«الشرق الأوسط» يغلي
سمّها حمى النفط والغاز. أصيبت بها دول تملك احتياطيات كبيرة ومتوسطة، بل وحتى بعض الدول التي تملك احتياطيات صغيرة أو بلا أي احتياطيات تقريباً. لمجرد التواجد في جوار مستهدف، والحكومات المستقلة هي الأكثر تعرضاً لها.
تشير التقارير إلى أن الأسوأ لم يأت بعد، فإيران هي الهدف بعيد المدى للولايات المتحدة وإسرائيل، سورية قيد الغليان باستعار الحرب التي يشنّها وكلاء الولايات المتحدة منذ بداية السنة الفائتة. تم التخطيط لهذا قبل سنوات، و تحدثنا في مقالات سابقة عن رغبة الولايات المتحدة في استبدال الحكومات المستقلة، بحكومات دمى. الحرب هي الحل الأخير عندما تفشل الوسائل الأخرى.
التّسخين
يلوح في الأفق تدخل الولايات المتحدة-الناتو. نشر صواريخ باتريوت في تركيا قرب الحدود مع سورية يقترب بشكل خطير من إعلان الحرب، هذا الإعلان الذي قد يأتي لاحقاً.
وافقت ألمانيا على المشاركة، حيث صدقت على إرسال 400 جندي إلى الحدود التركية-السورية. ستؤمن واشنطن وبرلين وهولندا صورايخ باتريوت، التي وافق الناتو يوم الثلاثاء رسمياً على نشرها، وستسيطر عليهم عملاتياً، القيادة العليا للحلفاء في أوروبا (SACEUR).
تعتبر واشنطن الخليج الفارسي والبحر المتوسط بحيراتها الخاصة، حيث تهيمن وحدات بحرية على هذه المياه بشكل كامل. تجثم «يو إس إس إيزنهاور» قبالة الساحل السوري وعلى متنها ثمانية أسراب من القاذفات المقاتلة وثمانية آلاف جندي، حيث انضمت للمجموعة «يو إس إس أيوو جيما» البرمائية، التي تحمل حوالي 2500 من قوات المارينز على متنها، إذ يقول موقع «ديبكا» المحسوب على الموساد: «10000 مقاتل أمريكي و70 قاذفة مقاتلة و17 سفينة حربية على الأقل، بما فيها ثلاث من مجموعة «أيوو جيما» البرمائية وطراد صواريخ موجهة و10 مدمرات وفرقاطات» متمركزة قبالة السواحل السورية أو في مكان قريب.
كما أن أربع سفن تحمل معترضات الصواريخ من نوع «أيجيس». بعضها نووي التسليح، ترابط في مكان قريب. بإمكان القوة النارية الأمريكية الجاثمة قبالة السواحل السورية أن تدمر البلد بأكملها. يبقى لنا أن نرى ما سيحدث لاحقاً.
هذه التركيبة المؤلفة من سفن قتالية بحرية عالية القدرة والدروع الثقيلة وآلاف الجنود والعشرات من الطائرات الهجومية و صواريخ باتريوت ونظام صواريخ أيجيس البالستي وإمكانيات محطة الدفاع عن المناطق المرتفعة (THAAD)، تشير هذه التركيبة إلى أن حصول تدخل مباشر بقيادة أمريكية قد يحصل في أي وقت.
يوم الثلاثاء، أقر مجلس الشيوخ بالأغلبية التعديل رقم 2013 على مرسوم سلطة الدفاع القومي (NDAA). يطالب هذا التعديل أوباما بإعلام الكونجرس بنوايا تطبيق منطقة حظر جوي فوق سورية أو أي شكل آخر من التدخل المخطط له.
يقترح هذا التعديل احتمالات التدخل الأمريكي، وعلى الحلفاء أن يكونوا مشاركين إن حصل. يجب تجنب التواجد العسكري البري الأمريكي. قد تندلع الأعمال العدوانية في أي وقت والرأي في واشنطن منقسم، إذ يرغب الصقور النافذون بأن يتم عمل شيء الآن.
تقول لغة التعديل إنه ليس إعلان حرب أو تصريح باستخدام القوة، لكنها لا تنفيها، حيث تطالب بتقييم الخيارات العسكرية الأمريكية وتقترح إقامة منطقة حظر جوي.
