زلزال أيوب
يوم السادس من أكتوبر/تشرين أول هذا العام، لم يكن ذكرى حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 فقط. هذه الحرب التي شهدت معارك طاحنة في الجو والبر والبحر، سَطـّر فيها المقاتل العربي على أكثر من جبهة، بطولات مجيدة، شهد له فيها العدو قبل الصديق. هذه البطولات، التي تكللت بانتصارات، أهدرها «سادات «مصر، بقرارات وإجراءات، وخطوات الاستسلام للعدو وإخراج مصر العروبة من المواجهة مع عدو مصر وعدو الأمة، كيان العدو الصهيوني.
ذكرى الحرب في هذه السنة، حملت انتصاراً نوعياً جديداً باختراق طائرة دون طيار حلقت لأكثر من 300 كيلومتر ولعدة ساعات داخل أجواء فلسطين المحتلة البحرية والبرية، محلقة فوق عدة مناطق استراتجية للعدو الإمبريالي/الصهيوني. وقد جاء تبني حزب الله لعملية «الروبوت الجوي» لينهي أياماً من القلق، عاشتها القيادات الحربية والأمنية والسياسية داخل فلسطين المحتلة وخارجها. لم تكن الطائرة _ رغم نوعيتها ومواصفاتها الاستثنائية _ العملية الأولى في مسار صراع المقاومة اللبنانية مع العدو، لأن هذا المسار شهد إنجازات هامة في السنوات السابقة.
في العام 1987 دخل مقاتل من القوات الخاصة في «حزب الله» إلى شمال فلسطين المحتلة بواسطة طائرة خفيفة، ولم يتم اكتشافه، لأنه استطاع الهبوط بالقرب من معسكر للتدريب، حيث تمكّن من قتل 6 جنود للعدو قبل أن يستشهد. وفي أبريل/نيسان عام 2005 حلقت طائرة من طراز «مرصاد» لمسافة 30 كلم داخل الوطن المحتل، ثم استدارت عائدة إلى المجال الجوي اللبناني . كما أن وسائل الإعلام الصهيوني داخل الوطن المحتل، أشارت عدة مرات إلى قيام «حزب الله» بمحاولة إدخال طائرات من هذا النوع الى شمال الأراضي المحتلة في الأيام الأخيرة من حرب تموز2006، حين قامت طائرة «أف 16» ومنصة دفاع جوي صاروخية من طراز «بانتر» بتفجير طائرتين من طراز «أبابيل» تحملان مواد متفجرة بزنة 40 إلى 50 كيلوغراما كانتا تستهدفان مواقع استراتيجية داخل كيان العدو.
كشف نجاح الطائرة بالتحليق لأكثر من 150 دقيقة فوق مياه البحر المتوسط، عن عجز وإخفاق رادارات الأساطيل البحرية الصهيونية والأمريكية، تحديداً، عن إكتشاف مرور الطائرة فوق المسطحات المائية، بما تحمله من بوارج وسفن ومعدات عسكرية، وما تختزنه أعماقها من ثروات استراتيجية هامة «حقول الغاز المفترضة». كما استطاعت الدخول للبر الفلسطيني المحتل من جهة الجنوب، والتحليق فوقه لأكثر من 25 دقيقة، قطعت خلاله حوالي 57 كم، لتقترب من غلاف مفاعل ديمونا، لتقوم الطائرات من طراز ف 16 بإسقاطها، ليس بالصاروخ الأول الذي وجهته لجسم الطائرة، بل بالصاروخ الثاني، الذي حول الطائرة إلى شظايا.
