هل النفط سبب غنى الشعب الفنزويلي ؟ (2/2)
استطاع تشافيز – بعد مرور فترة سنتين من الاضطرابات الاجتماعية التي اجتاحت فنزويلا – أن يطبّق مخططه القاضي بزيادة الضرائب – وبالتالي العائدات للدولة – على قطاع الطاقة النفطية في البلاد الذي كانت تديره شركات أجنبية.
إن تحويل الأرباح الناتجة من الصناعات الاستخراجية (النفطية) بشكلٍ مباشر إلى التنمية الاقتصادية ليس خطوة بسيطة ولا تتم بشكل تلقائي، بل عبر حصر المعونات الاجتماعية بمستحقيها الحقيقيين ألا وهم الفقراء.
لقد حاولت قوى طبقية ذات نفوذ كبير التصدي لهذه الخطوة التي كان يتم تطبيقها، حيث مرت سنتان من الصراع الطبقي الشديد قبل أن يتم تنفيذ هذه الخطوة الإصلاحية.
الغرب المنافق
لم تلق الحوادث التاريخية السابقة الذكر أي اهتمام لدى الإعلام الغربي ورموزه، حيث يتهم الإعلامي داير الرئيس تشافيز بأنه مسؤول عن معدل النمو المنخفض في فنزويلا، ويقول داير إن النمو هناك أقل من النمو في البرازيل أو في كولومبيا. بالطبع هذا صحيح بل أكثر من ذلك إنه أمرٌ بديهي لعدة أسباب، أولاً : إن البرازيل تمتلك أكبر اقتصاد في القارة الأمريكية الجنوبية وتتمتع بسوق محلية تفوق من حيث الحجم نظيرتها الفنزويلية بعدة مرات.
ثانياً : بالنسبة لكولومبيا فإن نموها – الظاهري – يعود لعمالة نظامها وارتهانه للولايات المتحدة، حيث كان ثمن هذا النمو تشريد ملايين الكولومبيين من أرضهم ومقتل الآلاف منهم على يد فرق الموت اليمينية المتطرفة.
ثالثاً : تمكنت فنزويلا في عام 2003 من إحكام سيطرتها على نفطها إلا أن صناعة النفط فيها لم تتمكن في الوقت ذاته من التعافي من خسارة العمال المحترفين الـ 18,000 من ذوي الياقات البيضاء.
وعلى الرغم من أن قرار عزلهم من وظائفهم كان أمراً متفهماً - نتيجة تحالفهم مع اتحاد أرباب العمل الذي أوصل البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً إلى شفير الكارثة - إلا أن هذه الخسارة كانت فادحة نتيجة التعقيد الكبير الذي وصلت إليه صناعة النفط المعاصرة من حيث حاجتها لعمال ذوي خبرة عالية كأولئك الذي تم صرفهم والذين لم يجر استبدالهم.
ديمقراطية تشافيز
بالعودة إلى موضوع الانتخابات الفنزويلية، فهناك بعض الحقائق التي لا بد من ذكرها للمقارنة بين واقع الأمور الآن وفي الماضي.
فقد شهدت المشاركة في الانتخابات الفنزويلية بين عام 1998 ووقتنا الحالي تزايداً كبيراً من حيث أعداد المشاركين حيث لم يتجاوز مجموع أصوات الناخبين في 1998 السبعة ملايين ناخب، ثم قفز هذا العدد إلى ما يقارب الـ( 12 مليوناً ) في 2006، و وصل في 2012 إلى أكثر من ( 15 مليوناً ) وهذا يعني أن إجمالي المقترعين في 2012 وصل إلى ضعف ما كان عليه في 1998.
إن النمو الذي شهده التعداد السكاني خلال هذه السنوات يمكن اعتباره سبباً ثانوياً في الزيادة التي طرأت على أعداد الناخبين، إلا أن السبب الرئيسي هو الزيادة الفعلية في مشاركة المواطنين في الحياة السياسية. ونورد هنا بعض الإحصائيات للبرهنة على صحة هذا الكلام :
بلغت نسبة المشاركين في انتخابات 1998 ممن يحق لهم الاقتراع (63.76%)، وازدادت في عام 2006 لتصل إلى (74.69%)، أما في هذا العام فقد وصلت هذه النسبة وبشكل مذهل إلى (80.52%)!
ومن الجدير بالذكر الحقيقة التالية : إن هذه النسب السابقة الذكر تفوق وبشكل كبير مثيلاتها في كندا وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الصحف الكبرى في هذه الدول خصوصاً كالـ( نيو يورك تايمز ) والـ( جلوب أند ميل )، وفي دول أمريكا الشمالية عموماً أن تعبر في صفحاتها عن حسرتها على هذه الحقيقة وأن تشيد في الوقت عينه بمستويات المشاركة العالية التي يحققها الفنزويليون في انتخاباتهم.
فلنلق الآن نظرة على النسب التي نالها تشافيز في انتخابات الرئاسة. فقد حقق عند انتخابه للمرة الأولى في 1998 (3.7) مليون صوت وفي المرة الثانية في 2006 وصل عدد المصوتين له (7.3) مليوناً. أما هذا العام فقد حقق تشافيز (8.2) مليون صوتاً بزيادة تتجاوز الـ( 800 ) ألف صوتاً عن ما حققه في عام 2006.
لقد شهدت انتخابات 2012 الرئاسية أضيق هامش فوز يحققه تشافيز، نظراً لعملية التعبئة الجادة من اليمين الفنزويلي للإطاحة به.
والأمر اللافت والمثير للإعجاب هنا أن تشافيز ورغم هذه الموجة العاتية والمنظمة من الجناح اليميني ضده استطاع أن يحقق زيادة ملحوظة في عدد الأصوات.
لم يكن هناك في انتخابات 2012 بدٌّ من الوقوف في صف تشافيز – رغم كل الانتقادات – وهو الأمر الذي فعله كل اليسار الفنزويلي – تقريباً – بما فيه تلك القوى التي كانت تنتقد كل من محدودية البرامج السياسية - الاقتصادية للحكومة وبقايا نفوذ الطبقة البيروقراطية داخل صفوف الحزب الحاكم.
جنون الأعداء
هناك تحدٍّ آخر أمامنا لكن هذه المرة من خارج فنزويلا. هذا التحدي يتمثل في نظرة كل من قادة الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا لتشافيز حيث لا يعدو هذا الزعيم الاستثنائي كونه – في نظرهم – مجرماً خطيراً.
ما هي جريمته؟ الجواب بسيط، لقد أغضب تشافيز هؤلاء عبر ترؤسه لحركةٍ إصلاحية قامت بالتصدي لأطماعهم في النفط الفنزويلي إضافةً لوقوفها بحزم في وجه محاولاتهم لاستنزاف مقدّرات هذا البلد الغني.
لقد قامت هذه الحركة بإعادة توجيه أرباح هذا القطاع – النفطي – الضخم ليتم استخدامها في تمويل برامج التنمية و المعونات الاجتماعية.
وكنتيجةٍ لما قام به، فإن شركات النهب الكبرى العابرة للقارات باتت على استعداد تام ودائم لدعم وتمويل أي جهود أو مخططات يعدّ لها اليمين الفنزويلي ضد تشافيز. وعلينا بالمقابل أن نكون دوماً على أهبة الاستعداد للقيام بكل ما يلزم للتصدي لهذا التحالف ( بين قوى النهب العالمية في الخارج واليمينيين في الداخل) وإفشال كل مخططاته الحالية والمستقبلية.