نشر صورايخ باتريوت على الحدود مع سورية يشير إلى ذلك، وتعديل الكونجرس يضيف مزيداً من الأسنان، حيث يقترح تدخلاً محتملاً باستخدام واحد من ثلاثة سيناريوهات أو بالمزج بين اثنين أو أكثر.
قد يشمل العدوان الأمريكي استخدام صورايخ باتريوت، فرض منطقة حظر جوي فوق مراكز سكانية، و/أو ضربات جوية للناتو بقيادة أمريكية.
الداعمون للتعديل دعوه «تقييماً معقولاً» لكيفية قيام قوات البنتاغون بتخفيض أو إعاقة القدرات الجوية السورية. البعض أطلق عليه «الخطوة الأولى» تجاه تدخل أمريكي مباشر.
يرغب الشيوخ بأن يبقوا على اِطّلاع بخصوص المخططات، بموافقة معظم أعضاء المجلس مررواً بإجراءات (NDAA) في وقت مبكر هذا العام. سيتم الموافقة على كلا النسختين بمجرد تمرير مشروع قانون نهائي في المجلس. وسيتحول إلى قانون بتوقيع أوباما عليه.
قام أوباما بإطلاق تهديدات لا أساس لها حول الأسلحة الكيميائية السورية، وقال إن استخدام هذه الأسلحة «خط أحمر». وهو يبحث عن طرق لافتعال تدخل على أوسع نطاق.
قد يلي التوقيت تنصيب أوباما في كانون الثاني، وربما في وقت أقرب. تشير التقارير إلى تورط «إسرائيل» في مخططات لإزاحة النظام السوري. ناقش مقال سابق تقرب «إسرائيل» من مسؤولين أردنيين بخصوص مهاجمة مواقع أسلحة كيميائية سورية.
تقترح ادّعاءات أمريكية لا أساس لها أن سورية تمتلك قنابل غاز السارين «غاز الأعصاب» في وضعية الجاهزية، تقول هذه الادّعاءات إنها تمركزها في مواقع غير معروفة بعد.
تنفي سورية هذه الادّعاءات بشكل قاطع، و قال تصريح لوزارة الخارجية السورية إن القوات العسكرية «لن تستعمل السلاح الكيميائي، إن وجد، ضد شعبها تحت أي ظرف من الظروف».
في الثاني من كانون الأول، أطلقت نيويورك تايمز تهديدات السلاح الكيميائي التي لا أساس لها، ونسبت مصادرها إلى «مسؤولين» رفضوا نشر أسمائهم، وقال أحد المسؤولين الأمريكيين: «رأينا نشاطات تشير إلى بعض التجهيزات المحتملة للأسلحة الكيميائية».
ادعى هذا «المسؤول» أن هذه النشاطات تتجاوز مجرد نقل الأسلحة من مكان لآخر. لم يتم تقديم أي دليل على وجود مخططات لاستخدامها.
تسريب قصة الأسلحة الكيميائية جاء في توقيت استراتيجي. سبق هذا التسريب اجتماع وزراء خارجية دول الناتو في بروكسل، ووافقوا على نشر صورايخ باتريوت.
هذا الأمريضع الأسس لفرض منطقة حظر جوي فوق مراكز سكانية سورية دون الحصول على موافقة مجلس الأمن. الناتو يتجه بقيادة أمريكا نحو إعلان الحرب تدريجياً.
تأهّب الرّوس
أصدر فلاديمير بوتين تحذيراً مبطناً بعد اجتماعه ليوم واحد برئيس الوزراء التركي أردوغان في اسطنبول. المقصود بهذا التحذير هو واشنطن:
«نحن معنيون بمستقبل سورية. لا نريد أن تتكرر الأخطاء نفسها في المستقبل القريب. علينا أن نتذكر كيف أن بعض الأنظمة دعمت المتمردين في ليبيا» وكيف اتخذ هذا الأمر منحى سيئاً.
في الوقت ذاته، بوتين على دراية تامة بأن حرب واشنطن على سورية تلوح في الأفق. سوف تخسر روسيا والصين الكثير في حال حققت أمريكا سيطرة إقليمية بلا منازع. يبقى أن يظهر كيف سترد كلتاهما على هذا الأمر.
الإخوان يفجرون الأزمة
مصر أيضاً لا تزال في حالة غليان، ففي الثالث والعشرين من تشرين الثاني، اندلعت احتجاجات في طول البلاد وعرضها. جاءت هذه الاحتجاجات بعد مرسوم الرئيس محمد مرسي في الثاني والعشرين من تشرين الثاني الذي يمنح به نفسه قوى ديكتاتورية.
