان وتخلت عن الحظر على مقدونيا. بعد خمسة عشر عاماً، أصبحت أثينا فاعلاً اقتصادياً أساسياً في المنطقة. هل ستسحب اليونان معها دول البلقان في سقوطها؟

في العام 1995-1996، بدأت مخاوف قادة الجيش اليوناني من غزو تقوم به الدبابات البلغارية بتسهيل من تحسن البنى التحتية الطرقية الحدودية، ولم يعد الدبلوماسيون اليونانيون في صوفيا يهتمون بالمقدار نفسه بنشاطات المجمعات السلافية- المقدونية جنوبي بلغاريا.

إذاً، وطيلة هذه السنوات، تخلّت اليونان عن مأزق المسألة المقدونية وأصبحت مستعدة لتأسيس علاقات مبنية على المنفعة المشتركة في جنوب شرق أوربا.

قبل يومين من لقاء رئيسي الوزراء، صدر مقالٌ في صحيفة وول ستريت جورنال، مرّ مرور الكرام في اليونان، على الرغم من أنه أضاء على نحو جيد التفاعل الحالي بين اليونان وبلغاريا، وفي جنوب شرق أوربا عموماً.

حلّل هذا المقال كيف باءت آمال بلغاريا في اندماج سريع في منطقة اليورو بالفشل بسبب الأزمة المالية في اليونان. فنتيجة الأزمة اليونانية، أصبح «صقور» التمويل في أوربا الغربية والشمالية «يتحسسون» من كل ما هو بلقاني، في حين أن بلغاريا أصبحت تفرض على نفسها منذ سنوات نهجاً صارماً في مجال الاقتصاد والتمويل. في الحقيقة، الأزمة الاقتصادية في اليونان تهديد للأهداف الوطنية لكل جيرانها، لا لبلغاريا فحسب. لذا، تمثل الأزمة اليونانية الحالية موضوعاً وطنياً حقاً، لكنه إقليمي أيضاً، ينبغي على الزعماء الحاليين لليونان تدبّره.

تهدد الأزمة اليونانية بالانتشار إلى مجمل جنوب شرق أوربا، مثلما رأينا مع المكسيك بالنسبة لأمريكا اللاتينية في العام 1994، أثناء ما دعي بأزمة «التيكيلا». هذا ما تبرهن عليه دراسة أجراها بنك الاستثمار باركليز كابيتال، تحمل عنوان «أزمة الأوزو».

بالملموس:

1. في حال عدم استقرار المصارف اليونانية بفعل الأزمة المالية، سيكون نشاط الإقراض واستقرار الأنظمة المصرفية في بلدان مثل بلغاريا ورومانيا وصربيا ومقدونيا وألبانيا مهددين. وبالفعل، يساهم النظام المصرفي اليوناني بنسبة 10 إلى 20 بالمائة من آليات الإقراض المحلية في هذه البلدان. ظهرت هذه المشكلة في العام 2008، حين طلبت اليونان- على عكس إيطاليا والنمسا- بأمر من وزير اقتصادها ومن البنك الوطني طلبت من مصارفها الموجودة في تلك المناطق عدم منح قروض إلا بمستوى الإيداعات المحلية، ولا أكثر من ذلك. تسبب ذلك بمشكلات ثنائية مع كل من تلك البلدان، وتوجب بعد ذلك التراجع عن هذا الإجراء.

2. تؤجل الأزمة المالية اليونانية دخول كل البلدان المرشحة من أوربا الشمالية والوسطى والجنوبية في منطقة اليورو. وهي تعيق في الحقيقة نجاح هذه الغاية، الأساسية جداً بالنسبة لبلغاريا ورومانيا. هكذا، وبدل تسهيل اندماج جيراننا في الاتحاد الأوربي، وهو مع ذلك أحد الأهداف الأكثر أهمية في سياستنا الخارجية وسياستنا الاقتصادية على المستوى الدولي، فإن وضعنا الحالي يصعب هذا الاندماج.

3. أخيراً، وربما كان الأمر الأكثر أهميةً، يؤدي ضعفنا الواضح إلى تركيز الأسواق الدولية لاهتمامها على بلدان أخرى مقاربة لليونان، وهي تضغط على عملاتها وعلى أسواقها المالية.

إغلاقات، تخفيض عدد العاملين والحد الشديد من الاستثمارات هي العواقب الأكثر خطورةً للأزمة الاقتصادية على الشركات التي تمتلكها مصالح يونانية نشيطة في بلدان جنوب شرق أوربا. بلغاريا مثالٌ مميز. العواقب الأكثر حدة تخص قطاع البناء. وفق غرفة البناء البلغارية، ربما تغلق 15 بالمائة من شركات البناء النشيطة في البلاد أعمالها في العام 2010.

كما أن انعكاسات الأزمة أكثر وضوحاً حين ننظر إلى العناصر التي تخص الاستثمارات المباشرة في بلغاريا. وفق معطيات مؤقتة من معهد الإحصاء الوطني في بلغاريا، في الفترة الواقعة بين كانون الثاني وتموز 2009، لم تبلغ الاستثمارات اليونانية المباشرة إلا 69.6 مليون يورو، أي أقل بأربع مراتٍ على الأقل من أرقام النصف الأول من العام 2008، والتي بلغت 287.7 مليون يورو. على الرغم من هذا الانخفاض، لا تزال اليونان تحتل المرتبة الثالثة بين المستثمرين الأجانب في بلغاريا بعد النمسا وهولندا، وفق المصرف الوطني في بلغاريا.

في رومانيا، تمثلت المشكلة الرئيسية التي صادفت الشركات اليونانية في نقص السيولة. هنالك ما مجموعه 577 شركة يونانية ومختلطة، ويغطي نشاطها مجالاً واسعاً، من البناء إلى تجارة السلع الدينية. وفق تقديرات السوق، قلصت شركات عديدة العاملين لديها، ما أدى إلى خسارة 10 آلاف وظيفة في سنة واحدة. وفق البنك الوطني في رومانيا، بلغت الاستثمارات المباشرة اليونانية 3.1 مليار يورو، ما يعادل 6.5 بالمائة من مجمل الاستثمارات المباشرة في البلاد. في العام 2008، كانت هذه الاستثمارات قد انخفضت انخفاضاً كبيراً، وتواصل ذلك في العام 2009.

في مقدونيا، يمثل استمرار ارتفاع نسبة البطالة (أكثر من 30 بالمائة) مشكلة أساسية، سواء بالنسبة للمجتمع المقدوني أم، بطبيعة الحال، بالنسبة لروح الشراكة، نظراً لأن غياب العوائد يترجم بانتكاسة في الاستهلاك. في مقدونيا، هنالك نحو 280 شركة يونانية، وبلغ معدل الاستثمار في العقد الأخير مليار يورو.

طالما تتواصل الأزمة المالية في اليونان، فهنالك خطر في أن يعاني جيراننا، من صربيا إلى تركيا، من هجمات زعزعة للأسواق، بعواقب كارثية حقاً على اقتصاداتها، وكذلك على استقرارها السياسي.

في العام 1989، العام المفصلي لسقوط الشيوعية في دول جنوب شرق أوربا، كان المستثمرون اليونانيون ينظرون إلى المنطقة بوصفها فردوساً يقع على أبوابهم وعند حدودهم. بعد عشرين عاماً، تغيرت الشروط في هذه البلدان كما تغير في اليونان الفردوس البلقاني الذي لم يعد إلا وهماً.

■ موقع أبحاث العولمة