ممثل التيار اليساري الوطني العراقي لـ«قاسيون»: اللعب على «الطائفي» أبعد الجماهير عن «الطبقي» ودفعها إلى «صراع هويات»

التقت قاسيون ممثل التيار اليساري الوطني العراقي، وعضو لجنة العمل اليساري العراقي المشترك، الرفيق صباح الموسوي على هامش زيارة سريعة قام بها إلى دمشق وكان هذا اللقاء من إعداد وحوار معن خالد.

• الرفيق صباح موسوي، ما طبيعة الحراك الشعبي في العراق، بنيته، اتجاهاته العامة، ومدى انتشاره؟

كما تعلمون بدأ الحراك الشعبي في العراق في 25 شباط 2011، وقد اشترك في هذا الحراك قوى متنوعة ولكنه ظل حراكاً محدوداً ونخبوياً ومنعزلاً ولم يتحول إلى حراك جماهيري بشعارات جامعة، وقبل هذا التاريخ كانت هنالك ارهاصات على شكل تظاهرات واعتصامات في مختلف المدن العراقية كالبصرة، والناصرية، وكربلاء، والنجف، والسماوة، والموصل، والرمادي، كما انطلقت حراكات قوية في السليمانية وأربيل، جوبهت هذه التحركات وخصوصاً حراك 25 شباط  بالحديد والنار. ثم شهدنا إضرابات عمالية كإضرابات عمال النفط في البصرة، وشهدنا مجموعة من المظاهرات التي ترفع مطالب محددة مثل إطلاق سراح المعتقلين أو المطالبة بتحسين وضع المتقاعدين أو البطالة، وظلت معظم هذه التحركات ترفع قضايا مطلبية محددة ولم يتحول الحراك العراقي إلى مستوى الانتفاضة الشاملة للجماهير على مستوى الوطن، وساهم عاملان في إضعاف هذا الحراك: دخول بقايا النظام السابق بمجموعات صغيرة ومعزولة على الحراك لركوب الموجة، واستفاد النظام الحالي من هذا الوضع، كما أن وجود عناصر تنظيم القاعدة ونشاطها  المرتبط بالوضع الإقليمي وخصوصاً مايحدث في سورية ساهم أيضاً في تراجع الحراك. أما العامل الثاني فهو تمكن نظام المحاصصة الطائفية الحالي من استخدام سلاح الطائفية، وحاول تصوير الحراك على أنه حراك «سني» بوجه حكم «شيعي» خلافاً للحقيقة، لكن اللعب على هذا الوتر أبعد الجماهير عن التركيز على الصراع الطبقي ودفعها إلى صراع على الهويات.

في الوقت الراهن هنالك حراك في مناطق الموصل، وصلاح الدين، والأنبار، وهذا الحراك يحمل دلالات، أهمها: أن هناك ظلماً حقيقياً لحق بهذه المناطق وهناك عقاب جماعي للناس فيها، فعندما تحدث عملية إرهابية من منطقة أو قرية معينة يتم ممارسة الأسلوب الأمريكي، حيث يتم اعتقال كل شباب القرية لمدة طويلة. ويضاف إلى ذلك عوامل أخرى كالبطالة، وانعدام العلاقة بين المؤسسات الحكومية في هذه المناطق والناس.

لماذا تأخر الحراك الشعبي العراقي عن غيره عربياً؟

الحراك في العراق وتاريخه القريب لم يتأخر بل كان مبكراً، حيث إن الشعب العراقي قام بانتفاضة شعبية كبرى بكل المقاييس في عام 1991، وشملت العراق بالكامل وكادت تطيح بنظام الديكتاتور صدام حسين، وتمكنت تقريباً من السيطرة على أكثر من 13 مدينة عراقية. ورفعت شعارات وطنية وطبقية. وشُنت حملة بربرية شديدة لتصفية المنتفضين ودفن عشرات الآلاف أحياء.

بهذا المعنى نجد أن «الربيع العربي» قد بدأ في العراق فعلاً، لاحقاً نجد وبعد احتلال العراق وسقوط النظام الفاشي على يد أسياده من الأمريكيين، أصبح وضعنا مختلفاً عن البلدان العربية الأخرى، كون العراق بلداً محتلاً، فأصبح الخلاص من الاحتلال هو رأس الأولويات، وعندما «انتهى» الاحتلال باتفاقية 31/12/2011 بدأ العراق بالعودة إلى القضية الأصل وهي الصراع على طبيعة النظام الاقتصادي وعلى طبيعة حل المشاكل الاقتصادية المتفاقمة منذ عقود.

نرى أن عوامل حدوث الانتفاضة في العراق قائمة، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، فهناك مانسبته %40 تحت خط الفقر، وهناك بطالة، وملايين الأرامل، ومنظومة فساد شاملة، وفي تقديرنا إن انتفاضة العراق ستكون ثورة كبيرة تتجاوز الثورات الشعبية العربية، والفارق بينهما سنلحظه كون القوى الدينية حكمت في العراق لسنوات.


• إذاً هل يمكن أن يتفادى الحراك الشعبي العراقي البنية الطائفية؟

حسب المعطيات فإن الخطاب الطائفي أصبح ضعيفاً جداً، ففي المرحلة التي كان فيها الصوت الطائفي عالياً بين عامي 2005 و2007، قام الشعب العراقي بالتصدي لهذا الخطاب، وعمليات الذبح والقتل لم تكن بين المواطنين، إنما بين ميلشيات حاولت أن تشعل حرباً أهلية. ونجد اليوم أن القوى التي بنت كل خطابها السياسي على «المظلومية» على سبيل المثال، لاتتحدث إلا عن مشروع وطني عراقي، لأنها اكتشفت أن خطابها مفلس وأوصلها للعزلة السياسية، وفي جهة مقابلة نجد أن القوى التي تتاجر الآن بالمظلومية الطائفية «المضادة» خطابها معزول وغير مقبول، فالعامل الطبقي والاقتصادي الاجتماعي هو الآن في الصدارة، واعتقد أن هذه القوى لن يكون لها دور في المرحلة القادمة.