بالرغم من المعارضة القوية، وافقت الجمعية التأسيسية المصرية على مسودة الدستور في الثلاثين من تشرين الثاني، وسيتم إجراء استفتاء في منتصف كانون الأول لإقرار الدستور. تليه الانتخابات في بداية عام 2013.
قال مرسي بأنه في حال تم الموافقة على الدستور، سيقوم بإبطال صلاحياته الاستثنائية غير المحدودة. شكوك المصريين بهذه التصريحات لها ما يبررها، حيث أثبتت وعود سبقتها أنها وعود فارغة.
تدعم واشنطن مرسي و حكومته تحت قيادة الإخوان المسلمين، حيث تعتبرهم حلفاء استعماريين موثوقين. خسارتهم تعتبر مؤذية لواشنطن.
في السادس من كانون الأول، قامت دبابات وعربات مدرعة بحماية القصر الرئاسي، واستقال ثلاثة من مستشاري مرسي، الذي ألغى بدوره خطاباً كان مقرراً يوم الأربعاء. دعا رئيس الوزراء هشام قنديل إلى الهدوء والحوار الوطني.
منذ اندلاع الاحتجاجات، قتل ستة أشخاص، وجرح واعتقل المئات. ولا شيء يشير إلى قرب انتهاء الاشتباكات. يوم الثلاثاء، اقتحم محتجون حواجز الأسلاك الشائكة الخاصة بالقصر الرئاسي، الذي غادره مرسي ليحمي نفسه، وعاد إليه لاحقاً. ينعكس الهرج والمرج اشتباكات في الشارع، ويطلق المتظاهرون على احتجاجاتهم «التحذير الأخير»، مطالبين مرسي بإلغاء قراراته، معارضين الدستور المكتوب على عجل، والمبني على الشريعة، والذي يؤسس لحكم دكتاتوري ذي طابع إسلامي ولحكم عسكري، مشكلاً بذلك أسوأ ما ترفضه غالبية المواطنين في مصر، مبقياً على حالة الغليان، وضامناً لحصول حملات قمع شديدة ضد المعارضين. تراوح اندلاع الغضب الشعبي بين الانفجار والعودة للهدوء خلال السنة الماضية، و أكدت العهود التي تم الحنث بها على استمرار هذا الوضع.
يرغب أوباما بأن يقوم مسؤولو الإخوان المسلمين والعسكريون بإدارة الأمور، فالغرب يقدم لهم دعماً مالياً، بمبالغ معتبرة. ومرسي هو تكنوقراط نال تعليمه في الولايات المتحدة. بينما تناقض صورته العامة تواطؤه مع واشنطن ودول الناتو الأخرى، فهو من المتشددين في معاداة النظام السوري. ويقوم بدعم فرق الموت المعارضة للنظام في سورية، ويَدّعي دعم الفلسطينيين. إنه مجرد طاغية إقليمي آخر كغيره من الدمى. فهو في مأمن طالما احتفظ بالدعم الغربي، وسيحصل على ذلك الدعم طالما بقي متذكراً من هو «الزعيم».
ليس المصريون في حال أفضل من حالهم قبل اندلاع الاشتباكات المعادية لمبارك، إذ لا يزال تجاهل مطالبهم المشروعة قائماً، والوضع ذاته في معظم دول المنطقة.
بالرغم من الانتفاضات في ما يقارب الدزينة من الدول، أو أكثر، لم يحدث أي تغيير حقيقي، ولا يزال الكفاح من أجل التحرر قائماً. الناس في معظم دول المنطقة يريدون فرص عمل ودخلاً لائقاً وخدمات أفضل وإنهاء حالة الفساد والقمع، كما أنهم يطالبون بتغيير ديمقراطي تحرري في قسم من العالم، يَمثل فيه الفقر والبطالة والطغيان واقعاً حياتياً يومياً لعشرات الملايين من الناس.
يفرض الطغاة الإقليميون أسوأ الظروف على الناس، الذين بدورهم يريدون التغيير بعد أن طفح بهم الكيل. وهم متروكون وحدهم ضد هذه القوة القمعية الراسخة، ويزيد الدعم الغربي في صعوبة صراعهم التحرري. لا يمكننا أن نتوقع حلاً سهلاً أو سريعاً، فالقوى الظلامية ستعمل ما بوسعها لسحقهم، ويبقى التغيير الحقيقي حلماً بعيد المنال.