ستريكو ميقري ستريكو ميقري

الشباب اللبناني يصرخ: «الدين لله والوطن للجميع»

لم يخرج لبنان عن دائرة حركات الاحتجاج التي شهدها ويشهدها العالم العربي حالياً, فقد تظاهر مئات اللبنانيين في بيروت ضد نظامهم الطائفي وذلك تلبية لدعوات كثيرة من شباب لبناني على موقع الفيس بوك, وقد ردد الشباب المتظاهر هتافات «ثورة ثورة وين ما كان هلق دورك يا لبنان» و«ما بدنا طائفية بدنا دولة مدنية» و«خلصنا طائفية دم وحروب أهلية!» و«يلا يا لبنانية ثوروا على الطائفية!».

ولكن ما الذي دفع هؤلاء الشباب إلى التظاهر فجأة ودون سابق إنذار, ولماذا انتفضوا الآن سعياً منهم لتغيير أحد الأركان الأساسية التي استند إليها لبنان منذ تشكله كدولة منذ بداية العشرينيات وهو «الطائفية التوافقية».

لقد جاء في اتفاق الطائف الذي وقعه اللبنانيون عام 1991 نص يدل على آلية لإلغاء الطائفية السياسية، تبدأ من خلال تشكيل الهيئة الوطنية برئاسة رئيس الجمهورية من أجل البحث في آليات الإلغاء, وقد طرح السيد نبيه بري منذ الاجتماع الأول لمجلس النواب الحالي اقتراحاً بتشكيل لجنة لإلغاء الطائفية في لبنان, لكنه جوبه برفض شديد من مختلف الطوائف مما دفعه إلى السكوت وسحب اقتراحه.

وكان الشيوعيون في مختلف البلدان العربية من أوائل القوى السياسية التي اعتمدت مقولة «الدين لله والوطن للجميع» كمنهاج عمل لها في نضالاتها السياسية, ويبدو للعيان الآن أن النظام القائم في لبنان المعقد الذي يضمن توازناً حساساً بين الطوائف المسيحية والمسلمة الـ18 في البلاد قد دخل فعلاً في نفق مظلم ذلك أنه بسبب الحفاظ على ما يسمى بـ«الديمقراطية التوافقية» تعطل عمل الحكومة اللبنانية خلال 5 سنوات سابقة وحتى الآن ويعاني الشعب اللبناني بمختلف طوائفه معاناة شديدة في حياته المعاشية التي أصبحت لا تطاق.

شعر الشباب اللبناني المكون من كل طوائف ومذاهب وأطياف الشعب اللبناني بحسه الوطني ونتيجة لما يعانيه من مشاكل لا أول ولا آخر لها وانسداد الآفاق أمامه أنه لا خلاص له منها إلا بإعادة الأمور المقلوبة الواقفة على رأسها من أن تعود لرشدها وتعود لتقف على رجليها وأن استمرار هذا النظام الذي ولد الحروب الأهلية في وطنه سيبقى يولد الأزمات السياسية التي تتفاقم مع الأيام لتتوج بحرب لا تبقي ولا تذر، وقد ملوا منها حقيقة. والمشكلة الكبرى التي يقع فيها الشباب اللبناني وقد أدركها بفضل وعيه العام أن العوامل التي تؤجج النزعات الطائفية لم تعد تقتصر على العوامل الداخلية بل هناك عوامل خارجية أشد منها تفعل فعلها في هذا التأجيج تنفيذا لبروباغندا خارجية تستهدف المنطقة عبر المخططات الصهيو أمريكية الهادفة إلى إنشاء ما كان يسمى بالشرق الأوسط الجديد .

لقد اتضحت الأمور حالياً بفعل انتفاضات الشعوب العربية بقيادة شبابها في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين والأردن وأصبح من الضروري والهام جدا لاستمرار العيش المشترك في لبنان أن تجرى تغييرات لا بد منها لاستبدال الواقع القائم بواقع جديد، يكون الولاء فيه للوطن وليس للطائفة، للكفاءة وليس للمحسوبية، ويكون فيه الالتزام وليس الاستزلام هو السبيل إلى قيام الدولة اللبنانية الجديدة المنتظرة.

ومما لا شك فيه أن الشباب اللبناني الواعي قد أدرك أن الشرط الأساسي الذي يعتبر الركن الذي سيقوم عليه ويستمر فيه لبنان هو نظام سيادي سياسي ديمقراطي لا وجود للطائفية فيه جذع خال من أية أغصان طائفية ومذهبية.

كما أثبتت أجيال الشباب في مختلف البلدان العربية إنها القوة الوحيدة القادمة والقائدة والقادرة على إحداث تلك التغييرات الضرورية كي تعيش في بلدان تصان فيها فعلا كرامة الوطن وكرامة المواطن، هذان الجناحان اللذان إن قصصت أحدهما ضاعا معا في هاوية تصبح تكلفة الخروج منها باهظة جداً بحق الوطن ومواطنيه.