ستيركوه ميقري ستيركوه ميقري

الأزمة الكويتية بروفة لثورات خليجية قادمة!

تشهد الساحات السياسية في المجتمعات الخليجية في الوقت الراهن تحولات وتحركات جماهيرية  الأمر الذي يدل على ضعف قدرة الأسر الحاكمة على وقفها كما كانت تفعل سابقاً.

وأوضح مثال عليها هو ما يجري في الكويت حالياً من احتجاجات، عـلى تعـديـل مثير للجـدل في القانون الانتخابي الذي يعتمـد على الصوت الواحد، فبعد انتهاء مهلة تسجيل الترشيحات إلى الانتخابات التشريعية الكويتية المبكرة، تبين أن المعارضة  بكل أطيافها قد قاطعتها احتجاجاَ على التغييرات التي حدثت على خريطة الدوائر الانتخابية.
وكان لافتاً أنه لم يسجل لخوض هذه الانتخابات أي معارض، كما ترشح عشرة أعضاء فقط من البرلمان السابق من أصل الخمسين نائباً الذين انتخبوا في شهر شباط لخوض الانتخابات المقبلة، مما يعني أن البرلمان الجديد سيكون موالياً للحكومة ولا يتمتع بقاعدة تمثيلية حقيقية للشعب الكويتي.

التويتر والفيسبوك

ساحات لفضح الفساد

وبوجود وسائل الاتصال الحديثة وسهولة استخدامها من جماهير الشباب وخصوصاً التويتر والفيسبوك وضعف قدرة السلطات على السيطرة عليها حفزتهم على استخدامها في التعبير عن آرائهم تجاه  ما يجري في مجتمعهم من فساد ونهب للمال العام وانعدام الفصل بين السلطات وسيطرة الأسرة الحاكمة عليها وعدم قدرة الصحافة على توجيه الانتقادات بسببها، وهي أمور لا تخص الساحة الكويتية فقط بل تشمل كل الدول الخليجية دون استثناء، في غضون ذلك لا تزال فضيحة التحويلات المالية تتفاعل في الصحف والديوانيات زاعمة أنها رشاوى دُفعت إلى نحو خمسة عشر من النواب الحاليين، كما أن النيابة العامة باشرت التحقيق مع بعض منهم، بعد أن توفرت وثائق مصرفية تؤكد الشبهات المثارة ضدهم ما يعني تلقائياً أن هؤلاء ومعظمهم من أبناء القبائل لن يتمكنوا من إعادة ترشيح أنفسهم، وتتوقع مصادر أن تبادر أوساط المعارضة إلى كشف أسماء من تعتبرهم مرتشين لتضمن عدم عودتهم إلى البرلمان، وعلى هذا يرى عدد من الخبراء أن انتخابات شباط ستكون ساخنة بل هناك من يصفها بمعركة «كسر العظم» بين تيارين داخل الأسرة الحاكمة، وفي الوقت نفسه بين السلطة وتيار المعارضة.

أسباب الأزمة

شهدت الكويت هذه السنة سقوط مجلسين: الأول سُمي برلمان 2012 الذي انتخب في شباط الماضي ثم أبطلته المحكمة الدستورية وثم أعادت الشرعية إلى البرلمان الثاني/السابق 2009 الذي قالت إن خطأ دستورياً حصل في إجراءات حله، لكن نواب المعارضة فيه حالوا دون تجديد انعقاده مما اضطر الحكومة إلى مطالبة الأمير بحله فاستجاب لها، ويتداول الوسط السياسي أفكاراً  تراود الحكم منها مثلاً: استخدام صلاحيات الأمير لإصدار مراسيم لتغيير طبيعة الاقتراع بحيث يُعتمد نظام الصوت الواحد للمرشح الواحد في الدوائر الخمس، لكنها أفكار تجازف بتجاوز الدستور وتفسح المجال مسبقاً للطعن بدستورية البرلمان المقبل، ومنذ العام 2006 لم يعرف الحكم الكويتي سوى فترات متقطعة من الاستقرار السياسي، ولا يبدو الفصل الجديد في الأزمة مفتوحاً على حل دائم.