لقد أسقطت عملية الطيران والاختراق الناجحة، ادعاءات العدو، بقدرته «الخارقة» ليس على إسقاط الأجسام الغريبة التي تحلق في أجواء كيان مستعمرته الكبيرة ومياهه الإقليمية، بل _ كما مارس غطرسته خلال عقود_ على كشف أي تحركات في دول الجوار/الطوق !.كما عجزت «القبةالحديدية/الفولاذية» وأجهزة الالتقاط في الدرع الصاروخي وشبكاته الأمريكية/الصهيونية عن رصد الطائرة، التي لم تستطع كل التكنولوجيا المتقدمة في المعدات العسكرية، التعرف على نوعية المادة المصنعة لها. لقد قاد عدم التعرف على «البصمة» الحرارية الخاصة بالطائرة، رادارات القوى العسكرية المعادية، إلى العجز عن مشاهدتها، كما أدى بصاروخ طائرة الإف 16 الأول ليفقد التوجه نحو الهدف. الإختراق والطيران لهذه المسافات فوق أكثر المناطق الاستراتيجية والعسكرية، لم يكن هو الإنجاز الوحيد رغم أهميته. بل إن حجم الصور التي التقطتها أجهزة الطائرة فوق كل المناطق التي سارت فوقها، وإرسالها أولاً بأول إلى قاعدة انطلاقها، وخبراء تشغيلها، هو النجاح الأبرز في العملية . إذ قدر العديد من الخبراء العسكريين والاستراتيجيين، داخل الكيان وخارجه، أن وصول هذه المعلومات لحزب الله ولإيران، سيؤدي لإحداث تغييرات جوهرية في العديد من القواعد والمواقع والتشكيلات وأنظمة الإتصال، مما سيؤثر سلباً على «لغة التهديد والوعيد» بشن حرب على بعض دول المنطقة، وعلى قوى المقاومة.
الصدمة التي أحدثتها العملية النوعية الجديدة لم تنعكس فقط على كل المستويات الأمنية والسياسية داخل كيان العدو، بل امتد صداها وأثرها خارج حدود فلسطين المحتلة لتصل لأكثر من عاصمة أوروبية. يوم الأحد 14 /10 كشفت صحيفة صاندي تايمز البريطانية أن الطائرة الصغيرة دون طيار التي أرسلها حزب الله وحلقت في أجواء فلسطين المحتلة الأسبوع الماضي «تمكنت من بث صور تظهر الاستعدادات للتمرين المشترك الكبير الذي يجريه الجيش «الاسرائيلي» مع الجيش الأمريكي» وهو ماأكده رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي، بقوله «إن المناورات العسكرية بين الجيشين الأمريكي والاسرائيلي تنتهي في غضون أسبوعين «.كما أشارت الصحيفة إلى «أن الطائرة التقطت ايضاً صوراً لمواقع صواريخ باليستية ومطارات وربما للمفاعل النووي في ديمونا «.
إن الطائرة التي حملت أجهزة متطورة ومعقدة للغاية، سواء من حيث القدرة على الإنطلاق دون تحديد المنطقة التي انطلقت منها، ومتابعة التوجيه، واختيار الممرات، والتقاط الصور واستلامها الفوري، ومن ثم القدرة على تحليلها، والأهم، عجز وفشل العدو بإنزالها على الأرض ، لتفكيكها وتحليل شيفرتها وبرامجها _ كما حصل بالطائرة الأمريكية «روبوت جوي «أنزلته الدفاعات الجوية الإيرانية، شرق البلاد، في أوائل ديسمبر/ كانون أول 2011، وقامت بتفكيكه والاستفادة من تقنيته_ إن هذه الطائرة وبكل المواصفات السابقة، قادرة على حمل أكثر من مائة كيلو غرام من المتفجرات، ومن التزود بعدة صواريخ، موجهة ومتفجرة، في الوقت الذي تختاره المقاومة .
لقد وجهت المقاومة من خلال عمليتها النوعية تلك، أكثر من رسالة لأعداء المقاومة داخل كيان العدو وخارجه، بل لبعض القوى التي اعتقدت أنها قادرة على اشغال قوى المقاومة ومناضليها بمعارك «جانبية» تشغلهم عن المهمة الأولى والأساس: تطوير أجهزة القتال مع عدو لبنان والمقاومة والأمة. ولهذا، جاءت الحملة على هذا الإنجاز الكبير والمشرف الذي حققه خبراء التكنولوجيا والتصنيع الحربي، ليكشف ارتباط أعداء المقاومة بمشروع تدميرها الاستعماري/الصهيوني/الرجعي، من أجل إعادة الوطن والأمة لمرحلة الاستعمار المباشر.
لم يؤد استشهاد القيادي البارز في حزب الله، وأحد المسؤولين عن تطوير قدراته القتالية الجوية «حسين أنيس أيوب» في 4 / 3 / 1996، ليوقف العمل في هذا المجال. فقد شكل استشهاده، دافعاً للتقدم على إعداد مئات الكوادر المتخصصة، والمتفرغة لتحقيق إنجازات علمية وقتالية في الطيران والدفاع الجوي . فقد أضاء الحزب نجمة دائمة في سماء الوطن، بإطلاق اسم شهيده «حسين أيوب» على هذه العملية، تكريماً لجهوده وتضحياته في هذا الطريق .