نستطيع هزيمة العدوان
مع صدور قرار مجلس الأمن بتوقيع العقوبات الظالمة الجديدة على إيران، وقبله بقليل، شهدت منطقتنا عدداً من الأحداث أهمها عبور عدد كبير من القطع البحرية الأمريكية والصهيونية لقناة السويس متجهة الى الخليج أي صوب إيران. في لقائه مع أوباما أعلن ملك السعودية تأييده للعقوبات. عملية التجسس في لبنان. عدوان قوات الكيان على أسطول الحرية. استمرار حصار غزة. وغير ذلك من الأحداث الجسيمة، دون أن تعيرها قوى اليمين العربي الحاكمة وغير الحاكمة أى اهتمام.
نذر الحرب تلوح وتتصاعد:
لا يمكن التعامل مع هذه الأحداث بمعزل عن الوضع العالمي، واشتداد أزمة الرأسمالية، وتداعياتها على البلدان الامبريالية وعلى العالم، وعلى بلداننا خصوصاً.
الأساليب المختلفة والعناصر الضاغطة:
رغم أن الرأسمالية الامبريالية تسير على خطين مختلفين في كيفية مواجهة الأزمة، أولهما تبني تحميل الطبقات العاملة وكل الفقراء عبئها، والآخر هو التهيئة للحرب، غير أن التطورات الموضوعية تضغط حتى على البلدان التى تريد تجنب الحرب– ولو إلى حين– وعياً بدروس نتائجها حتى الآن، خصوصاً مع تصاعد الصراع الطبقي فيها. لكن العنصر الضاغط بفعالية كبيرة لعدوان قد يشمل إيران وسورية ولبنان وغزة– بالتزامن أو التتابع– هو الكيان الصهيوني، الذي لا يتصور إمكانية لاستمرار وجوده في حال انهيار الرأسمالية كنظام من ناحية، ولكونه كياناً كان الهدف من إقامته هو زرع الغرب الرأسمالي الاستعماري في الشرق العربي، ليكون ضماناً لاستمرار الهيمنة. وبالتالي فإن هذا الكيان هو في حقيقته قاعدة عسكرية وظيفتها الكامنة في طبيعتها هى الحرب كرهان وحيد من ناحية أخرى، حتى لو أدى ذلك لاشتعال المنطقة كلها.
معطيات:
في ظل مأزق الرأسمالية، خصوصاً الولايات المتحدة، وإذ تنحسر الخيارات والحيل الغابرة فإن الخيار الوحيد الباقي يكون المغامرة. وهو ما يدفع الكيان الصهيوني باتجاهه.
من زاوية الجغرافيا السياسية فإن الإقليم العربي الإسلامي الممتد من أفغانستان حتى موريتانيا هو قلب العالم. إذ يطل ويتداخل ويلتحم مع كل المسارح الاستراتيجية في آسيا وأوربا وافريقيا (الصين في شرق آسيا– الهند في جنوب آسيا– روسيا شمال آسيا والنصف الشرقي من أوربا– أوربا في الشمال من البحر المتوسط- إفريقيا كلها في الجنوب). ليس الموقع الاستراتيجي للإقليم، وكذا ثرواته النفطية الهائلة، هما وحدهما ما يشكلان أهميته الحاسمة، إذ يحتوى الإقليم على ثروات معدنية هائلة، جانب كبير منها لازمة لصناعات عصر الفضاء، وهي معادن تم استهلاكها تقريباً في أمريكا، ويكفي الإعلان المبهم الصادر عن الأمريكيين باحتواء الأراضي الأفغانية على ثروات معدنية تساوي قيمتها ثلاثة تريليونات دولار. بسبب هذه المعطيات فإن مغامرة الحرب واردة، بل شبه مؤكدة لارساء الهيمنة الصهيو– أمريكية على المنطقة، وفرض ما يسمى بمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أوقفه انتصار حزب الله على العدو الصهيوني في حرب يوليو 2006. كما أوقفه صمود سورية وصلابة إيران.
