أرض كنعان.. تحرثها التغيرات الدولية

أرض كنعان.. تحرثها التغيرات الدولية

عرضت الحكومة الفرنسية مبادرة لتحريك «مفاوضات السلام» المتوقفة بين الجانب الفلسطيني وكيان العدو منذ عامين، ويعود ذلك إلى عامل أساسي وهو أن أقصى ما يمكن أن تقدمه حكومة الكيان هو أقل بكثير مما يمكن أن يقبله الفلسطينيون، وما يقبله الجانب الفلسطيني المفاوض اليوم، هو أقل بكثير مما يمكن أن يحققه الفلسطينيون غداً.

على أرضية ما سبق، تسارع القوى الغربية لتحريك مياه «المبادرات» الراكدة لإنقاذ الحليف الصهيوني, أما الرفض الشكلي للمبادرة من سلطة الاحتلال، فلا يعدو كونه محاولة لإظهار أن الكرة هي في الملعب الفلسطيني، وهي ليست إلا قنبلة دخانية وصوتية رامية إلى إيهام السلطة الفلسطينية أن الطريق الوحيد المتاح هو القبول بـ«المبادرة» الفرنسية كما هي.

«ثوابت السلطة» والمبادرة الفرنسية

السلطة، بدورها، مأزومة هي الأخرى، فهي بعد ارتفاع مستوى الحراك الشعبي الفلسطيني في أراضي الـ48 والضفة، لم لا تعد تملك الكثير من إمكانيات التمادي في التنازل أو المسايرة. إذ أن حركة الشارع تشير إلى أنه لن يقبل بعد بأي شكل من أشكال التسويف، وأنه في حركة مستمرة للوصول إلى قيادة فلسطينية جديدة تعكس الموازين الدولية من جهة تراجع الأطراف الداعمة للعدو، وتقدم الأطراف الداعمة للحق الفلسطيني، وتعكس موازين قوى الداخل التي تريد تحرير فلسطين، بالوسائل المشروعة كلها.

تنص المبادرة الفرنسية على عقد مؤتمر دولي، يضم الرباعية العربية وعشرين دولة أخرى، منها أعضاء مجلس الأمن، دون حضور الجانبين الفلسطيني و«الإسرائيلي»، لبحث إمكانية إطلاق المفاوضات من أجل الوصول إلى حل الدولتين، وقد تركت المبادرة، قضية العودة والمستعمرات في الضفة مبهمة ومعلقة.

وافقت سلطة أوسلو على المبادرة، واعتبرتها «انتصاراً للشعب الفلسطيني»، بينما الحقيقة التي لا جدل حولها أن المبادرة فسحة تنفس لها، في ظل التصعيد الميداني الفلسطيني المقاوم الذي يرفض أي شكل من أشكال التنازل عن الحقوق كاملة. فرأس السلطة، محمود عباس، الذي «هدد وتوعد»، وقال أنه لن يفاوض قبل إيقاف الاستيطان وإطلاق سراح المعتقلين القدامى المشمولين في «أوسلو» قدم تنازلاً جديداً ووافق على المبادرة التي يضمن الفرنسيون فيها لسلطة أوسلو اعترافاً بدولتهم المبهمة في حال فشلت المفاوضات. ويعد هذا «الاعتراف» تحصيل حاصل نظراً لتغيرات الموازيين الدولية، سواء فاوض عباس أم لم يفاوض، بحكم أن الغرب يريد حصر الحل بيديه قبل أن ينتقل إلى غيره.

الموازين تسمح بما هو أعلى

هذا ما يربك حكومة العدو ويرعبها، فالحلفاء اليوم أضعف بكثير من أي وقت مضى، ولذلك يرفض نيتنياهو المبادرة شكلياً لإقناع الفلسطينيين أن المبادرة في صالحهم، بينما تشكل المبادرة- بحسب جريدة «معاريف» الصهيونية- «أفضل ما يمكن، لإخراج (إسرائيل) من الهلع الأمني والسياسي»، وبحسب الجريدة، فإن «من يرفض المبادرة، عليه أن يقدم مبادرة لتقسيم تلك الأرض ما بين النهر والبحر، وأن يضمن أمن الدولة الصهيونية كدولة يهودية».

وإذا كان لا بد من مبادرة لإخراج «إسرائيل» من أزمتها، فالتفاوض الدولي وتدويل الحل لم يعد يضمن تخفيض وزن الداخل الفلسطيني في عملية التفاوض، لأنه في حال استمرار التدويل، سيكون على الكيان تقديم «تنازلات» أكبر وأعمق للخروج من الوضع السياسي والأمني، نظراً إلى أن التدويل لم يعد دوماً لمصلحة واشنطن وحلفائها.