«النهضة» التونسي من «انفتاح» الجبالي إلى تشدد العريض
لم تستطع الحكومة التونسية المستقيلة حل عقد الأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد، مما أدى لتعمق الأزمة وانتقالها إلى مستوى أعلى من التعقيد الذي يسمح لكل القوى المتشددة والظلامية والإقصائية بالظهور والتربع على ساحة العمل السياسي التونسي .
جاء اغتيال المعارض الوطني اليساري شكري بلعيد كتعبير عن تعمق الأزمة السياسية بالبلاد وانسداد أفق الحل أمام السلطات التونسية الجديدة، ونتيجة لذلك أعلن حمادي الجبالي ( محاولاً استباق انفجار كبير قد يطيح بحركة النهضة والأحزاب المتحالفة معها بالحكومة) استقالته من رئاسة الحكومة في تونس وذلك بعد فشل مبادرته بتشكيل حكومة كفاءات وطنية، وجاءت استقالة الجبالي بعد مباحثات مع الرئيس المنصف المرزوقي وعدد من قادة الأحزاب.
وقال الجبالي في كلمة ألقاها يوم الثلاثاء 19شباط، إن استقالة رئيس الحكومة وفشل مبادرة تشكيل حكومة تكنوقراط لا يعني فشل تونس و»الثورة»، مؤكداً أنه لن ينخرط في تجربة جديدة إلا إذا كانت حكومة «تخدم فقط مصالح الشعب بعيدة عن التجاذبات الحزبية». وفي السياق نفسه وضمن محاولات النهضة لاستيعاب الغضب الجماهيري المتزايد بسبب سياسات الحكومة، أعلن حزب النهضة التونسي الجمعة 22 شباط ترشيح وزير الداخلية علي العريض لرئاسة الحكومة الجديدة لخلافة حمادي الجبالي الذي كان قد رفض ترؤس الحكومة الجديدة بعد فشله لتشكيل حكومة كفاءات وطنية.
وادعى علي العريض رئيس الوزراء التونسي الجديد ووزير الداخلية سيىء الصيت في حكومة الجبالي، أنه سيبدأ مشاورات لتشكيل حكومة جديدة «ستكون حكومة كل التونسيين». ودعا العريض التونسيين إلى العمل معاً لتحقيق أهداف الثورة! واختارت حركة النهضة الإسلامية، علي العريض، وهو من الجناح المتشدد في الحركة الإسلامية، لشغل منصب رئيس الوزراء، وأوضح العريض في كلمة للشعب «سندخل في مشاورات لتشكيل حكومة جديدة.. ستكون حكومة لكل التونسيين.»
وفي ردود القوى السياسية المعارضة حول تشكيل الحكومة الجديدة والوضع بالعموم، قال عبد العزيز المسعـودي عضو الهيئة التنفيذية لحزب «المسار الديقراطي الاجتماعي» في حديث لقناة «روسيا اليوم»، إن تعيين علي العريض رئيساً للحكومة مكان الجبالي جاء على عكس توقعات أغلبية القوى السياسية الفاعلة في البلاد. وحمل حركة النهضة مسؤولية فشل الحكومة وتأزم الوضع السياسي في البلاد مشيراً إلى أن النهضة لا تريد تشكيل حكومة كفاءات وتسعى للعودة إلى المربع الأول لتكوين حكومة تطغى عليها التجاذبات السياسية ما يجعلها تبتعد عن أهداف الثورة وعن خدمة الاستحقاقات التي ينتظرها الشعب..
ويواجه العريض انتقادات حادة بسبب قمعه للاحتجاجات عندما كان وزيراً للداخلية، كما تنتقد المعارضة الوطنية تساهله مع عنف المتشددين السلفيين، مما ساهم في تفشي العنف السياسي في البلاد وانتهى بمقتل بلعيد على يد مجهول. وفي هذا السياق قال نجيب الشابي زعيم الحزب الجمهوري العلماني: إن العريض ليس رجل وفاق وهو شخصية خلافية مضيفاً إنه يتحمل إخفاقات كبيرة أثناء عمله على رأس وزارة الداخلية. كما تحدث محمود البارودي القيادي في التحالف الديمقراطي قائلاً: «العريض عنوان للفشل وهو يتحمل مسؤولية التسامح مع العنف ضد الحقوقيين وإفساد اجتماعات المعارضة واغتيال بلعيد.» وحذر من أن تعيين العريض يزيد تأزم الأوضاع ويرفع حالة الاحتقان معتبراً أن «السياسة الفاشلة للنهضة انتصرت.»
وانتقدت الجبهة الشعبية التي انتمى لها بلعيد قبل اغتياله، تعيين العريض رئيسا للوزراء حيث قال زياد لخضر القيادي بالجبهة: «القرار يعمق الأزمة لأن العريض ترأس وزارة تتحمل مقتل شكري بلعيد وتتحمل مسؤولية العنف الذي انتشر في البلاد».، كما دعا حمة الهمامي القيادي في الجبهة وحزب العمال الشيوعي التونسي إلى مؤتمر إنقاذ وطني رافضاً التعايش مع قوى الفساد والقمع على حد تعبيره.
يبدو حتى اللحظة أن حجم التناقضات و درجة تعقيدها في تونس تصعب مخاض المرحلة الانتقالية تجاه بناء تونس الجديدة الوطنية المدنية التي تجعل كرامة الإنسان في مقدمة أهدافها، المخاض الذي سيلد تونس قوية ذات السيادة الوطنية المستقلة.