• كيف تقيمون دور واتجاهات القوى السياسية في العراق اليوم، سواء الموجودة في الحكومة أو تلك التي في المعارضة؟

منذ احتلال العراق وسقوط النظام كان هناك اتجاهات عدة:

الاتجاه الذي بنى العملية السياسية بإشراف بول بريمر، والذي جُرب على مدى عشر سنوات لينتج نظام محاصصة طائفية إثنية مقيتة، ونظاماً فاسداً بشكل مكشوف وهو يعيش أزمة بنيوية وهو غير قادر على الاستمرار بالحكم.

الاتجاه الثاني: وهو اتجاه خليط من بقايا النظام السابق ومن القوى المتضررة من سقوطه، ومن القوى الخارجية، كتنظيم القاعدة وأمثالها، وهذا الاتجاه كان لديه هدف أساسي هو إسقاط هذه العملية السياسية والعودة إلى مايشبه النظام السابق أو تقاسم جديد في إطار الرضا الأمريكي أو بنشر الفوضى.

الاتجاه الثالث: وهو اتجاه أصحاب المشروع الوطني التحرري من القوى الوطنية واليسارية و التقدمية، حيث كان صوت هذه القوى غير مسموع كثيراً ولكنه كان موجوداً، وهم دعوا إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني أو حكومة تكنوقراط بمعزل عن أي اتفاقيات مع الأمريكيين لمدة عامين تقوم بمهمتين: الأولى إعادة إعمار العراق وتقديم الخدمات وتوفير الأمن، والثانية مهمة مجموعة وزراء متخصصين تقوم بالإعداد للمرحلة الانتقالية، كإعداد الوثائق، ودستور جديد للبلاد، وتشريع بعض القوانين للمرحلة الانتقالية، والتحضير لانتخابات حرة.

والآن تبلور شكل من أشكال هذه القوى من خلال القائمة الانتخابية لمجالس المحافظات المزمع انطلاقها في نيسان تحت اسم «عابر4»، (القائمة الأولى قومية، والقائمة الثانية تتاجر بـ«السنية»، والقائمة الثالثة تتاجر بـ«الشيعية») وهذه القائمة عابرة لهذه الإثنيات وهناك تقبل شعبي لهذا الخيار.

• ماذا عن اليسار العراقي ودوره في الحراك الشعبي، سمعنا عن نواة لتشكيل سياسي جديد؟

تعرض اليسار العراقي في 2003 لضربة كبيرة من قيادة الحزب الشيوعي العراقي، فصحيح أن هنالك صراعات على مدى عقود في الحزب الشيوعي العراقي باعتباره الحزب اليساري الأكبر والأقوى في البلاد، لكن هذا الصراع كان على أساليب الكفاح وأساليب استلام الحكم، ولكن في ذلك العام صار لدينا انتقال كارثي، فالصراع بات لأجل الحفاظ على هوية الحزب الوطنية وليس الطبقية. فقيادة الحزب اختارت الاشتراك في مجلس الحكم في إطار المحاصصة الطائفية الإثنية، وأصبحت عملياً مشمولة ضمن الاتفاقيات المعقودة مع الأمريكيين، وفاقدة للهوية الوطنية.

وخلال 30 عاماً الماضية أي ماقبل الاحتلال وخصوصاً من 1979 إلى 2003، تشكلت مجاميع عديدة كان أهمها مجموعتي بغداد عام 1979 بقيادة عبد السلام عادل  في الحزب الشيوعي العراقي والثانية مجموعة الكفاح المسلح باسم «شيوعيون عراقيون»، وهاتان المجموعتان عملتا سوية بهدف تقديم برنامج يساري جديد بديل للمدرسة الانتهازية المهيمنة على الحزب الشيوعي العراقي. ونشأت مجموعات جديدة مابعد الاحتلال، وهناك مجموعة نشأت بعد ما أصدرنا صحيفة «اتحاد الشعب» في بغداد في عام 2004 وسميت باسمها. وفي عام 2007 بعد المؤتمر الثامن ظهرت كتلة باسم كتلة «تصحيح المسار»، رافضة للسياسة الرسمية للحزب. وهناك مجموعة كبيرة  من المقاتلين والأنصار، استقروا بعد انتهاء تجربة الكفاح المسلح، كلاجئين في المنطقة، وكل هذه المجاميع عقدت سلسلة من الاجتماعات في مختلف مناطق العالم، توصلت بموجبها إلى الإعلان عن التيار اليساري العراقي الذي أتحدث باسمه الآن وقدمنا برنامجا يساريا بديلاً، وطنياً ومناهضاً للاحتلال وداعماً للمقاومة، ويعمل على إسقاط نظام المحاصصة الطائفية والإثنية.

توجت هذه العملية لاحقاً وخلال السنتين الماضيتين، برؤية جديدة وطريقة عمل جديدة تقوم على التعامل الديمقراطي بين الفصائل اليسارية المختلفة، ونتج عنها تشكيل «لجنة العمل اليساري المشترك» وأُعلن عنها في 1 شباط 2013، وهي تضم مجموعة من الفصائل اليسارية وبيان تأسيسها منشور في العدد الماضي من جريدتكم.