منذ اندلاع الأزمة بين الحكومات المتعاقبة وبين الانتخابات البرلمانية المتكررة كان أمير الكويت يسند رئاسة الحكومة لمن هم من داخل الأسرة الحاكمة فقط، وكانت تفوح من كل واحد منهم رائحة الفساد، فصعّدت المعارضة الكويتية، تحركها الاحتجاجي في «ساحة الإرادة» وهي الساحة المقابلة لمبنى البرلمان، حتى وصل الأمر لإقتحام بعض المشاركين فيها مبنى مجلس الأمة، مطالبين بإسناد رئاسة الوزراء لشخص من خارج الأسرة الحاكمة، مؤكدة أنها ستنظم كل ليلة تجمعاً في نفس الساحة حتى عشية صدور قرار المحكمة الدستورية في مسألة تعديل الدوائر الانتخابية، وأصر المئات من أنصار المعارضة على السهر في ساحة الإرادة بعد نهاية التجمع «بالرغم من قرار وزارة الداخلية منع أي شكل من الاعتصام»، مرددين شعار:«لأسرة الصباح الإمارة وللشعب الوزارة »، ولم تعد الغالبية تريد ما هو أقل من إمارة دستورية وحكومة منتخبة.

 مما يلفت الأمر أنه لا يوجد في الكويت أحزاب سياسية، والدستور لا يجيزها. لكن ثمة تجمعات سياسية باتت تنتظم وتتصرف على أنها أحزاب، كما أن الدستور لا يعطي الأسرة الحاكمة صلاحية السيطرة على الحكومة، إلا أن سلطاتها الواقعية صارت مع الوقت أقوى من السلطات الدستورية وهي التي يقع عليها الصراع حالياً. يبرز أيضاً دور القوى الدينية كجهات معارضة رغم أن الأسرة الحاكمة نسجت تحالفات معها ، وتبدو سيطرتهم على التعليم والإعلام والأموال واضحة، ومقارهم الحزبية منتشرة في كل المناطق في الوقت الذي لا يزال المقر الوحيد للقوى الوطنية الإصلاحية  نادي الاستقلال مغلقاً لأنه ارتكب جريمة الدفاع عن الدستور بنظر السلطة!

يبدو أن المعارضة اتجهت لرفع سقف مطالبها، مستفيدة من التحولات التي فرضها الربيع العربي، وأصبح واضحاً الآن أن الاستجوابات المتلاحقة التي تطارد بها الحكومات، هي إحدى الآليات لتحقيق هدفها الاستراتيجي، أي التحول إلى إمارة دستورية، وهذا لا يتناقض مع الدستور الحالي ولا يستدعي حتى أي تعديل عليه.

خطورات الحل الامني

ولا ينكر وجود هامش ديمقراطي في الكويت أوسع مما هو عليه الحال في البلدان الخليجية الأخرى، إلا أن ما يجري حالياً وخصوصاً ميل الأسرة الحاكمة إلى فرض حل أمني للأزمة يحمل تحت أجنحته خطراً على هذا الهامش، وقد اعتبر مراقبون للشأن الكويتي ومدافعون عن حقوق الإنسان أن الإعلان عن تشديد الإجراءات الأمنية بحق المتظاهرين السلميين يعد تجاوزاً خطيراً على ثوابت الديمقراطية ومصادرة للحقوق والحريات العامة، وبعد وفاة الأمير السابق ومجيء الحالي تم انتهاج سياسة معادية للتيار الوطني الإصلاحي بكل فئاته، وتم التحالف مع القوى المتخلفة وعبدة المال والأحزاب الدينية المعادية للدستور، فأصبح هناك تلاق استراتيجي معاد للدستور، وهو ما عبَّر عنه قيام رجال الأمن بالاعتداء على المحتجين والمتظاهرين السلميين، كما قد لا يظل الأمر محصوراً في حدود الكويت، ومن الممكن أن يمتد إلى الجوار الخليجي، حيث توجد دول لم تعرف صناديق الاقتراع والانتخابات الشفافة والنزيهة إطلاقاً مع وجود منع مشدد لتشكيل الأحزاب السياسية فيها.

 لقد بينت هذه الأحداث وتفاقم الأزمة السياسية أن جل ما يريده الكويتيون هو تحويل النظام الكويتي إلى إمارة دستورية تتيح للشعب الكويتي صلاحيات أوسع من صلاحيات الأسرة الحاكمة في حكم الشعب الكويتي و إدارة البلاد ، لكن حتى اللحظة وخاصة بعد الخطاب الأخير لأمير الكويت تفوح رائحة التهديد والوعيد لمن يهدد الديمقراطية والسلم الأهلي، ويبدو أن الديمقراطية المطلوب الحفاظ عليها هي ديمقراطية « الفساد » والفساد فقط .