الخدعة الكبرى!

جاء انطلاق «محادثات التقارب» أو المفاوضات غير المباشرة، على وقع قرارات بناء 112 وحدة سكنية في مستعمرة «بيتار عيليت»، ومع التنفيذ المنهجي لإلحاق المقدسات الإسلامية «الحرم الإبراهيمي» في مدينة الخليل، ومسجد «بلال بن رباح» في مدينة بيت لحم، الخاضعتين للاحتلال، بالتراث اليهودي، الذي يتم تصنيعه بما يتلاءم مع الخرافات، التي وظفها حاخامات التضليل والتزوير والهيمنة، لتغطية برنامج الحركة الصهيونية الإحتلالي. جاء كل ذلك، في الوقت ذاته الذي قدمت فيه لجنة المتابعة العربية في اجتماعها الأخير بالقاهرة «الفرصة الأخيرة» المحددة بأربعة أشهر للعودة للمفاوضات غير «المبشرة بالخير»!، للتدليل على «حسن نوايا» النظام الرسمي العربي تجاه فرص «السلام» السرابية، والتي وفرت من خلالها حكومات «الإعتلال» الرسمية، الغطاء لسلطة رام الله المحتلة بالإعلان عن موافقتها العودة للمفاوضات. وقد استقبلت حكومة العدو الموقف العربي الرسمي الذي عبرت عنه لجنة المتابعة العربية، بترحاب شديد، عبّر عنه نتنياهو بتقديره لحالة «النضوج» في التعامل مع حقائق الأمر الواقع. فالقرار الرسمي، شكل مكافأة لإجراءات حكومة العدو الاحتلالية الوحشية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصة، فيما يخص بناء المستعمرات.

عادت قيادة السلطة لمحادثات التقارب بعد أن تنكرت لكل مواقفها المعلنة، حول ضرورة الوقف الفعلي لبناء المستعمرات، ولتوسيع القائم منها، في عموم الضفة المحتلة وفي القلب منها مدينة القدس ومحيطها، قبل الذهاب لأية صيغة من المفاوضات، وهو مايشكل خرقاً للقرار الصادر عن المجلس المركزي الذي أوصى بعدم استئناف المفاوضات دون وقف الاستيطان واعتماد مرجعية وإطار زمني محدد لها. لقد حرصت قيادة سلطة «المفاوضات حياة» على التسلح الشكلي بقرارات القوى المشاركة في اللجنة التنفيذية، بعد أن أقرت في اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح برام الله على ضرورة الذهاب للمفاوضات. وعلى الرغم من معارضة ورفض بعض القوى المشاركة في تنفيذية المنظمة الذهاب لتلك المفاوضات، إلاّ أن رفضها تم تسجيله بمحاضر الاجتماع، ليخرج بعدها ياسر عبد ربه ليعلن في مؤتمر صحفي عن (موافقة منظمة التحرير اجراء مفاوضات غير مباشرة مع اسرائيل برعاية الولايات المتحدة)، مضيفاً أن (هذا التوجه من قبل القيادة الفلسطينية تم اتخاذه مع وجود اعتراض او عدم موافقة وتحفظ من قبل عدد من الاخوة في الفصائل واعضاء اللجنة التنفيذية على هذا القرار).

الرعاية الأمريكية لم تفاجئ المراقبين، نظراً لانحياز هذا الراعي الدائم لجانب حكومة العدو. فقد اعتبر «فيليب كراولي» المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، شروع حكومة العدو ببناء الوحدات السكنية الجديدة بالخطوة التي (لا تنتهك إعلانها تجميداً محدوداً للاستيطان، لكنها نوع من الأعمال التي يتوجب على الجانبين الحذر بشأنها وهما يدخلان محادثات السلام غير المباشرة). أما عندما تتحدث وزيرة الخارجية «كلينتون» عن التحركات الجماهيرية الرافضة لمخططات حكومة العدو في القدس والخليل، فإنها توجه للسلطة رسالة تحذير وتنبيه بأن ما يجري في القدس والأقصى (كان ثمرة تحريض على «إسرائيل»). ومن هنا فإن استجابة السلطة، ومعها بعض الحكومات العربية للذهاب للمفاوضات في ظل هذا النهج الأمريكي، يشير إلى مكاسب سياسية ستحصدها حكومة العدو، بجانب تثبيت الحقائق المرة على أرض الواقع. وبهذا تؤكد قيادة الحكم الذاتي مجدداً، بأن ذهابها للمفاوضات، جاء متوافقاً ومنسجماً مع حواراتها التي لم تنقطع مع طواقم حكومة ومؤسسات العدو، سواء بالغرف السرية داخل الفنادق، أو في مراكز الدراسات والبحوث الأمريكية.

لقد أوضحت التجربة المريرة على مدى أكثر من سبعة عشر عاماً من المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة، من خلال الوسطاء، أن كل التنازلات التي تأخذنا لها سلطة أوسلو، قد ألحقت بشعبنا وقضيتنا أفدح الأضرار، إذ نقلت المشروع الوطني التحرري لشعبنا من قضية مواجهة الاحتلال والنكبة، إلى هوامش على سفر القضية. لقد أدخلتنا تلك السلطة في متاهات، المفاوضات، اتفاق أوسلو، خارطة الطريق، التنسيق الأمني، وتجميد البناء في المستعمرات، وغيبت بشكل مقصود الجهد الجماعي لشعبنا في مواجهة الكيان الصهيوني، واحتلاله لأرضنا وتشريده لشعبنا.

آن الأوان لأن تشارك قوى شعبنا، السياسية والمجتمعية برفض كل أشكال الخداع. لأن الخدعة الكبرى التي وصف فيها صائب عريقات مهزلة تجميد بناء المستعمرات، ماهي سوى محطة بارزة وراهنة في مسلسل الخديعة. فاحتلال ونكبة عام 1948، أنتج تلك الخدع. لكن الأخطر من كل ذلك الدور الذي يتبوؤه أولئك المخدوعون!