قضايا ملحة :
يدرك الجميع عمق علاقات أمريكا بالكيان الصهيوني، لكن الأهم هو ضرورة ادراك أن هذه العلاقات تفوق العلاقات الاستراتيجية المألوفة. لأنها بلغت حد الاندماج الاستراتيجي الكامل بينهما. كما أن الاندماج الاستراتيجي بين الكيان وأهم بلدان الغرب الامبريالية يحقق تقدماً ملموساً.
أن ذلك ناتج عن طبيعة الامبريالية في هذه المرحلة، أي بلوغ الرأسمالية أقصى درجات توحشها وانحطاطها. وأن الكيان نفسه منتج امبريالي منذ البداية. ولذلك فإن الصراع ضده لابد وأن يمتد إلى النضال ضد الرأسمالية كنظام، عدواني ومتوحش. كما أنها في ظل العولمة الجارية مثل شبكة هائلة من الأنابيب المتصلة ببعضها البعض، وبالتالي فإن الرأسمالية والتيارات الليبرالية في بلداننا تتشابك مصالحها موضوعياً مع الامبريالية والصهيونية، وهو ما يتطلب نضالاً حاسماً ضد الرأسمالية على المستويين العالمي والمحلي على السواء.
إن ذلك يفرض تلاحماً كاملاً بين كل قوى وبلدان المقاومة المستهدفة بالعدوان ومجمل الشعوب في اقليمنا العربي– الإسلامي، للتصدي للعدوان باستخدام كل الوسائل لإيقافه وهزيمته فيما لو حدث.
إن الكيان الصهيوني يعاني الآن أكثر من أي وقت مضي من انتقادات وادانات من بلدان،
ودوائر شعبية تتسع بشكل مستمر في العالم أجمع. وكادت تنتهي أكذوبة الأخلاق اليهودية وأخلاقيات الجيش الصهيوني التي تم ضخها في العالم كله طوال عقود. وواجبنا هو استثمار ذلك بتوسيع التأييد الشعبي لقضيتنا عالمياً، وليس بترديد مطالب تنفيذ قرارات الشرعية الدولية الوهمية، واستجداء تحسين شروط المذلة. ولكن بطرح وشرح وتوضيح الحقيقة التي غابت بفعل الزمن، وبفعل خيانات الصلح والتطبيع ورسائل التهنئة لرئيس الكيان بمناسبة ما يسمى عيد الاستقلال كما فعل مبارك (وكأن فلسطين قد استقلت عن شعبها!). فما غاب بفعل كل ذلك، وما تجهله أجيال ودوائر واسعة من الرأي العام العالمي (الشعبي) هو كيفية قيام هذا الكيان. إذ على مدى عقود قدم هذا الكيان نفسه باعتباره «حركة تحرر وطني»، وتم طمس حقيقة أن عصابات من الغرباء قامت باغتصاب فلسطين وقتل وتشريد شعبها. وللأسف فإن أحداً لم يتصد لرئيس وزراء العصابات الصهيونية حينما أعلن أنهم ليسوا غزاة وإنما عادوا إلى أرض أجدادهم!!
لذلك فإنه يلزم صياغة وافية وواضحة لموضوع اغتصاب فلسطين وكيف حدث. يتم الاتفاق عليها بين دائرة من المهتمين بتحرير فلسطين. يتم ترجمة الموضوع إلى عشرات اللغات، ويرسل إلى مئات الملايين في كل بلدان العالم بالبريد الالكتروني. لتجاوز مرحلة مجرد استجداء العطف على أصحاب الحق.
إن الإعلان عن الشروع في هذا العمل كفيل بحشد ملايين الشباب لانجازه، كما أنه كفيل بانجاز تعبئة شعبية عالمية واسعة، وسوف يؤدى إلى شحذ الفكر لمبادرات أكثر فعالية ونضجاً، وتواصلاً واسعاً مع الشعوب التي تعاني من القهر الامبريالي.
إن حشد وتعبئة الجماهير للتصدي للعدوان المحتمل، ومنعه أو هزيمته، والنضال ضد الرأسمالية الامبريالية والصهيونية والطبقات الرأسمالية الحاكمة وغير الحاكمة في بلداننا، وضد التطبيع مع العدو ومن يقومون به، والتواصل مع القوى الشعبية عالمياً، ودحر دعاوى الاستسلام وتحسين شروطه، هي خطوات على طريق الانتصار والتحرير.